يبدو المشهد الانتخابي في دائرة بيروت الثانية ضبابيّاً للمرة الأولى منذ العام 2005، فمعقل تيار المستقبل مهدّد بالتداعي، مع ما يشاع عن احتمال عزوف الرئيس سعد الحريري عن الترشّح في هذه الدائرة، والتي ورث مقعدها عن والده الراحل رفيق الحريري. كما أن قوى المعارضة لا تزال متخبطة ولم تبلور تحالفاتها ومرشحيها، فيما حزب الله أمام خيارين للتحالف في الساحة السنّية البيروتية، وهو ينتظر ردّاً من الجماعة الإسلامية أو جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)؛ أمّا النائب فؤاد المخزومي فلم يحسم أمره حتى اليوم. فمن سيحتل صدارة هذه الدائرة ويتربّع على عرشها؟
أحمد هاشمية بديل الحريري؟
تقول المعلومات أن حالة من التخبّط تسيطر على أروقة تيار المستقبل الداخلية. إذ يعيش التيار صراعاً محتدماً بين الأمين العام للتيار أحمد الحريري، ورئيس جمعية بيروت للتنمية المقرّب من سعد الحريري، أحمد هاشمية. وذلك بعد زيارة كلّ من أحمد الحريري ونادر الحريري وأحمد هاشمية الإمارات للقاء سعد الحريري، وحسم الأمور الانتخابية. ولكن وفق مصدر مقرّب من تيار المستقبل، فقد عاد أحمد الحريري إلى لبنان من دون التنسيق مع أحمد هاشمية، ما أدّى إلى توتر داخل المستقبل، وعدم وضوح في الخطّة الانتخابية المقبلة، التي سيعتمدها التيار في خوض المعركة المفصلية، والتي ستحدد وزن حضوره السياسي.
وهذه المناكفة المتزامنة مع إصرار أحمد الحريري على إجراء الانتخابات النيابية في المحافظات كافة، ستضع تيار المستقبل في وضع حرج، لأنها ستجري -أقلّه حتى السّاعة- من دون التنسيق بين "الأحمديْن". ولذا، فغياب الحريري "الزعيم" عن الساحة السياسية والانتخابية، والتحضيرات كما جرت العادة في الأعوام السابقة، سيضع تيار المستقبل وأحمد الحريري الذي يسعى إلى قيادة الانتخابات، في مأزق.
ويشير المصدر نفسه لـ"المدن" إلى أنّه في حال بقي التوتّر على حاله، فسيزداد الوضع سوءًا داخل المستقبل المنقسم اليوم إلى جزأين: جزء يدعم أحمد الحريري والجزء الآخر يدعم أحمد هاشمية. وهذا الأمر لا يزيد التيار إلا ضعفاً وارباكاً.
واليوم، يرى سعد الحريري الباحث عن مموّلين من أجل اطلاق حملته الانتخابية في ظل غياب التمويل العربي، وتحديداً السعودي وعدم وضوح التمويل الإماراتي، بسبب الخلافات المتراكمة مع الجانب اللبناني وغضب السعودية على الحريري.. أن الأوفر حظّاً والأفضل بالنسبة لتيار المستقبل في بيروت، هو أحمد هاشمية، الذي بإمكانه تمويل الحملة الانتخابية بنفسه، بعد اعتكاف فادي سعد الذي كان يدير الماكينة الانتخابية من دون تمويل. لذا، يسعى الحريري إلى إحداث مصالحة بين الأحمديْن من أجل الحفاظ على ماء الوجه في دائرة بيروت الثانية.
ويبدو أحمد الحريري حريصاً على إدارة الانتخابات وفق تحالفات مع قوى سياسية ضمن الطائفة السنّية. وهو صاحب فكرة إعادة التواصل بين سعد الحريري والأطراف السنّية الأخرى. فقد جرى تشكيل لقاء سنّي، بعيداً من الإعلام يضم المستقبل وتيار العزم والجماعة الإسلامية وحزب الاتحاد بزعامة عبد الرحيم مراد، انبثقت منه لجان مناطقية، تهدف للتنسيق انتخابياً وسياسياً. وهو وفق المتابعين يعول على استثمار هذا اللقاء في الانتخابات المقبلة.
المستقبل وحيداً
ليس جديداً على تيار المستقبل خوض الانتخابات منفرداً من دون حليف. فقد خاضها عام 2018، واكتفى فقط بضمّ المقعد الدرزي المحسوب على الحزب التقدمي الاشتراكي، لكنه لم يكن تحالفاً أساسيّاً.
ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط لم يحدّد موقفه بعد، ولكنه على الاغلب سيضع يده بيد القوّات اللبنانية. أمّا المستقبل فسيعتمد على التجربة السابقة عام 2018 حين حصل المرشح عن المقعد الدرزي على 2000 صوت فقط، فيما الحاصل تجاوز الـ21 ألفاً. لذا، في مخطّط المستقبل، يمكنهم الاستغناء عن هذا التحالف والاتّكاء على النواب القدامى، منهم رلى الطبش مثلا ونزيه نجم.
الحديث داخل التيار يتمحور اليوم انطلاقاً من نتائج الانتخابات السابقة، أي عام 2018، حيث حصل على 5 مقاعد ونصف مقعد، ليكون هذا النصف أو المقعد السادس من حصّة الاشتراكيين. لذا، يصبّ المستقبل تركيزه على تأمين 5 نوّاب كنقطة انطلاق.
رغم ذلك، يقول بعض المطّلعين على الأجواء الانتخابية لـ"المدن"، إنّه اذا بقي الوضع على ما هو عليه، ولم يحدث أي تغيّر في المزاج الشعبي، فقد يسعف ذلك المستقبل في الحفاظ على مقاعده أو بالحد الأدنى خسارة مقعد واحد.
الجماعة الإسلامية وصراع الشباب والشيوخ
تدور في أروقة الجماعة الإسلامية نقاشات حادة تتمحور حول وجهتي نظر، حسب مصدر مقرب من الجماعة لـ"المدن". الأولى، تميل إلى التحالف مع مجموعات الانتفاضة المعارضة، ما يمثّل ميول التيار الشبابي داخل الجماعة، والذي يشهد منذ سنوات نزوحاً تنظيمياً نتيجة السياسات غير المدروسة للقيادة السياسية. وهو بات يضيق ذرعاً من رئيس مكتبه السياسي عماد الحوت، الذي يسعى بدوره إلى التحالف مع تيار المستقبل والمشاركة في لائحة الحريري في بيروت.
فيما الحرس القديم داخل الجماعة مقتنع بوجهة نظر مغايرة للتيار الشبابي مع الاعتقاد السائد أنه إذا أرادت الجماعة الفوز في الانتخابات النيابية، فعليها الانضمام إلى لوائح الأحزاب التقليدية، والتي لاتزال تمتلك حضوراً قوياً مثل تيار المستقبل أو حزب الله، لكونهما "أكثر جدية" من مجموعات الانتفاضة، والتي وفقاً لوجهة النظر هذه فشلت في التعبير عن نفسها.
ورغم الآراء المتضاربة، تبقى الكلمة الفصل والإجراءات التنظيمية الداخلية بإعلان التحالفات والمرشحين، لأمين عام الجماعة الإسلامية في لبنان عزام الأيوبي، الذي عاد من السفر منذ أيام في محاولة للبحث عن تمويل للانتخابات.
"المشاريع" تبقى بالممانعة
أما جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، فحتى الآن تشكّل جزءًا لا يتجزّأ من اللقاء التشاوري الذي يجمع النوّاب السّنة السّتة المقرّبين من حزب الله، وبالتّالي فالخط السياسي لدى المشاريع يصبّ في خانته المعتادة، أي كحليف "حزب الله".
صحيحٌ أنّ قبل انسحاب الحريري من الساحة السياسية حاول اخماد الخلافات بين جميع القوى السنّية لتصل إلى الصفر، وصحيحٌ أن عزوفه عن خوض المعركة الانتخابية ليس واضحاً حتى اليوم ــ مع الإشارة إلى أن مصادر من أبو ظبي تؤكّد انسحابهــ إلاّ أنّ إمكانية ضم المشاريع (او الأحباش) إلى لائحته أمر غير وارد، ما دام الأخير محسوباً على محور الممانعة.
المجموعات المعارضة والمخزومي
لم تبلور المجموعات المعارضة خطتها الانتخابية والتنظيمية بشكل واضح حتى اللحظة، فالناشط السياسي إبراهيم منيمنة يعتقد أنّ الحراك ما زال متوجّساً بسبب عدم الوضوح بشأن إجراء الانتخابات في موعدها أو الطعن في القانون وتأجيلها.
ويوضّح منيمنة في حديث لـ"المدن" أن النية في خوض الانتخابات النيابية موجودة ومطروحة، لكن ما زالوا قيد بلورة رؤية جديّة وخطاب سياسي يقنعان الناس بإدلاء أصواتهم لصالح المعارضة، إضافة إلى بناء نوع من الإيمان للناس بجدوى المشاركة في الانتخابات.
وعن التحالفات المرتقبة، يشدّد منيمنة على أنّ الحديث عنها ما زال باكراً، لأن المجموعات المعارضة تبحث عن حلفاء تتجانس معهم سياسياً وفكرياً، لأن الناس بحاجة اليوم إلى خطاب سياسي بيِّن، بعيد عن الشعبوية والعواطف. لذا، يؤكّد منيمنة أن خطوة التحالفات ستأتي بعد اطلاق الهوية السياسية للحملة الانتخابية من قبل مجموعات المعارضة.
كما تهمس الصالونات الانتخابية باحتمالية تحالف النائب الحالي فؤاد المخزومي مع القوى المعارضة، كونه يغرّد خارج سرب حزب الله وبعيداً عن اللقاء التشاوري. أمّا المجموعات المعارضة فتقول إن ذلك وارد. لكن مواقف المخزومي غير الثابتة تضعه في موضع الشكّ والتقلّبات. ولذا يُصعب التحالف معه.
في أيّ حال، بدأ المخزومي بالتحضير انتخابيا لمعركة شرسة ضد الحريري من جهة، وبخطاب معارض لحزب الله من جهة أخرى. واذا لم تتوفّر له الفرصة بالتّحالف مع القوى المعارضة التي لم توحّد صفوفها بعد، فسيعمل بجدّية على خوض المعركة منفرداً، واضعاً نفسه تحت مظلّة المعارضة. فيما تقول المعلومات أنه يجري تنسيقاً مع رجل الأعمال بهاء الحريري لعقد تحالف بينهما.
والجدير ذكره أن اللعبة الانتخابية ما زالت في بدايتها، ولا شيء يحسم من الآن، فحتى المرحلة الأخيرة يمكن للأمور أن تتبدّل وتحدث مفاجأة لم تكن بالحسبان. لذا، من الضروري التريّث حتى انقشاع الغبار السياسي.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :