عقبات كأداء
تمسكن عندما شعر بالخطر ، أغدق بالوعود ، وأظهر الطيبة والوجه البشوش ، والانحناء من أجل الإنقاذ.
خسارته لم تكن عادية ، فقد خسر معظم أدواته المركزية ولم يبق في ميدانه سوى جماعة الصف الثالث والرابع. شعر أن الحمل كبير ، وأن الجزر بدأ وهيجان البحر أقوى من الغطاسين ، فراح يغازل الشواطي والرمل والزبد والموج على أمل أن يفوز بالمراكب .
منذ غطس لأول مرة في البحر ،عرف كيف يصطاد السمك ويغازل الحوت ويبلُف الصيادين ،حتى صار ملك البحر بعد أن كان ملك اليابسة ويأتي اليه صغار الصيادين بصيدهم طمعا بنيل رضاه .
لم يكن النسخة الأخيرة لمن سبقه ، ولم تكن عملية التقمص مطابقة بالتمام ،لكنه كان النسخة المميزة والفريدة والتي حفرت عميقا وأنتجت لوحات حجرية تشبهها وخطّت على الورق الأبيض رسومها .
أتقّن مهنة الصيد في كل الظروف ، يصطاد في الليل كل ما يراه حتى طيور الليل "الخفافيش ، يصطاد في النهارحتى الجرذان ، يصطاد حين ارتفاع الموج ، يصطاد حين هدوء الموج .
يحضر بازار سوق السمك فيبيع بالغالي ويشتري بالرخيص .
لم يبخس أحدا حقه ، فلكل واحد سعره وعلى كل واحد أن يقدّم طاقته .
إتقن فنّ المبارزة وكسب في كل الجولات .
جعل الساحة على قياسه ، فلايجوز أن تضيق فيفقد زخمه ، ولا يجوز أن تكبر فيخسر من هيبته وسطوته ، المساحة مفروزة ، والصكوك الخضراء في جوارير خزائنه ، والتوزيع على قدر القيمة والجاه .
لم يخدع أحدا ، كان واضحا وضوح الشمس ويقول للجميع ، هذا أنا فمن أراد أن يكون في ميداني أهلا وسهلا وعلى الرحب والسعة وله من الأطياب ما يليق بطموحه وقدراته المبذولة من أجل تحسين ساحتي .
كان ذكر النحل وكانوا حوله العاملات ، جميعهم خدموا في قفيره وجميعهم أكلوا من عسل القفير ، وهم يضحكون ويبتسمون ، ويضعون على رؤوسهم الأوراق الخضراء .
هو كان يعرف ماذا يريد ، و كان همّهم ان يكسبوا ما يتيسر من فستق العبيد .
كان هو يكبر ، والشواطىء الرملية تكبر ، ومدّ البحر يقصر والجزر يطول ، ومن يعترض ويقول لا ،أهمله وأخرجه من البحر ورماه على اليابسة خلف الشواطيء .
ومن رماهم ، رماهم غرورهم فظّن كل واحد منهم أنه المُنقذ المنتظر، فاختلط الحابل بالنابل عند الجميع وصار رمل الطريق في زواريب الأحياء القديمة واعتقد بعضهم أنهم من سكان رمل الظريف .
ومن رماهم ، رمتهم العظمة فأصبحوا زواريب مقفلة لا مخارج لها، وآخرها حجارة من طوب .
استطاع إيقاف البحر، كلما اقتربت العاصفة البحرية من ملاعبه .
أقفل كل منافذ الدخول اليه وفتح كل الأنفاق التي تصل الى حرمه ، وعندما اقتربنا من المنافذ حضر المثل القائل :
لا يفُلُّ الحديدَ إلا الحديدُ
لم تعد المشكلة في الحديد الذي كان وبقي ، بل أصبحت بمن اعتبر الحديد ذهبا خالصا ، وراح في طريق إحياء تجربة الحديد الأولى .
لم تعد المشكلة في الحديد الذي كان بل أصبحت المشكلة في الذين انتقلوا من النظر الى مشاكل البحر الى الانخراط في ورشة الحديد الجديدة .
بعضنا مصاب بمرض تحديد الألوان ، ويعطي الأشياء الألوان التي تروق له ولا يُعطيها ألوانها الحقيقية .
لذلك أشكلت عليه ألون الأشياء فرأى الحديد أسود عند خصومه ورآه أصفر عند من أحبهم .
نحن اليوم أمام صراع بين الحديد والحديد ، ومن يكسب لن يكون ذهبا ومن يخسر سيبقى حديدا ، وقد يحِنّ الحديد على الحديد ويتآلف معه ، فيُحبط المُصاب بعمى الألوان .
قد يحِنّ الحديد على الحديد ، ونحن لن نحِن ، وأنت يا رفيقي لوكنت تدري بحالنا كنت من زمان حنيت على حالنا وليس على الحديد .
هذا الحديد لا يبني منزلا ، ولا يشق طريقا ، هذا الحديد مخصص لأسوار الفساد وحماية الفاسدين .
نقول إلى الذين يرون الحديد ذهبا ، كفى مكابرة ، والى الذين يرون أن جمع الحديد مع الحديد يُنتج ذهبا، كفى أحلاما في غير موضعها ، والى الذين كانوا مع الحديد وجددوا البيعة ، كفى تمثيلا ،ولن يكون الحديد سكة حديد للعبور للنهضة ، والى الذين يتنكبون مسؤولية البناء والإنشاء كفى تمهلا فإن طلوع الضوء لا ينتظر آذان الضبح .
كنا أمام عقبة كأداء وأصبحنا أمام عقبات كأداء ، وإذا بقي الحال على حاله سنصبح أمام جلاميد كأداء .
سامي سماحة
نسخ الرابط :