بعد توقيع الرئيس ميشال عون لمرسوم اجراء الانتخابات النيابية في 15 أيّار في العام الجاري بدأت التحضيرات في وزارة الداخلية لاجرائها وفق الجدول الزمني الموضوع لهذه الغاية، بحيث يقترع الموظفون في 12 أيّار ويقترع المغتربون في 6 أو 8 أيّار على ان تجري عملية الاقتراع العامة في جميع الدوائر الانتخابية يوم الأحد الموافق 15 أيّار.
يبدو من الأجواء السياسية والمالية المعقدة والمحمّلة بكل اثقال الأزمات المتعددة التي عصفت بلبنان منذ 17 تشرين أوّل عام 2019 بأن الطريق إلى الانتخابات في الربيع المقبل لن تكون سهلة ومفروشة بالزهور، وتدعو إلى التفاؤل بإمكانية انتخاب مجلس نيابي جديد يحقق آمال أكثرية الشعب بالتغيير، وبالتالي التخلص من الطبقة السياسية الراهنة، والشروع ببناء دولة فاعلة ونظيفة وشفافة وعادلة بدل الدولة الفاشلة التي خلفها الانقسام والتشرذم والفساد وسوء استعمال السلطة وتغييب الدستور والقانون.
يُؤكّد المسؤولون وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الداخلية بأن الانتخابات ستجري في مواعيدها، وهم يدعون المواطنين في الداخل وفي بلاد الاغتراب ليكونوا على استعداد للادلاء بأصواتهم، ولكن دعواتهم لم تنجح بعد من تبديد الهواجس من حصول تطور مفاجئ يعطل اجراء الانتخابات من خلال تأجيلها على غرار ما سبق ان حصل في السابق أو من خلال انفجار أمني، يحدث نتيجة حسابات الربح والخسارة التي تجريها بعض القوى السياسية، والتي يمكن ان تحدث تبديلاً في موازين القوى الداخلية، والتي هي الآن لصالح حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر.
تدعو المفاجآت التي حدثت في عام 2013، والتي جدد فيها المجلس النيابي لنفسه لفترة 16 شهراً لاعتبارات أمنية، بالإضافة الى التمديدين اللاحقين بحجة عدم توافق القوى السياسية على تشريع قانون انتخاب جديد إلى الحذر من إمكانية تحمية الأجواء من خلال اعتماد الخطاب الطائفي والالقائي، والدفع نحو الفتنة وافتعال حدث أمني يُعيد المقاتلين إلى خطوط التماس، على غرار ما حدث بين الطيونة وعين الرمانة في الفترة الأخيرة.
من هنا تبدو أهمية الاهتمام الخاص الذي يبديه المجتمع الدولي لاجراء الانتخابات في موعدها، مع ضرورة استمرار ربط كل أنواع المساعدات للبنان بالعملية الإصلاحية المطلوب اجراؤها سواء من قبل مقررات مؤتمر «سيدر» أو من قبل المبادرة الفرنسية. ولا بدّ في هذا السياق من ذكر التأثير الذي ستتركه الشروط التي حملها وزير الخارجية الكويتي، ومطالبته الحكومة اللبنانية بالرد على البنود العشرة التي تضمنتها الورقة التي سلمها للمسؤولين. ويجدر هنا التأكيد بأن الرد اللبناني لم يكن مقنعاً لاجتماع وزراء الخارجية العرب، وخصوصاً للبند المتعلق بتنفيذ القرار 1559 ومطلب نزع الميلشيات اللبنانية وغير اللبنانية، والذي يعني نزع سلاح حزب الله والمنظمات في المخيمات الفلسطينية. ولقد جنح الرد الذي شارك في صياغته عون وبري وميقاتي إلى تبرير تقصير الدولة في هذا الموضوع من خلال اعتبار ان تنفيذ القرار هو مسؤولية المجتمعين الدولي والإقليمي، وبأن محاولة تنفيذه من قبل الدولة اللبنانية سيعرض لبنان للاقتتال الداخلي.
وذهب المسؤولون إلى القول بأن الرد الرسمي قد جاء تحت مظلة البيان الوزاري لحكومة ميقاتي، وهذا الادعاء منافٍ للحقيقة حيث ورد في البيان الوزاري بتشريع «الحق للبنانيين بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي» وهو المخرج الذي اعتمدته الحكومة لإعطاء الشرعية لسلاح حزب الله في مواجهة إسرائيل، في الوقت الذي يُدرك فيه هؤلاء المسؤولون بأن المقاومة قد انتهى دورها كمقاومة في مواجهة إسرائيل منذ صدور وتطبيق القرار 1701، بقبول حزب الله نفسه.
في رأينا فإن الانتخابات تأتي في وقت تتوالى فيه الحملات المنددة بحزب الله وسلاحه من الداخل اللبناني ومن المجتمعين العربي والدولي، وتتسبب هذه الحملة التصعيدية ضده بتزايد القلق داخل بيئته، كما تصيب حلفاءه بحالة من الاضطراب والخوف من نتائج الانتخابات في ظل التراجع الدراماتيكي في البيئة المسيحية المؤيدة لهم، والتي تؤثر عليها الأزمة المعيشية الداخلية بالإضافة إلى مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي المنددة بالفساد وبأداء المسؤولين في الدولة، بالإضافة إلى رفع مطلب استعادة سيادة لبنان وتحرير رئاسة الجمهورية من هيمنة حزب الله، وذلك عن طريق العمل على تحييد لبنان عن كل الصراعات.
يُدرك حزب الله ما يعنيه التمسك من قبل معظم الفئات المسيحية بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وعلى اعتبار انها استحقاق مصيري، وهي تستقوي هذه المرة بالاصوات الاغترابية التي من المفترض ان تصب اكثريتها الساحقة لصالح المرشحين السياديين، وضد التحالف الذي سيضم الحزب وحلفاءه ممن استكبروا وتجبروا، وامعنوا في الفساد والرشوة وتكالباً على النفوذ والسلطة.
اما عن اجراء العملية الانتخابية في موعدها فقد ظهرت في الأيام الأخيرة مجموعة من المؤشرات عن إمكانية تأجيلها، بحيث يحافظ حزب الله وحلفاؤه على الأكثرية النيابية الراهنة (72 نائباً من أصل 128)، وبما يمكنهم من مواجهة جميع الضغوط العربية والدولية، بما فيها مزيد من العقوبات الأميركية ضد عدد إضافي من السياسيين والكيانات التابعة للحزب، ويمكن اعتبار الخطاب التصعيدي الذي ألقاه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ضد حزب القوات اللبنانية، والذي حمَّله أبشع التهم بأنه بداية لحملة سياسية واعلامية ستؤدي حتماً إلى حقن الحقد والكراهية ما بين الشارعين المتواجهين، وتؤسس بالتالي إلى افتعال الفتنة الداخلية، والتي ستؤدي حتماً إلى إلغاء الانتخابات والتجديد للمجلس الحالي. وأن الخطير في الأمر الطريقة التي ردّ بها سمير جعجع على ما ورد في خطاب قاسم، وذهابه إلى اتهام الحزب والتيار الوطني الحر بالعمل على تعطيل الانتخابات، حيث توصلوا خلال الأسبوع الماضي إلى خطة جديدة عبر إعادة طرح مشروع قانون معجل مكرر يطرح اعتماد تصويت المغتربين حصراً بالمرشحين عن القارات الست بدلاً من التصويت إلى 128 مرشحاً، الأمر الذي سيؤدي إلى تداعيات سياسية وأمنية ستودي حتماً إلى إلغاء أو تأجيل الانتخابات.
من الواضح جداً ان قيادات الحزب والتيار قد تيقنت من ان نتائج الانتخابات لن تكون في صالحها انطلاقاً من نتائج الإحصاءات التي قدمتها مؤسسات متخصصة ومستقلة، ولذلك كان القرار بوجوب العمل على إيجاد حجة قانونية لإرجاء الاستحقاق من بوابة تغيير الاقتراع الاغترابي الذي ستصب غالبيته لصالح اخصامها وقوى التغيير التي انبثقت عن ثورة 17 تشرين، ما سيعنى حكماً خسارة حزب الله لأكثريته النيابية الراهنة، والتي ساهمت بشكل مباشر بفرض هيمنته على كل مؤسسات الدولة اللبنانية.
في هذا الإطار لا بدّ من التساؤل عن مدى اطلاع سعد الحريري على الخطط والسيناريوهات التي يجري اعدادها لتعطيل الانتخابات من قبل حزب الله ومعه الرئيس عون والتيار؟ وهل يمكن ربط تنحِّيه وتنحي تيّار المستقبل عن المشاركة بالانتخابات بقصد الابتعاد عن أي اتهام بالسكوت على تعطيل الاستحقاق الدستوري الكبير؟ وبالتأكيد فإن سعد الحريري يمكن ان يستفيد من اي تجديد لمجلس النواب الحالي بالحفاظ على كتلته النيابية الراهنة، دون أي تعرض لخطر خسارة هذه الأكثرية السنية الراجحة في ظل عدم توافر المال السياسي اللازم، الذي يمكن ان يعوّض عن التراجعات التي شهدتها قواعد تيار المستقبل في عدد من الدوائر ذات الثقل السني.
في رأينا ستحمل الأيام والأسابيع المقبلة المزيد من المؤشرات والمعلومات حول المساعي والمقاربات التي يجري إعدادها من قبل حزب الله والتيار الوطني الحر وبما يفتح الباب لطرح كل السيناريوهات التي يمكن اعتمادها لتأجيل الانتخابات أو الغائها وبالتالي التمديد للمجلس الحالي لفترة سنتين على الأقل، وبما يتيح الوقت اللازم لهما لترميم وضعيتهما ورص الصفوف الطائفية والمذهبية لاستعادة ما خسراه من قاعدتهما الشعبية والانتخابية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :