ذكيٌ النائب جبران باسيل. لقد وجد أن جماعةً من نوّابه قد "كبر رأسهم"، كبر إلى درجة أن "التيار" غدا لا يسعهم، فأراد تحكيم القواعد الشعبية. مفارقةٌ ديمقراطية أطاحت معنوياً بأصحاب الرؤوس الحامية وجرّدتهم من قوّتهم، ثم أتى جبران بعدها ليقول: "هذه هي النتائج، وسنرى!"
لا شك أن نتائج الجولة الأولى من الإنتخابات "البرتقالية" ، قد أسفرت عن أضرار متشعّبة لامست مستوى حضور الشخصيات الداخلية، ولعلّ الجولة الثانية في حال عُقدت لن يكون صداها أقل وطأة، رغم أن "ماكينة" بدأت تعمل على محاولة صرف النظر عن عقد تلك الجولة، رغبةً منها في خفض مستوى التوتر طبعًا. أحد المصادر يصف الجولة الأولى بـ"هزّة أرضية مهّدت لزلزال مقبل جامح". يُفترض أن الزلزال المحكي عنه سيؤرّخ عند إغلاق صناديق الإقتراع في الإنتخابات المقبلة لفصل زمني "تياري" جديد. وعلى عكس القراءات التي تقول أن النتائج صبّت بغير مصلحة جبران باسيل، أو أنها عملت على احتواء نفوذه بشكل عام وقد تكون أسّست لـ "أزمة عونية داخلية" مترامية الأطراف ولن تجد طريقها إلى الهدوء في مقبل الأيام، يبدو أن جبران يعدّ من بين المستفيدين. فأولاً "حجّمت" النتائج الكثير من النواب "المنتفخين" سياسياً وتيارياً، وثانياً أعادت إجراء عملية تموضع شاملة للمرشحين بولاء صافٍ للمرجعية القيادية، وأخيراً جعلت من الشخصيات التاريخية المنتفضة دوماً تتراجع وتهدأ على المدى البعيد ولو أنها ضمن المدى المنظور "ستهتاج" بشكلٍ لن يبقي الأزمة عالقة ضمن بيت التيار الداخلي.
ولعل باسيل، أو قيادة التيار بشكلٍ عام، وبناءً على تجربة نيابية في تكتل "لبنان القوي" عمرها 4 أعوام، وجدت أن الضرورات تبيح المحظورات. المعنى أن الضرورة بات تحكم "هندسة" فريق نيابي واضح المعالم ولا يتسلل نحو القاعدة بمفاهيم قديمة مرّ عليها الزمن أو يستحوذ عليه الملل فيقلّ إنتاجه. ففي النتيجة، الأحزاب بشكل عام وتلك ذات التكوين الشخصي بشكل خاص، تحتاج إلى انتفاضات داخلية مستمرة بشكل ديمقراطي سلس، وإلى تغييرات جوهرية دائمة ومستمرة تتلاءم وطبيعة التبدلات ومسار التطور على المستوى الشعبي والسياسي العام، ولذلك لا يعود معنى لوجود نائب مثلاً في موقعه لثلاث أو أربع دورات متتالية، ولا تعود فائدة من وجود "طقم قديم" يحمل أفكار عصر انتهى ليسقطها على عصر جديد يختلف من حيث طبيعته التكوينية. وبهذا المعنى، يتماهى جبران دوماً مع أفكار التطور والتغيير، والتي عادة لا تعجب "الحرس العوني القديم"، و اتهامه لجبران جاهز: "الإستحواذ والسيطرة"، رغم أن فريق رئيس الحزب يبرّر "التغير الحزبي الدائم" بأنه نتاج حالة "التطور والعصرنة" داخل الحزب - التيّار وليس انتقاصاً من أي شخصية أو دورها. ويطرح أحد المراقبين قاعدةً للمقارنة والنقاش. فالحزب الجمهوري الأميركي على سبيل المثال يوصل إلى السلطة عند فوزه، شخصيات سياسية سرعان ما تعود إلى الخلف عند انتهاء هذا العهد أو ذاك أو مهمتها. لكن ذلك لا يعني انتقاصاً من دورها، بل استخدامه في إطار زمني محدد، تتمّ الإستفادة منه وبعدها تعود إلى الصفوف القيادية الخليفية كمهندسي سياسات. فالمنطق يقول في النتيجة أن المسؤول، أياً كان، عنده قدرة وحوافز و اندفاعة تخوله القيادة ضمن فترة زمنية محددة، وبعد ذلك ونتيجة للشؤون قد يسيطر عليه الملل أو تغيب عنه روح الإنتاج، وليس عيباً إن عاد إلى الخلف لتحضير نفسه من جديد ومن ثمّ العودة لاحقاً بأفكار مستحدثة.
رغم ذلك، فإن قاعدة التيار ونخصّ بالذكر هنا قواعد "نواب الحرس القديم" لا تهضم أو أنها لا تتقبل على مضض تلك التغييرات. ففي النتيجة، هي تأدلجت على يد هؤلاء القادة وليس سهلاً التخلي عنهم في مناسبة كالإنتخابات. بهذا المعنى، أخذت الحساسيات الحزبية تتمدد وترتفع ضمن القاعدة، ولا ريب أن تلك علامة ناقصة وغير مشجعة تبعاً لوجود أطراف تسعى للإستثمار عادةً في أجواء غير سليمة. ويُحكى داخلياً، أن انكشاف مشكلة التيار إلى العلن وأمام الخصوم تستدرج دخول أطراف مناوئة سياسياً للتيار وللحالة العونية بشكل عام تعمل في خدمة تضخيم المشكلة وتقليب العونيين على بعضهم، ولعلّ تلك فرصة سانحة قبل الإنتخابات للعمل على ضرب حظوظ التيار، فهل يعي العونيون ذلك؟
على طرف آخر، يبدو أن القيادة البرتقالية في ميرنا الشالوحي، تتجه إلى حلول داخلية لهذه المشكلة الطارئة، ولو أنها لا تعترف بعد بوجود "أزمة عميقة" كالتي نتحدث عنها. بداية الحلول هي خلق مساحات حوار بين "التيارين،" ولعلّ من الأفكار، فتح الأبواب للندوات قبيل الإنتخابات وما تختزنه من صهر الحديد بين المرشحين والبيئة. بالنتيجة لا شيء محسوم بعد، و نتائج الجولة الأولى وربما الثانية تحتاج إلى تصديق من رئيس "التيار الوطني الحر" ، الذي يمتلك في النتيجة صلاحيات لإدخال من يرغب إلى قائمة المرشحين من دون العودة إلى القواعد.
المعنى أن الأمور مفتوحة داخل التيار وغير مقفلة. يكفيك أنه يمارس ثقافةً ديمقراطية، أقلّها في اختيار المرشحين، لم تعهدها مختلف الأحزاب السائدة. طبعاً لهذه الوضعية أثمانها. في النتيجة، القواعد لم تدجّن على اختيار من ينوب عنها بمثل تلك الظروف و لبلوغ مرتبة "فائض الديمقراطية".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :