روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
يساور القلق الكثيرين إزاء الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) وتداعياتها المحتملة. اليوم، يبدو جوزيف بايدن متقدماً بفارق مطمئن في استطلاعات الرأي، بما في ذلك ولايات محورية كبرى مثل ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا التي سبق أن أولت تأييدها ترمب عام 2016.
ويعتقد بعض المحللين أنه من الممكن حدوث «تسونامي» من قبل الحزب الديمقراطي يمكن الحزب من السيطرة على البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس. جدير بالذكر في هذا الصدد أنه بجانب البيت الأبيض، يحمل مجلس الشيوخ أهمية قصوى للحزب الديمقراطي، نظراً لأنه يملك الموافقة على جميع التعيينات الكبرى في إدارة الرئيس مثل الوزراء ووكلاء الوزراء والسفراء والقضاة الجدد. كما أن موافقته ضرورية لإقرار الموازنة الحكومية السنوية.
يذكر أن مجلس الشيوخ في ظل سيطرة الجمهوريين عام 2014 أعاق الطريق أمام جميع المبادرات التي طرحها الرئيس باراك أوباما. ومن أجل أن يتمكن الديمقراطيون من إعادة السيطرة على مجلس الشيوخ عام 2020، يتعين عليهم في خضم ذلك الفوز بمقعد مجلس الشيوخ في المنطقة التي أعيش بها في ولاية مين بأقصى شمال شرقي البلاد.
والملاحظ أن المناظرات التي دارت بين المرشحين لعضوية الكونغرس هنا وفي الولايات الأخرى كانت حول القضايا ذاتها: الرعاية الصحية وفيروس «كورونا» المستجد، والقضاة المحافظين أم الليبراليين، بجانب قضايا الضرائب والاقتصاد. وخلال العديد من المناظرات التي دارت بين مرشحين، غاب ذكر روسيا والصين، في الوقت الذي بدا فيه الشرق الأوسط بعيداً للغاية عن أذهان القيادات الحزبية وأنصارهم.
الآن، وبعدما تقاعدت من العمل الدبلوماسي أعمل متطوعاً لصالح أحد الأحزاب. فيما مضى، كان أنصار حزب ما يحرصون على زيارة كل منزل لتشجيع الناخبين على التصويت لمرشحي حزبهم. الآن وفي ظل أزمة وباء فيروس «كورونا»، نحاول الحديث إلى الناخبين عبر الهاتف، وقد أجريت من جانبي اتصالات مع مئات الأشخاص في الضواحي والمدن القريبة من مسكني. والملاحظ أن غالبية الناخبين في المنطقة التي أعيش بها يدعمون الحزب الآخر.
وقد سبق أن كتبت في هذه الجريدة الكريمة عن الانقسامات السياسية العميقة داخل الولايات المتحدة، وتعاني مين من جهتها من المشكلة ذاتها. عندما أجري اتصالاً هاتفياً بأحد المنازل وأبدي تأييدي للحزب الآخر، يغلق الشخص على الطرف الآخر من الهاتف الاتصال فجأة من دون كلمة واحدة. أما الذين لا يسارعون إلى إغلاق الهاتف على الفور فيحرصون أولاً على كيل السباب واللعنات لي ولحزبي أولاً، ثم يغلقون الهاتف. وعبر مئات الاتصالات الهاتفية التي أجريتها، لم أخض مناقشة سياسية واحدة مع أي من مؤيدي الحزب الآخر.
وعندما ألتقي أشخاصاً من مدينتنا الصغيرة داخل أحد المتاجر أو في الكنيسة أو المكتبة، نادراً ما يتطرق الحديث إلى السياسة، لأنها أصبحت قضية مثيرة للألم. وتختلف هذه الحال تماماً عما كان عليه الأميركيون ونظرتهم إلى السياسة منذ عشرين عاماً ماضية.
ووضعت أنا وزملائي في الحزب لافتات أمام منازلنا وفي الشوارع لتشجيع الناخبين على اختيار مرشحينا، وفي بعض الأحيان عمد أنصار للحزب الآخر إلى سرقة هذه اللافتات، ما يضطرنا إلى وضع مزيد منها. وبمرور الوقت، ارتبطت بعلاقات صداقة مع بعض الجيران بفضل السياسة، فبعد أن شاهدوا اللافتات السياسية خارج منزلي، أتى إليَّ بعض الجيران لم أكن أعرفهم من قبل وطلبوا مني الحصول على لافتات لتعليقها أمام منازلهم.
داخل الضواحي الأميركية، عادة لا تكون لديك معرفة بجيرانك. وعليه، أتاحت لافتات الحزب لنا فرصة التعارف بعدما اكتشفنا أن لدينا وجهات نظر سياسية مشابهة. كما يكشف ذلك عن عمق حالة الاستقطاب التي تعيشها الولايات المتحدة حالياً: فأنت تتحدث عن السياسة فقط مع الأشخاص الذين تعرف أن لديهم آراء سياسية مشابهة لآرائك. إلا أن هذا الوضع غير صحي على الإطلاق لأي نظام ديمقراطي.
إلى جانب الفيروس، ثمة مخاوف جديدة كذلك من اشتعال أعمال عنف قبل الانتخابات وبعدها من جانب ميليشيات مسلحة. ورغم أن المنطقة التي أقطن بها تخلو من أي ميليشيات مسلحة، فإن الشرطة الفيدرالية ألقت القبض، الأسبوع الماضي، على ستة أعضاء في ميليشيا محافظة كانوا يخططون لاختطاف حاكم ميشيغان المنتمي للحزب الديمقراطي. وهذه المرة الأولى على الإطلاق التي أسمع فيها بمثل هذه المؤامرة داخل الولايات المتحدة.
وإذا لم يحقق الحزب الديمقراطي فوزاً كاسحاً أشبه بـ«تسونامي سياسي» في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، قبل أن نتمكن من معرفة النتيجة النهائية للانتخابات، فإنه سيتعين علينا الانتظار أسابيع بعد الثاني من نوفمبر حتى يجري فرز كل صوت داخل كل ولاية. وستشهد قاعات المحاكم كثيراً من القضايا حول إجراءات التصويت وفرز الأصوات.
والتساؤل هنا: هل ستظهر ميليشيا من اليمين أو اليسار أمام مباني المحاكم والمراكز الانتخابية لتخويف المسؤولين المحليين؟ هل ستقع أعمال عنف بين جماعات مسلحة محافظة ويساريين مثلما حدث في مدينة دنفر، السبت الماضي؟ كان هذا حادثاً صادماً لأن دنفر مدينة غنية مزدهرة.
وإذا لم تظهر نتئجة نهائية بحلول 20 يناير (كانون الثاني) عندما يتعين على الرئيس الجديد أداء اليمين، ماذا سيحدث؟ الأهم من ذلك، كيف يمكن للأميركيين التغلب على حدة الانقسامات السياسية؟ هل يرغبون حقاً في إقرار مصالحة؟ الواضح أن هذه الانتخابات لن ترأب الانقسامات السياسية العميقة التي يعانيها اليوم المجتمع الأميركي بغض النظر عن الفائز نهاية الأمر.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :