كل ما حُكي عن مخارج وحلول لإعادة إنعاش الحكومة، ثبت بالملموس انّه بلا اي معنى ولا يستند على إرادات جدّية لكسر جدار التعطيل الذي يحول دون انعقاد جلسات مجلس الوزراء. ولعلّ أبلغ دليل على ذلك، اعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون العائد من سفرته القطرية، بأنّ "الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء مش ماشي". ما قاله ميقاتي، يؤكّد انّ الامور ما زالت تراوح في السلبية، وينعى في الوقت نفسه النفحات الإيجابية التي ضخّها لقاء الرؤساء الثلاثة يوم الاستقلال، الذي عكس يومذاك تلاقي النيات على وضع ازمة انعقاد الحكومة على سكة الحل.
كان الرهان على ساعات ما بعد عودة الرئيس عون، الذي اخذ على عاتقه متابعة ما تمّ التفاهم عليه بين الرؤساء، وصولاً الى حل يعيد الحياة الى الحكومة، إلّا أنّ الامور عادت لتعلق في مربّع التعطيل، حيث اكّدت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات الاخيرة لـ"الجمهورية" انّ "جهود الحلحلة اصطدمت بالفشل، وانقلبت الصورة من سعي الى إنضاج حل عتيد لهذه الأزمة، الى تعطيل مديد للحكومة، وما قد ينتج منه من حفر اضافي في قعر الأزمة وتعميقها اكثر سياسياً ومالياً وقضائياً. وخصوصاً انّ المؤشرات تنذر بانحدار بالغ الخطورة جراء "حرب الدولار" التي تشن من كل حدب وصوب على اللبنانيين.
وعلى الرغم من هذا الإنسداد، فإنّ الاوساط الرئاسية ما زالت توحي بأنّ الباب لم يقفل بعد، بل ما زال مفتوحاً على بلورة حلول ومخارج، وهذا يتطلب اجراء المزيد من المشاورات مع الأطراف المعنية بهذه الأزمة، الاّ أنّ مصادر سياسية معنية بهذا الملف، تعكس لـ"الجمهوريّة" تشاؤماً قاطعاً حيال إمكان الوصول الى حلّ ينهي الأزمة القائمة، "ذلك انّ المواقف من هذه الأزمة ما زالت متباعدة بشكل جذري، جراء الإصرار على مخارج تتجاوز كل ما حصل، ولا تعالج أصل المشكلة وأسباب تعطيل الحكومة. وامام هذا الإنسداد لا يؤمل بانعقاد قريب لجلسات مجلس الوزراء، وخصوصاً انّ الرئيس ميقاتي لن يبادر الى دعوة الحكومة الى الانعقاد في غياب الوزراء الشيعة عنها".
وبحسب اوساط الرئيسين عون وميقاتي، فإنّهما يلتقيان على رفض ربط انعقاد الحكومة بأية شروط، على اعتبار انّ التعطيل يلقي بآثار سلبية اضافية على الأزمة المتفاقمة، مع تأكيدهما على موقف موحّد من عدم التدخّل في عمل السلطة القضائية وما يتصل بمصير المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
الّا انّ الموقف يختلف لدى ثنائي حركة "امل" وحزب الله"، حيث يرفضان تجاوز اسباب عدم مشاركة وزرائهما في جلسات الحكومة، وتؤكّد اوساطهما لـ"الجمهورية"، انّ "المخرج موجود في عدد من افكار الحلول التي طرحها الرئيس نبيه بري، واكّد عليها امام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي، والذي وافق عليها وتبنّاها".
وتشير الأوساط الى انّ "الحلول المقترحة لا ترمي الى الإطاحة بالقاضي البيطار رغم التحفظات الكبرى على ادائه وعلى عدم تقيّده بالاصول القانونية والدستورية، بل ترمي الى الفصل بين التحقيق العدلي في انفجار المرفأ، وبين محاكمة الرؤساء والوزراء، على ان يبقى المحقق العدلي في موقعه يمارس صلاحياته في ما يعنيه، وفي المقابل يمارس المجلس النيابي والمجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء صلاحياتهما في ما يعنيهما، طبقاً لأحكام الدستور ذات الصلة التي تجاوزها القاضي البيطار".
ولفتت الاوساط الى انّ "هذا المقترح الذي من شأنه ان يحل مشكلة انعقاد الحكومة، كان محل قبول من كل الاطراف، الّا أنّه تفرمل فجأة من دون ان تُعرف الأسباب". وقالت: "لن نقبل على الاطلاق بأن نخضع للاستنساب او التسييس او الافتراء المتعمّد علينا، هذا خط أحمر بالنسبة إلينا، ينبغي ان يعرفه من يلعب معنا هذه اللعبة الخطيرة. نحن حريصون على القضاء اكثر من اهله عليه، ونحن قبل الجميع نريد جلاء الحقيقة كاملة حول انفجار مرفأ بيروت، لا أن نعمي على هذه الحقيقة ونحيد عنها".
اضافت اوساط "الثنائي": "من هنا، فإنّ ما نطلبه هو التزام الاصول القانونية والدستورية، وعدم المسّ بصلاحيات المجلس النيابي، وبكرامة النواب وبكرامة الرؤساء والوزراء اياً كانوا. فكما للقضاة محكمة خاصة أُحيل اليها قضاة لهم علاقة بملف انفجار المرفا، فللرؤساء والوزراء محكمتهم الخاصة التي اسمها المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء منصوص عليها بالدستور الذي يعلو ولا يعلى عليه، وفوق كل القوانين ويحكم كل السلطات. ولقد سألناهم ولم يجيبوا، كيف تستوي محكمة خاصة للقضاة ويُلتزم بها، فيما تتجاوز المحكمة الخاصة للرؤساء والوزراء المنصوص عليها في الدستور؟".
يُشار في هذا السياق، الى انّ أداء المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لدوره، يتطلب انعقاد جلسة عامة لمجلس النواب، إنفاذاً للمادة 71 من الدستور، وكذلك المادة 70 منه التي تنص على انّه "لمجلس النواب ان يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بالخيانة العظمى او بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، ولا يجوز ان يصدر قرار الاتهام الّا بغالبية الثلثين من مجموع اعضاء المجلس". الّا انّ ما ينبغي لحظه في هذا السياق، انّ اكثرية الثلثين المطلوبة للاتهام تمهيداً للمحاكمة قد لا تكون متوفرة.
على انّ قضية وزير الاعلام جورج قرداحي لا تقلّ صعوبة عن ملف التحقيق العدلي. وعلى ما تقول مصادر معنية بهذه القضية لـ"الجمهورية": "انّ موقف الوزير قرداحي ثابت على عدم استقالته من دون ضمانات بانتهاء الازمة الديبلوماسية التي استُجدت، لا ان تبقى هذه الأزمة قائمة. ما يعني انّ استقالته في هذه الحالة تأتي مجانية. وبالتالي، عندما تتوفر هذه الضمانات جدّياً، فالوزير نفسه قال انّه ليس متمسكاً بموقفه، ولن يتأخّر عن القيام بخطوة الاستقالة. علماً انّ هذه الضمانات ليست موجودة اصلاً".
وفي موازاة ذلك، يؤكّد الرئيسان عون وميقاتي على استعجال استقالة قرداحي، باعتبارها تشكّل مفتاح باب الحل للأزمة الديبلوماسية مع السعودية وبعض دول الخليج. حيث لا يزالان على تمسّكهما بأن يبادر الوزير قرداحي الى "مراعاة مصلحة لبنان". فيما يبرز في المقابل ما تؤكّد عليه مصادر الثنائي الشيعي لـ"الجمهورية"، "عدم ممارسة اي ضغوط على الوزير قرداحي، وتحديداً من قِبل "حزب الله". وخصوصاً انّ الجانب السعودي نفسه اشار الى انّ المسألة لا ترتبط بوزير الإعلام بل بـ"حزب الله".
واشارت المصادر، الى انّهم يطالبون الوزير قرداحي بأن يتخذ الموقف الذي يراعي فيه المصلحة الوطنية، الّا انّ "حزب الله" يعتبر انّ قرداحي بعدم استقالته يراعي المصلحة الوطنية، لأنّ استقالته لن تغيّر من الموقف السعودي تجاه لبنان.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :