لا تنحصر تداعيات الأزمة الاقتصادية في لبنان في غلاء المعيشة وتضاعف نسب الفقر والبطالة وغيرها من مظاهر الحياة الصعبة، بل تمتد لتزيد من خطر الكثير من الآفات الاجتماعية كجرائم السرقة والقتل، والتي تنذر بجرّ البلاد نحو منعطف أمني خطير يسير بالتوازي مع تفاقم الحالة الاقتصادية.
وخلصت دراسة أعدتها شركة الدولية للمعلومات اللبنانية (خاصة) إلى أن آخر الأرقام تشير إلى ارتفاع جرائم السرقة بنسبة 265 في المئة، والقتل بـ101 في المئة في البلاد إثر الأزمة التي تشهدها.
وبحسب تفاصيل الدراسة الصادرة الأربعاء فإنها تقارن فترة الشهور العشرة الأولى من 2021 بذات الفترة من عام 2019.
وذكرت الشركة في دراستها أنها استندت في أرقامها إلى البيانات الرسمية للجرائم التي تعدها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
ويعاني اللبنانيون منذ نحو عامين من أزمة اقتصادية طاحنة صنفها البنك الدولي واحدة من بين ثلاث أسوأ أزمات في العالم، أدت إلى انهيار مالي وتراجع كبير في القدرة الشرائية لمعظم المواطنين وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وقالت الدراسة إنه خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2019 سُجلت 89 جريمة قتل، بينما في الفترة نفسها من 2021 سُجلت 179 جريمة.
أما عمليات السرقة فقد ارتفعت من ألف و314 جريمة في الأشهر العشرة الأولى من 2019 إلى أربعة آلاف و804 جرائم في الفترة نفسها من العام 2021.
كما ارتفع معدل سرقة السيارات 213 في المئة، من 351 عملية سرقة لمركبات في الفترة المستهدفة من 2019 إلى 1097 في 2021.
ووفق دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي فإن 74 في المئة من سكان لبنان يعانون من الفقر.
ويعمق ملف اللاجئين مآسي لبنان حيث يبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين لديه نحو 1.5 مليون، بينهم حوالي 900 ألف مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويعاني معظمهم أوضاعاً معيشية صعبة مقارنة بغيرهم من المواطنين اللبنانيين.
ومنذ احتجاجات أكتوبر 2019 لزم اللبنانيون الشوارع، حيث يخرجون بشكل يومي تقريبا احتجاجا على الأوضاع السياسية وحتى الاقتصادية والأمنية، لكن الطبقة الحاكمة لا يبدو أنها تعمل على حلّ أزمات البلاد بل تزيد من خطورتها مع انشغالها بخلافات داخلية وأخرى خارجية.
ومطلع هذا الأسبوع أقدم عدد من اللبنانيين على قطع بعض الطرقات في مدينة صيدا جنوب البلاد احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع سعر صرف الدولار. وأول نوفمبر الجاري دخل موظفو المؤسسات الحكومية في لبنان الذين يبلغ عددهم نحو 300 ألف في إضراب مطالبين بتعديل رواتبهم التي فقدت نحو 95 في المئة من قيمتها الشرائية.
وتسببت الأزمة المالية التي تجتاح لبنان منذ نحو عامين في تقلص قدرات عدد أكبر من الأسر على التكيف في الوقت الذي انهارت فيه العملة المحلية بينما تقدّم الحكومة مساعدات رمزية لا تكاد توفر القوت اليومي، وحتى إن فعلت فإنها تصطدم بفقدان العديد من المواد الغذائية والأدوية من السوق، واحتكارها من قبل جهات نافذة تسعى للتحكم في التوجه السياسي العام للبلاد.
وفي تقارير سابقة لها أكدت قوى الأمن أن عمليات السرقة استهدفت أيضا حليب الأطفال والطعام والأدوية، وهي حوادث سرقة غير مسبوقة وتعدّ وليدة الأوضاع الراهنة. وذكرت التقارير الأمنية أن أغلب الضحايا كشفوا أن السارقين كانوا يعتذرون منهم بعد القيام بسرقتهم متعللين بأنهم لا يجدون طعاما لأطفالهم وأنهم فقدوا وظائفهم.
وأشار الباحث في شركة “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين إلى أن تفشي الفقر هو سبب ارتفاع هذه النسبة من الجرائم، محذراً من المزيد من التدهور الأمني في الأشهر المقبلة في حال استمرت الأزمة الاقتصادية.
وقال شمس الدين إنه “لطالما كان لبنان يتصف سابقاً بالتضامن والأمن الاجتماعي، إلا أنه في العامين الأخيرين لم يعد كذلك بعدما ارتفعت معدلات الجرائم والسرقة بشكل غير مسبوق”.
وبالإضافة إلى أزماته الداخلية يواجه لبنان أسوأ أزمة دبلوماسية يمر بها مع دول الخليج، والتي تسببت فيها تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي التي انتقد فيها التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن، والتي دفعت الرياض إلى طرد سفير لبنان واستدعاء سفيرها وحظر جميع الواردات من لبنان. وتضامنا مع السعودية قامت البحرين والكويت بالخطوة نفسها، فيما سحبت الإمارات دبلوماسييها من بيروت وقررت منع مواطنيها من السفر إلى لبنان.
وفي هذا السياق حذّر سفيرا لبنان لدى السعودية والبحرين فوزي كبارة وميلاد نمور من الارتدادات الكارثية للأزمة مع دول الخليج، مؤكديْن ضرورة إعادة الأمور إلى مسارها.
وشددا في تصريحات الأربعاء خلال لقائهما البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي على دور دول الخليج في مساعدة لبنان ودعم اقتصاده، وضرورة الإسراع في إعادة الأمور إلى مسارها قبل أن تتوسّع الفجوة.
وتحذّر أوساط سياسية لبنانية من الارتدادات الكارثية للأزمة مع دول الخليج على الوضع الاقتصادي وبالتالي الوضع الاجتماعي أيضا، فصادرات لبنان إلى المملكة العربية السعودية فقط تبلغ 600 مليون دولار سنوياً، وبالتالي فالمصانع اللبنانية ستواجه خطر إقفال أبوابها، وخروج الآلاف من فاقدي العمل إلى الشوارع محتجين أو مشردين.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :