غادرنا سماح ادريس لكنه لم يترجل عن صهوة نضاله ، عبر سماح الجسر الى الضفة الثانية وعيناه مزروعتان في ضفة الحياة كأشجار الزيزفون والتفاح ، عَبَر كمسافر ترك قلبه وروحه بين أحضان الحقول كي يحضن التراب ، وعلى القمم العالية كي يمتّع ناظريه بجمال هذا الامتداد المنطلق من البحر السوري والممتد حتى جبال البختياري .
نودع اليوم سماح ادريس الذي ما عرفته إلا منتصب القامة حين انحنت قامات الكبار، ورأيته في خندق الحق حين اصطف الاصدقاء والأصحاب في خندق الباطل حفاظا على أوزان من اللحم والعظم ، ورأيته مقاوما بصوت عال عندما اختنقت في الحناجر أصوات الكثيرين من المقاومين .
حياة سماح خط مستقيم ،لم تغره مباهج الألقاب ، ولا زينة المناسبات ، فحافظ على الزاوية القائمة مع الحياة حتى عندما تعرض لأصعب التحديات .
سماح حالة نضالية إستثنائية ، خلطة مواهب ، عروس البستان المشهورة بحملها لجميع أنواع الثمار .
كان سماح الزارع ،والراعي ، والحاضن ، وراسم طريق النضال .
كان يعرف أن صمود اليوم محطة ومنصة
محطة، لأنه واجه الانهيار وخفّف من سرعته
منصة لأنه من على منابر هذا الصمود ستنطلق خطابات التغيير وخطابات التحرير .رأيناه صامدا في وجه التحديات ، وبنّاء بين مداميك النهضة مع الأطفال في المخيمات وفي كل مكان سنحت له فرصة للبناء .
كان سماح الطفل المميز بين الأطفال ، الشاب العنيد مع الشباب ، وهذا الرجل الشجاع مع الرجال .
فارقنا على غفلة دون مقدمات ، جاءه الموت وهو يخطط لتجويد الحياة وتجديدها وتحقيق بعض الاحلام التي سعى اليها .
لقد اجتمع في مأتمك الشرفاء وأبناء القضايا الوطنية والقومية ولم يتجرأواحد من المُرائين أن يرافقك الى مثواك الأخير .
من يعشق فلسطين يا سماح لا ينهي حياته الموت ، ففلسطين تحفظ عشّاقها كما تحفظ أشجار الزيتون أغصانها، وتحيي مآتمهم بمراسم الأعراس وتقاليد الولادات الجديدة .
من يعشق فلسطين يا سماح لن ينتهي بمأتم ،فعطر نضاله يبقى على المفارق ، يتزود منه رجال المسيرة ويغادرون كل في طريقه .
لن تفتقدك فلسطين ، ولن تشاق اليك ، فهي ستراك مع طلوع كل شمس ، ومع صمود كل مقاوم ، ومع كل نشاط لجمعية مقاطعة دولة العدو ، مع كل مسيرة أبطال ، مع كل اجتماع واحتفال للأطفال .
لن تفتقدك فلسطين ، لأنك مزروع بترابها كبيارات الليمون التي تتجدد ولا تموت .
لا أعلم كيف التقى سماح ادريس بماهر اليماني ،لكن أعرف أنهما يعرفان بعضهما منذ انطلقا الى الحياة ليأخذا منها ما يطيب لهما ، ويفعلا في ميادينها ما ينحفر مجدا في جلاميد صخرها العاصية على الزوال رغم قساوة الغيوم السوداء .
أعرف أنهما رفضا الانحناء أمام العواصف التي اقتلعت الأشجار وخرّبت مواسم العطاء وأعرف أنهما بقيا كأشجار الأرز والزيتون والنخيل، وتُغطّي أفعالهما سوريا الطبيعية والعالم العربي وأماكن الشرفاء في العالم
بالأمس ودعنا ماهر اليماني ، ذاك الرجل الذي اكتسب سماره من شمس بلادنا ومن عشقه للألعاب الترابية في فلسطين ولبنان ودمشق وبغداد وعمان .
اليوم يلتقي سماح بماهر وكالعادة سيتوشوشا ويقولا كلاما كبيرا ،وهذه المرة لن نحاول معرفة ما دار بينهما ولن نستطيع أن نتكهن ماذا سيخبر سماح لماهر ولكن من المؤكد سيقول له جملة :
الوضع على حاله ،السيء أصبح أسوء ، وقناع العمالة سقط ، والتطبيع يحاصرنا ، ولكن الأمل كبير والحلم سيتحقق .
سامي سماحة
نسخ الرابط :