فاجأ المغتربون الطبقة السياسية كلّها، بأن ارتفع عدد من تسجّلوا للمشاركة في الانتخابات النيابية، من 92,810 في انتخابات 2018، إلى 244,442 مع إقفال باب التسجيل نهاية الأسبوع الماضي، أي بزيادة 263 %. وهؤلاء بعد البحث والتدقيق بالدوائر التي تسجّلوا فيها، قد يقلبون المعادلات. والأرجح أنّ أغلبيتهم من مناصري التغيير ومعادون للطبقة السياسية. وليس أدلّ من ذلك أنّ الأكثرية تتوزّع بين الدول الأوروبية بالدرجة الأولى، تليها الدول العربية، ثمّ كندا وأميركا، أستراليا، فإفريقيا.
بالتأكيد ستكون هذه النسبة مصدر قلق لكلّ القوى السياسية التي تحاول الإيحاء بعكس ذلك عبر "التغنّي" برقم المشاركة العالي والقياسي. ومنبع القلق هو وقوف جهات خارجية وداخلية خلف الضغط لرفع نسبة المشاركة، والحملات الإعلامية والإعلانية التي قُدِّرت بملايين الدولارات لمواكبة عملية التسجيل والتحفيز، وتقدير كثيرين أنّ البلوكات الاغترابية قادرة، إذا ما أُبقي على التعديلات الأخيرة في شأن التصويت لـ128 نائباً فقط، وليس لستّة نواب في القارات الستّ، على قلب التوازنات وخلق كتلة تغييرية داخل البرلمان بالتنسيق بين الداخل والخارج وسفارات الدول المؤثّرة التي ترفع شعار "الانتخابات أوّلاً".
والأهمّ أنّ "قوى النظام"، التي تتحكّم ببوصلة الحكم منذ التسعينيّات، غير قادرة بدقّة على تقدير حجم "الخطر" الذي تشكّله كتلة الاغتراب عليها.
فعمليّاً، هي المرّة الأولى في تاريخ الانتخابات النيابية التي تواجه فيها الكتل السياسية التقليدية هذه الكتلة الضخمة من ناخبي الاغتراب والقادرة حكماً على التأثير على مجرى العملية الانتخابية في الدوئر الـ 15، خصوصاً المسيحية منها.
ويحدث ذلك بغضّ النظر عن النسبة التي ستقترع من أصل الـ244,442 ناخباً الذين تسجّلوا، حيث يسلّم كثيرون بأنّ موانع قانونية ولوجستية وإدارية مرتبطة بالبيروقراطية اللبنانية، التي لحقت اللبنانيين إلى آخر أصقاع الأرض، ستخفّض من نسبة الاقتراع. هذا إذا استثنينا ما تحدّث عنه مقرّبون من بعبدا عن شكوك حول "الزعبرة" التي قد يشهدها نقل الأصوات من السفارات إلى لبنان، مرورا بخزنة مصرف لبنان.
وتراهن قوى خارجية على أن يكون للتغيير النسبي المحتمل في هويّة البرلمان التأثير المباشر على انتخاب رئيس مجلس النواب المقبل وعلى الانتخابات الرئاسية.
لذلك يشير مطّلعون إلى أنّ هناك "مصلحة" سياسية قد تحضر على طاولة المجلس الدستوري، من خلال القضاة الذين يمثّلون "قوى النظام"، بقبول الطعن "العوني" ببند المغتربين لناحية إسقاط التعديل المتّصل باقتراعهم لـ128 نائباً، وحَصره بالاقتراع لستّة نواب في القارات الستّ، وهو ما يُبعِد تأثير الكتلة الاغترابية على "التركيبة القبائلية" النيابية في الداخل.
بيد أنّ خطوة كهذه ستؤدّي حُكماً إلى تأجيل الانتخابات لأنّه لا آلية ولا مراسيم تطبيقية بعد لاقتراع المغتربين لستّة من نواب الاغتراب، وتحتاج العملية إدارياً ولوجستياً إلى أشهر طويلة من الإعداد.
ترهيب "العهد"
يرى خصوم العهد أنّ رئيس الجمهورية مارَسَ "ترهيباً" مُسبقاً على أعضاء المجلس الدستوري من خلال إعلان عدم توقيعه مرسوماً يدعو الهيئات الناخبة إلى الاقتراع في 27 آذار 2022.
وهو من البنود التي شَمَلها الطعن الذي تقدّم به تكتّل "لبنان القوي" بسبب التعديلات التي أُدخِلت على قانون الانتخاب. وكان رئيس الجمهورية صريحاً بتأكيده: "لن أوافق على انتخابات نيابية إلا في 8 أيار أو 15 أيار".
واستبق ذلك باستقباله رئيس المجلس الدستوري القاضي طنّوس مشلب في قصر بعبدا أمام عدسات الكاميرا بعد أيام قليلة من إقرار مجلس النواب في 19 تشرين الأول الماضي سلسلة تعديلات على قانون الانتخاب الذي ردّه رئيس الجمهورية، فاجتمع المجلس وأصرّ على التعديلات كما هي في 28 تشرين الأول.
أمّا من جهة مقدّمي الطعن فالمعادلة واضحة: الأكثرية النيابية التقت الأضداد فيها على التلاعب بقانون الانتخاب والمسّ المباشر بالعملية الانتخابية التي لن يؤدّي الطعن إلى تطييرها لأنّ المهل مصونة ولا خوف عليها.
يقول نائب في التيار الوطني الحر لـ"أساس": "تجميد مفعول التعديلات على قانون الانتخاب لا يعلّق القانون ولا يؤثّر على الإجراءات الإدارية واللوجستية المرتبطة بالعملية الانتخابية، ولا على نتائج الرقم القياسي الذي سجّله المغتربون للمشاركة في الانتخابات المقبلة".
واستباقاً لأيّ مقاطعة لجلسات المذاكرة من جانب أعضاء في المجلس الدستوري، قال باسيل قبل أيام: "لا أستطيع أن أتخيّل أنّ أصحاب كفاءة سيمتنعون عن إحقاق الحقّ بالتصويت أو المشاركة لأنّ تعطيل النصاب يُدخِلنا في متاهة تعطيل القضاء الدستوري بعد تعطيل القضاء المدني".
ويَستذكر العونيون في هذا السياق تطيير نصاب المجلس الدستوري عام 2013، بغطاء شيعيّ-سنّيّ-درزيّ، حين كان المجلس يدرس الطعن في قانون التمديد لمجلس النواب، الذي قدّمه يومئذٍ التيار الوطني الحرّ والرئيس ميشال سليمان.
نصاب الحضور في المجلس الدستوري المؤلّف من عشرة أعضاء هو ثمانية أعضاء، ويكفي غياب ثلاثة منهم، كما حدث عام 2013 بغياب القاضيين الشيعيّين والقاضي الدرزي، لتتعطّل اجتماعات المجلس.
لكنّ مطّلعين يستبعدون لجوء الفريق المعارض للطعن إلى مقاطعة جلسات المجلس الدستوري على أن تكون المعركة "داخلية" لإفراغ الطعن من مضمونه.
وبينما يُؤخَذ على رئيس المجلس الدستوري قربه من رئيس الجمهورية، يُجمِع الجسم القضائي على "نزاهة القاضي مشلب وشفافيّته وكفاءته وعدم تبعيّته السياسية طوال مسيرته القضائية".
حاول عون سابقاً طرح اسمه لرئاسة مجلس القضاء الأعلى، من دون معرفة شخصية مسبقة، بل استناداً إلى بروفيله القضائي، في مواجهة طرح الرئيس ميشال سليمان اسم القاضية أليس شبطيني، فكانت التسوية آنذاك، التي طرحها البطريرك بشارة الراعي، بتعيين القاضي جان فهد.
وأمام المجلس الدستوري مهلة شهر لبتّ الطعن المُقدّم في 18 الجاري. ووفق المعلومات، بدأ القاضي مشلب إعداد قراره حول الطعن ضمن مهلة عشرة أيام، ثمّ يوزّع نسخاً عن التقرير على الأعضاء، ثمّ يدعو لاحقاً إلى جلسة تُعقد للتداول والمذاكرة. وتبقى جلسات المجلس الدستوري مفتوحة إلى حين صدور القرار خلال مهلة أقصاها 15 يوماً من توزيع التقرير.
والأعضاء المخالفون يُسجّلون مخالفتهم ويوقّعون عليها، وتُعتبر جزءاً لا يتجزّأ من القرار. وتُتّخذ قرارات المجلس بغالبية سبعة أعضاء من عشرة. ويمكن للمجلس أن يأخذ بكلّ بنود الطعن، وهو أمر مستبعد، أو بجزءٍ منها، أو يردّها كلّها.
وتتداخل "جبهة" المجلس الدستوري والقرار المنتظر منه مع "حفلة" اتّهامات متبادلة بين معسكريْ العهد وخصومه بمحاولة تطيير موعد الانتخابات النيابية. ففريق العهد متّهم بربط هذا الاستحقاق بالانتخابات الرئاسية، وبمحاولة عون فرض جبران باسيل خياراً "طبيعياً" للرئاسة الأولى، وأيضاً بعدم جهوزية التيار الوطني الحر لخوض الانتخابات.
أمّا "التيار" فيرى في الألغام التي أُدخِلت إلى قانون الانتخاب إمعاناً في تفخيخ الاستحقاق النيابي، وجرّ الداخل اللبناني إلى مزيد من الفوضى في ظلّ واقع حكومي ومالي واقتصادي واجتماعي أكثر من خطير قد يقضي على آخر الآمال بالخروج من الأزمة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :