في العام الذي انقضى على غياب "أبو الياس"، لم يتغيَّر المتن. ربما يراهن اللبنانيين بغالبيتهم على تغيير جذري لطبقة سياسية وتركيبة سلطوية يحمّلونهما المسؤولية عن الكارثة. لكنهم، واقعياً، لم يهتدوا إلى السبيل الذي يقودهم إلى تحقيق هذا الهدف.
على العكس، مناخات الانتخابات الآتية توحي بأن قسماً كبيراً من هؤلاء اللبنانيين "الناقمين" أنفسهم سيقترعون في أيار 2022 للقوى السياسية إياها. تُرى، لماذا؟
هل سُدَّت أبواب الخيارات الأخرى في وجوههم؟ هل فَقدوا "إيمانهم" بـ"ثوّار" 17 تشرين 2019، فعادوا إلى مواقعهم السابقة؟ هل اكتشفوا أن رموز "الثورة" كانوا صادقين في طروحاتهم لكنهم أعجز من تحقيق الانتصار؟ أو أنهم كانوا مصابين بالهوَسِ "الماكيافيلليِّ" بالسلطة، وقد فشلوا؟
الأرجح، أن في "الثورة" صادقين ومخادعين على حدّ سواء. ولذلك، لا يجوز أن ينطبق على "طبقة الثوار" شعار "كِلُّن يَعني كِلُّن"، الذي رفعه الناس في الشارع ضد "طبقة السياسيين" في 17 تشرين. وثمة مَن يقول: يجب الاستنتاج أن هذا الشعار "الشمولي" لا ينطبق لا على "الثوار" ولا على السياسيين ولا على أهل السلطة جميعاً، وكأنهم في سلَّة واحدة.
ففي معسكر السياسيين نماذج أسوأ من بعض رموز "الثورة". وبين "الثوار" نماذج أسوأ من بعض أهل السياسة والسلطة. و"الثوار" المزيَّفون لو قُيِّضَ لهم أن ينتصروا في المعركة، لتوجَّبَ على الشعب أن يُسقِطهم فوراً بقوة القانون أو في أول انتخابات ديموقراطية، لأنهم يشكّلون استمراراً للطبقة الفاسدة التي أسقطوها.
اليوم، يُفترض أن تكون خيارات اللبنانيين قد باتت أكثر نُضجاً. وثمة نماذج في البيوتات السياسية اللبنانية يفتقدون إليها ويتمنّون لو تستمرّ أو تستعاد. وفي الموازاة، هناك نماذج شابّةٌ تستحقّ أن يكون لها موقعها في عملية البناء. ولا شيء يمنع من أن يتآلف النموذجان أو يتحالفا أو يلتقيا.
من هذه الزاوية، يمكن التأمُّل في المعادلات والأوزان وعملية خلط الأوراق التي ستكون الانتخابات النيابية فرصةً لها، في مختلف المناطق، ومنها المتن، في ذكرى مرور عام على غياب المرجعية السياسية الأكثر "متنيَّةً"، "أبو الياس".
"أبو الياس" هو الأكثر "متنيَّةً" لأنه حاول دائماً إبعاد المتن، فلا يكون ساحةً لصراعات المحاور السياسية أو ورقةً فيها، فيدفع المتنيون الثمن. وأدرك أن الخيارات الفضلى للبيت السياسي في المتن هو أن يبقى مفتوحاً للناس، في دولةٍ تخلَّت عن أولادها ووزَّعتهم على المناطق والأحزاب والطوائف والمذاهب.
في زمن "أبو الياس" كان أبناء المتن يشعرون بأن "عندهم مرجعية" يعودون إليها، إذا اعترضتهم مشكلة في دولة "المحسوبيات". وفي هذا المعنى، كانت الأولوية عنده هي الإنماء. وفي هذه الأيام، كثيراً ما تُسمَع أصوات أبناء المتن وهم يردّدون: "سقى الله أيام كان عندنا صوتٌ في هذه الدولة"!
بالتأكيد، الخيار السياسي المثالي، في أي دولةٍ مثالية في العالم، هو أن يُحصِّل الناس حقوقهم وما يريدون من الدولة، بقوة القانون والدستور وحدها. ولكن، لبنان ليس السويد. واقعياً، لبنان هو لبنان، ومسؤولية الناس أن يرتقوا به ليصبح يوماً كالسويد.
وارتقاء البلد ليصبح كالسويد هو أمرٌ ممكن، لكن شرطه الأساسي هو أن يُحسِن الناس اختيار القادرين على قيادته نحو هذا الهدف في صناديق الاقتراع، وإدراك مَن هم المؤمنون بالعمل لتحقيق هذا الارتقاء، فيُحافظون على مَن هو صالح من سياسيين وبيوتات سياسية ويتخلّون عن الطالح، ويستعينون بمَن هو صالح من الشباب الذين يرفعون لواء التغيير ويرفضون مَن هو طالح.
بعد عام على الرحيل، يمكن القول إن ميشال المرّ ما زال في المتن الذي أحبَّه حتى النفَس الأخير، وما زال المتنيون أوفياء له ولبيته السياسي، وكأنه لم يغادر...
ميشال المرّ، كأنه ينتظرهم واحداً واحداً في بيته المفتوح، ليسأل عنهم وعن عائلاتهم فرداً فرداً بأسلوبه العفوي: كيف الحال؟ طمِّنوني عن الصحة والعمل… كيف الأشقاء والشقيقات والوالد والوالدة والأقارب وأبناء البلدة جميعاً؟ هل أمورُكم ماشية؟
ميشال المرّ باقٍ في دائرة المتن، وهو لم يغادرها أساساً، نموذجاً لـ"البيت السياسي" اللبناني. أبوابُه مُشْرَعةٌ للناس، ونوافذُه مطلّة غرباً على الساحل، وشرقاً على صنين.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :