منذ بداية المعارك الإنتخابية النقابية، ظهرت جدليةٌ بين القوى والمجموعات التغييرية، لم تتمكّن من حلّ شيفرتها لغاية اليوم. فقبل أسبوعٍ على إقفال باب الترشيحات، ما زالت هذه القوى عاجزة عن الإتفاق على مبدأ أساسي، هل تخوض معركةً سياسية أم تحالفاً إنتخابياً؟. والإجابة عن هذا السؤال، من شأنها أن تُحدد لكلّ مجموعةٍ أو حزبٍ جديد، مساره وموقعه من أي انتخابات، وبالتالي ستساهم بمدى تقبّله للتحالف مع شخصيات وأحزاب تقليدية، أو حتّى شخصيات خرجت في الأمس القريب من رداء أحزابها.
لا شكّ أن القاعدة الأساس التي تعتمدها أحزاب السلطة، هي قاعدةُ المصلحة الإنتخابية، وقد ظهرت بشكلٍ جليّ وواضحٍ في الإنتخابات النيابية السابقة في أكثر من دائرة، وقد "أبدع" في تطبيقها "التيار الوطني الحر" الذي تحالف مع "الجماعة الإسلامية" في صيدا، وفي الوقت عينه، تحالف مع ميشال معوض في زغرتا، وما بينهما من تحالفات لا يجمع بين أطرافها، سوى المصلحة الإنتخابية والوصول إلى عتبةٍ جديدة من الحاصل الإنتخابي. وهذه الرؤية لم تقتصر على "التيار الوطني" ، ففي دائرة الجنوب الثالثة، على سبيل المثال لا الحصر، عقد النائب طلال إرسلان، تحالفاً إنتخابياً مع تيّار "المستقبل" في مواجهة تحالف "أمل - حزب الله".
ولا تقف هذه النظرية عند الإنتخابات النيابية، بل تمثّلت منذ شهرين في الإنتخابات النقابية. ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس سعد الحريري، تجميد عمله السياسي، كان هناك من ينسج تحالفاً بين تيّاره و"حزب الله" وحركة "أمل" وتيّار "العزم" و"المردة" وغيرهم من قوى السلطة في انتخابات رابطة التعليم الثانوي.
هذا الخيارُ الواضح لقوى السلطة بالتفريق بين التحالفات الإنتخابية والسياسية، يُقابله عدم وضوحٍ في الرؤية بين مجموعات المعارضة، فثمة وجهتا نظر لكلّ منهما، تستند لمقاربته ورؤيته والأدلة التي تدعم خياراته. الوجهة الأولى ترى أن مفهوم العمل السياسي، يجب أن ينطلق من مبادىء وقيم لا يمكن التنازل عنها، وهي ترتبط بشكل وثيق بالمصداقية والوضوح، فلا يمكن المناداة بالتغيير والإصلاح والقيام بنفس ممارسات قوى السلطة، فضلاً عن ضرورة تقديم بديلٍ واضح المعالم للناس، ممّا يُتيح لها فرصة الإختيار بين طرفين نقيضين من ناحية، وكذلك اختيار المشروع البديل المقنع لها من ناحيةٍ أخرى.
والوجهة الأخرى ترى بأن مواجهة قوى السلطة، والتي ما زالت تحتفظ بعناصر قوة كثيرة ومتعددة، غير ممكنة إلاّ بالتضامن والتكافل بين جميع المكوّنات الرافضة لهذا الواقع، ودون ذلك فإن أي حديث عن معركة إنتخابية حقيقية مجرد وهم، وهذا الرأي يستدعي بجانبٍ منه، غضّ النظر عن بعض الإختلافات في التوجّهات العامة لهذه المجموعات، مع التركيز على الخيارات المشتركة من مكافحة الفساد وضرورة مجابهة السلطة.
لكلّ من وجهتي النظر، منطق معيًن لا يُمكن التغاضي عنه، وهذا ما جعل من كل طرفٍ متمسكاً برأيه، وأدى إلى وقوع المزيد من التشرذم داخل قوى التغيير، ولذا فإن هذه القوى، بحاجة إلى إنتاج صيغةٍ معتدلة ومقبولة، تُحاكي مخاوف الطرفين وقادرة على الجمع بينهما.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :