عملياً، حُسم أمرُ موعد الإنتخابات النيابية المقبلة في الخامس عشر من أيار القادم للمقيمن، أي أن الساسة الكبار رضخوا إلى مطالب الدول الكبرى أو باعوهم "واحدة" على الحساب في تحديد موعد الإستحقاق الإنتخابي من دون الجزم باحتمال إنجازه، وهي "لعبةٌ" يبرعون في استخدامها حين "يُزركون"، لكن هل انتهى كل شيء؟
مبدئياً لا، والتجارب المشابهة علّمتنا أن في لبنان كل شيء وارد. الموضوع لا يتّصل بإقرار المواعيد الدستورية وتثبيتها، ولطالما نقضت تلك العهود وطارت المواعيد، بل يتصل بالنيّة في إجراء الإنتخابات، هل هي متوافرة ومستوفية للشروط المحلية الموضوعة من قبل رجالات البلد أم لا؟
في الواقع، إن المواقف الدولية سيما تلك التي أُبلغت إلى بيروت أو وضعت في مظروف أمام المسؤولين، كانت تدور حول رغبة هؤلاء في إتمام رُزمٍ إصلاحية مطلوبٌ إنجازها ، إلى جانب تمرير موضوع ترسيم الحدود البحرية و تسييل أعمال الإنتخابات النيابية، وهنا قامت "التسوية" على إصلاحات + إنتخابات مقابل "صُرر" مرصود للإنقاذ لن تكون شاملة إلا عندما يُحسم موضوع الترسيم. عند هذه النقطة هناك من يجزم أن الإنتخابات حاصلة. في المقابل، ثمة أطراف عدة تناقض تلك الفكرة كلياً، على اعتبار أن ما من وعد واضح بوصول المال إلى جيوب السياسيين القائمين على صون خزائن المصرف المركزي، وتبعاً لذلك ليست الدولة أو أجهزة السلطة مخوّلة أو مجبورة على إنجاز أي استحقاق مجاناً ومن دون أية فوائد خارجية تذكر، وتبعاً لذلك، ينمو الإعتقاد أن التأجيل حاصل، ولا ينقصه سوى حدث على شاكلة "الطيونة" أو سواها لاتخاذه مبرراً للتأجيل، هذا بالإضافة إلى أسباب أخرى موجودة، كتمرّد الموظفين وعدم قبولهم المشاركة في إدارة الإنتخابات وقضايا أخرى تبدأ من القرطاسية وصعوبة تأمينها ولا تنتهي بمخاطر الطرقات، ولو أن "جماعة الثورة" أخذوا علماً بتجميد كل صنوف التحرّكات ريثما تهدأ الأمور.
إذاً نعود للحديث عن تسوية، وبمطلق الأحوال فإن الإستحقاق الإنتخابي المقبل يحتاج إلى "تسوية" لإنجازه، كتسوية إقرار قانون الإنتخاب الساري المفعول حالياً، وكصفقات إنجاز الإستحقاقات بين أعوام 2005 و 2009، ولا بدّ لهذه الصفقات أن تتمّ بين جماعتين في الداخل ولا تأتي بطبيعة الحال بمعزلٍ عن الخارج وطموحاته، وفي النتيجة هذا الخارج يجد اهتماماً بالغاً في الإنتخابات، لذلك لن يجد عائقاً في أي تسوية متى كانت تناسب أجندته، لكن طبعاً سيعمل على ترشيدها، بمعنى ألا تقدم سلفاً سياسية لأطرافٍ "منبوذة" من الخارج.
وتأسيساً على ذلك، لا مجال لإخفاء أن ثمة مداولات سياسية تجري في الكواليس لإعادة إنتاج تسوية جديدة بين مجموعات السلطة. في المقابل، لا يخفي أي طرح مقبل حاجة المجموعات السياسية إلى شيء من الإستقرار المتبادل. فأولاً تريد الأطراف تسيير أعمال الإنتخابات –إن حصلت- بهدوء. في المقابل يريد "التيار الوطني الحر" على سبيل المثال، العبور إلى نهاية العهد بهدوء مع شيء من الإنتاجية على صعيد الإدارة من التدقيق الجنائي ونزولاً إلى التعيينات، ذلك يعني دفعاً إلى الأمام لقضايا تشريعية أي ضمنياً العودة إلى مجلس النواب، وهذا لا بدّ أنه يحتاج إلى توقيع عقد تشريعي إستثنائي جديد، يبدو أنه أصبح قيد البحث.
لكن يبقى أمرٌ لا بدّ منه. ففي حال لم يتمّ إمرار "التسوية" المطلوبة لعبور الإنتخابات إلى الضفة السليمة كيف سيكون الحل، وربطاً بذلك وفق أي شكل ستتم التسوية المقابلة؟ وما هو موقف الخارج منها؟
عملياً، هذا الخارج يقبل بتسوية حول مستقبل الإنتخابات متى وجد أن هذه الإنتخابات لا تلائم شروطه، لذلك تنشط في مجالات متعددة شركات الإستطلاع في الإجابة على أسئلة مطلوبة لحسم التوجه، وهو ما يقود إلى الإعتقاد أن الموعد المُعلن عنه والمثبّت بالتواقيع الدستورية، ليس نهائياً، لذلك ثمة من لا يُخفي أنه وبالتوازي مع دوران حلقة النقاش من خلف الكواليس، يدور تفاوضٌ غير معلن يقوم حول البدائل المطروحة إن لم نتمكن من إنجاز الإستحقاق النيابي، فهل يكون التمديد ولأي مدة؟ وربطاً بذلك، فهل يوجب الأمر أن يكون التمديد شاملاً بمعنى بلوغ مرتبة الرئاسة؟ وما هو دور الرئاسة الثالثة في هذا المشروع، علماً أن رئيسها نجيب ميقاتي إنتفض في عين التينة حين سمع بكلمة "تسوية".
من جهة أخرى يتمّ التفاوض غير المعلن حول المواعيد الدستورية المقبلة. هذا يحتاج إلى هدوءٍ طبعاً. وفي المناسبة، غالبية القوى الداخلية باستثناء "حزب الله" و"القوات اللبنانية"، لا ترى مشكلةً في تأجيل الإنتخابات، العائق الوحيد يتمثل بالخارج، وهذا الموقف قد ينضب في حال عثر على أطراف حلول. إذاً نحن أمام مشروع تمديد قيد التداول نسبياً، والتمديد غير محصور في مجلس النواب، متى قلنا إن البحث هو قيد الإتفاق على مواضيع شاملة، وما ينسحب على مجلس النواب قد ينسحب على مواقع أخرى، ضمن اتفاق معين يتصل بمدة التمديد المفترض، عام عامان.. طبعاً هذا الإتفاق إن أُبرم يشمل الحكومة، ضمن حدود معينة، ورئيس الحكومة القابع في قلب الأفكار المطروحة، يحسب عليه إن أخذ يعمل على تعزيز صلاحيات رئاسة الوزراء بالممارسة، ربما استلحاقاً لم هو مقبل، وتكريساً لقاعدة: "بكرا بيتعوّدوا"، ولو أن ثمة اشتباك يدور بهدوء حول هذه التصرفات قبل نضوج الحل الوقتي.
عملياً، ثمة من يُسقط منذ الآن أي إمكانية لطرح التمديد لرئاسة الجمهورية وتحت أي ظرف، نتيجة قضايا متعددة منها عدم القدرة على تأمين أكثرية في مجلس النواب بالإضافة إلى وضعية الشارع، وهنا تصبح الفرضية الأقرب هي في تعويض الرئاسة ونعني هنا "التيار الوطني الحر" في مجلس الوزراء عبر اعتماد نظرية إدخال تعديلات على الحكومة، كانت قد طرحت في مستهل تشكيلها وحين تعقّدت الأمور في أعقاب تصريحات الوزير السابق جورج قرداحي. إلى جانب ذلك، ثمة من يلاحظ أن رئيس الحكومة بدأ فعلاً التعامل مع حكومته على أنها الجهة المتوقع أن ترث العهد، من خلال استفادته في التعطيل الحاصل في مجلس الوزراء، لتعزيز حضور صلاحيات الرئاسة الثالثة واختلاق أخرى من خارج النص، وبالتالي إن ميقاتي يُمهّد، وفي حال عقد الإتفاق، لن تكون الرئاسة الثالثة بعيدة عن الأجواء تبعاً لصفة الشاملة في الإتفاق، وعلى الأرجح سيكون دوراً معززاً.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :