نصبّ الاهتمام السياسي والنفسي اليوم على الانتخابات النيابية كاستحقاق دستوري وعملي لبدء مسيرة التغيير في الحكم، و»قلب الطاولة» اذا صحّ التعبير. وإيذاناً ببدء ترجمة الشعارات السيادية فعلاً داخل كيانات الدولة الواحدة.
المراهنون على الانتخابات يستندون الى قوة دفع داخلية، تتمثل برأي عام لبناني خائب، مكسور، ومنتفض، وبات على بيّنة من شعارات زائفة رافقته أعواماً طويلة، وأين هو الداء والدواء. والى قوة دفع خارجية، هي «المغتربين» الذين أثبتوا طاقة وعصباً لا مثيل له تجاه وطنهم وشكلوا مع انطلاق انتفاضة 17 تشرين 2019 شبكة اتصال عفوية بين الداخل والخارج. واذا لم يُستثمر هذا العصب في معركة التغيير اقتراعاً سيذهب سدى.
يرى المتفائلون بالانتخابات أن أعداد المغتربين الذين تسجلوا للاقتراع لانتخابات 2022، (225 ألف مغترب بحسب بيانات وزارة الداخلية) مقارنة مع العام 2018، هائلة، وتحمل مؤشرات ايجابية، وهي تدل بنحو غير قابل للشك الى أن صوت المغترب سيكون هذه السنة، صوت الانتقام من منظومة هجّرته قسراً، وفككت مدماك المجتمع على مختلف الصعد، ونهبت جنى عمر اللبنانيين، لتفرض معادلة «منظومة متماسكة مقابل بلد منهار».
قد يكون هذا الرهان على لبنانيي الانتشار فيه الكثير من الصحة، خصوصاً أنه يترافق مع ضغط دولي كبير لإجراء الانتخابات، فيما العمل مستمر لتحويل المغتربين قوة مقاومة ضاغطة في مراكز القرار. وأن يكون صوتهم موزعاً، على القوى السيادية باختلافها إن لم يكن على قوة واحدة.
ولكن، ماذا لو صحّ ما يتردّد في الصالونات السياسية والحزبية وفي القراءات التحليلية عن سيناريو يُحضّر ويؤدي إلى إلغاء أو في أفضل الحالات تأجيل الانتخابات؟ علماً أنّ الأطراف والأحزاب الممثِّلة للمنظومة الحاكمة لم تطلق بعد نفيرها الانتخابي، فيما تم توقيع دعوة الهيئات الناخبة وعُيّن موعد الانتخابات، وفُتِح في العاشر من الشهر الحالي باب الترشيح.
في العودة إلى الأمس القريب، لا بدّ من التذكير انه سبق انتخابات 2009 تفاهم سياسي على مشروع سيادي جعل اللبنانيين يمنحون قوى 14 آذار الأكثرية النيابية.
وعطفاً لما جرى في الأمس على اليوم، فإنّ القوى المصنّفة سيادية منها ما هو مفكك، غير مستقر، ولا يملك أفقا لطريقة التحرّر من قيود «حزب الله» وفك أسر الوطن بكامله، وهو أسير تجارب خيبات الماضي المتتالية، ومنها ما يبدو أنّه فاقد المبادرة نتيجة خيارات وحسابات خاطئة، فيما أخرى، أقوى وأجرأ، لكنّها عاجزة عن المواجهة لما تتطلّبه هذه المواجهة من وحدة تتخطى الشارع الحزبي والطائفي الواحد إلى الشوارع الأخرى.
والملفت، بحسب مصدر سياسي في فريق 14 آذار، «اننا بدأنا نسمع في أوساط الفريق الآخر، وتحديداً لدى الطائفة السُنيّة الكريمة من يدعو إلى تكوين جبهة لمواجهة الاحتلال الإيراني للبنان. وهذا الصوت، بات أيضاً يخرج من كثير من «الشيعة الأحرار»، والذين سنرى أصواتهم تخرق الطوق الانتخابي المفروض من «حزب الله». بمعنى أن المطلوب من كل من يعتبر انّ لبنان محتل إيرانياً بواسطة «حزب الله»، أن يعود إلى الجذور، وأن يتجرأ ويقدم على التأييد والانضمام الى جبهة كهذه، وفق معايير وقواعد جديدة تختلف عمّا سبقها، أي بمعنى أدق، إجراء نقد سياسي لكل سلبيات مرحلة 14 آذار، لتكون درساً وعبرة لأي تكوين سياسي مرتقب».
من هنا، يعتبر المصدر، أنّه «لا يستقيم الرهان على الانتخابات فقط من دون تفاهم سياسي سابق، متين، وصلب، يقوم على مبادئ وطنية ثابتة، إذ لو أُلغيت الانتخابات بوجود هذا التشتّت بين القوى السيادية اللبنانية، لذلك، فإن أي تفاهم سيقوم على ثوابت، منها، إعادة الاعتبار للدستور والتمسّك باتفاق الطائف، وإعادة تثبيت لبنان ضمن الشرعيتين العربية والدولية. والأهم، رفض اي شراكة مع «حزب الله» وملحقاته، والاتفاق على إدارة الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية في لبنان بالشراكة مع «الشيعة السياديين» لا مع الاذرع العسكرية والسياسية للاحتلال الايراني. وهذا لا يتحقق، إلا بجبهة سياسية سيادية تكون مدماكا لمواجهة سياسية مع «حزب الله». وهذا يفرض وحدة المعارضة لا معارضات عدة «مشتتة»، يستطيع «حزب الله» السياسي والأمني تفكيكها أو اغتيالها. وأن يدرك سمير جعجع ووليد جنبلاط وسعد الحريري أنّ البقاء في كانتونات مذهبية أو حتى ثنائية، لا يحمل الخير لأيّ مكون، فعندما يكون لبنان كلّه معافى وموحدا، تكون كل المكونات فيه موحدة ومتعافية».
وفي غضون ذلك، يشهد لبنان الموجة الثالثة من الهجرة الجماعية الكثيفة في تاريخه بعد الموجتين الاولى والثانية، الأولى في اواخر القرن التاسع عشر امتدادا حتى فترة الحرب العالمية الاولى (١٨٦٥ – ١٩١٦)، والثانية خلال الحرب اللبنانية (١٩٧٥ – ١٩٩٠). والخطورة تكمن في الأرقام، إذ إنّ ٧٧ % من الشباب اللبناني يفكر في الهجرة ويسعى اليها، بحسب آخر تقرير لمرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت. هجرة أكثر من ١٦٠٠ ممرض وممرضة منذ ٢٠١٩. مئات من افراد الجسم التعليمي. شخص من كل خمسة فقد وظيفته منذ خريف الـ ٢٠١٩، في موازاة تقديرات البنك الدولي ان يطول امد الازمة اللبنانية وتداعياتها الاقتصادية بين الـ12 والـ19 عاماً.
«هذه الهجرة هي أقرب الى التهجير»، يقول المصدر السياسي. ومن لم يستطع الهجرة، «رايح ورايحين سوا عا جهنم». هكذا يريد رئيس البلد».
ويتابع: «هو تهجير منظّم يفرضه «حزب الله» عبر تعميم اليأس، وضرب مقومات الصمود والعيش، وإمساك مؤسسات الدولة، وإخضاع قرارها في شكل حديدي، وإطلاق عنان الفاسدين من جميع اللبنانيين مما يَشي بوجود خطة متعمّدة للانهيار، في مقابل لامبالاة لدى الجناح الآخر للمنظومة، أي «التيار الوطني الحر»، مما يفعله الحزب، لقاء تأمين استمرارية وجوده في السلطة والحكم».
وانطلاقاً من ان تأثيرات موجة الهجرة الثالثة المتوقعة ستكون وخيمة عبر خسارة يصعب تعويضها للرأسمال البشري اللبناني وهو المدماك الاساس في اعادة بناء الدولة والمجتمع والاقتصاد، كما يقول تقرير الجامعة الأميركية، فإن «تكوين جبهة سياسية مناوئة للحزب قبل الوصول إلى موعد الانتخابات أمر مهم وضروري لتحديد العناوين والمبادئ التي ستُخاض المعركة على اساسها، يشدد المصدر. وهو وحده، في موازاة التطورات المتسارعة على المسرح الاقليمي والدولي، يمكّن هذه الجبهة من استجلاب الدعم الدولي والاقليمي لمشروع سيادي إنقاذي للبنان».
ويبدأ هذا المشروع بمنع «حزب الله» من الحصول على الأكثرية النيابية في البرلمان.
والاعتراف بأن ليس المسيحيون وحدهم من يغطّون الحزب وإن بنسب متفاوتة. فالقبول بحكومات «ربط النزاع» هو أيضاً من سبيل تغطية الحزب. وبالتالي، ضرورة رفع الغطاء اللبناني عنه، مما يعرّيه وطنياً ودولياً وفي كل الساحات من بيروت إلى الخليج إلى العالم أجمع.
وقطع الطريق امام وصول رئيس كالرئيس الحالي ميشال عون إلى قصر بعبدا.
ولعلّ الخلاصة ان لا مجال للخلاص الا في الاتفاق أيضاً على تبنّي مشروع بكركي أي «الحياد». وعندها، وفي الوقت المستقطع للاتفاق على هذا الحياد، قد يكون مفيداً تطبيق مقولة الرئيس فؤاد السنيورة، عدم السماح بقيادة لبنان ضمن «ممرات الأفيال الكبرى» في لعبة الأمم «لأنو بيدَعوسونا».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :