2\2
الولايات المتحدة واليهود :
خلال حملته الانتخابي، صرّح دونالد ترامب أنه صديق "إسرائيل"، وأنه سيقدم لها كل الدعم، وسينقل السفارة الأميركية إلى القدس ويعترف بها عاصمة للكيان. كما أكد أنه سينسحب من الاتفاق النووي مع إيران، وأنه محب جدًّا لليهود وينتظر حفيدًا يهوديًّا ....
كل المرشحين للانتخابات الرئاسية في أميركا، ومنذ خمسين عامًا، يؤكدون دعمهم الكامل ل "إسرائيل"، وعدد كبير منهم وعد بنقل السفارة. كلهم يقومون بزيارة الايبك ويقدمون الوعود!
عدد اليهود في الولايات المتحدة يقارب ستة ملايين نسمة أي 1.7% من السكان!
- لماذا يتسابق المرشحون لإرضاء اليهود ؟
- لماذا تقدم الولايات المتحدة كل هذا الدعم المالي والعسكري ل"إسرائيل"؟
- لماذا تركز المناقشات والمناظرات داخل مجلسي الشيوخ والنواب في قضايا المنطقة على مصلحة "إسرائيل" قبل أي شيء، وتعتبر حمايتها وأمنها فوق أي اعتبار وكأنه واجب قومي أمريكي ؟
نستطيع أن نستخلص أن دور اليهود في الولايات المتحدة يفوق جدًّا عددهم، بل يملكون الدور الأهم.
من ناحية ثانية، يعتبر البعض أن "إسرائيل" تشكل رأس حربة الاستعمار في منطقتنا، وتمثل المصالح الأمريكية ودورها كشرطي لها. لكن اذا درسنا المصالح الأمريكية، فسنجد:
- إن كافة دول الخليج النفطية تتبع للولايات المتحدة، وإن الأخيرة تقيم فيها قواعد عسكرية وتسيطر على تجارة النفط فيها. تبعية هذه الدول مباشرة ولا تحتاج إلى وسيط ولا إلى شرطي، ولا دور ل "إسرائيل" بذلك .
- إن العلاقات التي قامت سابقًا بين بعض الدول العربية والاتحاد السوفياتي السابق كانت رد فعل على العداء الأميركي غير المبرر.
وكان من الممكن نسج أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة إلا أنها اختارت دعم العدو .
- لم تقدم "اسرائيل" مصلحة واضحة للولايات المتحدة، بل العكس حيث أنها تعيش على المساعدات والهبات الأميركية، وإن احتلال "إسرائيل" لسيناء لفترة طويلة أقفل قناة السويس، وأضرّ بالمصالح الأوروبية.
- إذا كان الهدف من احتلال أفغانستان ومن ثم العراق هو تطويق إيران وقطع الطريق على التمدد التجاري الصيني، فإن الولايات المتحدة قد قامت بنفسها بذلك ولم تعتمد على "إسرائيل"، كما أنها بعد طرد العراقيين من الكويت أقامت مؤتمر مدريد خدمة للكيان الصهيوني، وبعد احتلال العراق كان دورها يصب في مصلحة "إسرائيل" إذ عملت على كف يد أي مقاومة، فضلًا عن أن جورج بوش الابن كان من المقتنعين بالخرافات اليهودية التي تتعلق بالعراق .
بالعودة إلى المجتمع الأمريكي، نلاحظ:
- إن الدعاية اليهودية تغزو الإعلام الأمريكي، كما تغزو البرامج المدرسية، وأننا لا نجد كتابًا مدرسيًّا أمريكيًّا لا يحتوي على دعاية يهودية، هذا فضلًا عن الثقافة التي تنشر عبر الأفلام والمسلسلات المنتجة عندهم .
إن المواطن الأمريكي العادي لا يعرف أين تقع الهند، ولا يعرف كم تبلغ مساحة البرازيل، ويكفي للدلالة أن بوش الابن خطب بالجمهور متحدثًا عن خطر العراق والأسلحة العراقية على الأمن القومي الأمريكي !! لكن المواطن يعرف انه يوجد دولة اسمها "إسرائيل" ويعرف أهميتها لأميركا.
السياسة الأمريكية في العالم:
لا يعنينا اليوم العودة إلى مرحلة الحرب الباردة. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حاولت أميركا محاصرة روسيا لإبقائها بعيدة عن السياسة الدولية، ولتقزيمها. فخلقت لها المشاكل في جورجيا وأوكرانيا والقوقاز وجنوب شرق روسيا، وأجبرت الدول الأوروبية بالسير في عقوبات ضدها رغم الضرر الكبير الواقع عليهم.
بعد أن ابتعدت دول اميركا اللاتينية عنها استعادت دورها في البرازيل، ومن ثم حاصرت فنزويلا إلى حد الاختناق الاقتصادي .
- تستفز الصين في عقر دارها بتايوان والبحر الصيني وتسوق دول الشرق الاقصى وتبيع الغواصات النووية لأستراليا بغرض محاصرة الصين.
- شكلت الثورة الإسلامية في إيران تطورًا سلبيًّا على المصالح الأمريكية، فشجعت على الحرب العراقية - الإيرانية، وعملت على استنزاف البلدين، ثم أوقعت العراق بالفخ الكويتي لتجتاح المنطقة عسكريَّا، وما لبثت أن احتلت العراق .
في الميزان، إن الولايات المتحدة لم تهزم في أي من حروبها، لكنها فشلت نسبيا، وخسرت مع الوقت في بعض الأماكن.
- احتلت العراق، فعاثت به تخريبًا وتقسيمًا، ووضعت فيه دستورًا طائفيا لكي يبقى في أزمة طائفية. خرجت من العراق بفعل المقاومة ( فشل) لكنها عادت إليه بالخديعة بعد تأسيسها لداعش، وهي ما زالت حتى اليوم تعمل على تفكيك العراق وضرب المقاومة فيه بالحرب الأهلية، وتعمل على عدم تقربه لا من الشام ولا من إيران، وحافظت على تواجدها في الأنبار بهدف قطع الطريق البرية بين العراق والشام.
- نجحت بإقامة الربيع العربي. فشلت بتغيير النظام في الشام لكنها انهكت الدولة بدعمها للإرهاب وتوظيف الدول التابعة بهذا الدعم فدمرت سوريا وأبعدتها عن لعب دورها الريادي في المنطقة.
- حاليا، تدعم الأكراد في سوريا بهدف التقسيم، وتتعامل مع تركيا بمد وجزر، لكنها تتفق مع الأخيرة على الضرر بسوريا.
ما يقلق أميركا هو نمو محور المقاومة الذي ردع "إسرائيل" في جنوب لبنان وغزة وبات قريبًا من تشكيل تهديد وجودي لكيان العدو، فسارعت الولايات المتحدة لضرب سوريا وإسقاط الدولة فيها وحاصرت إيران وأقامت عليها العقوبات وعادت إلى العراق تبثّ فيه الفتن وتحاصر لبنان وتجر الفتنة إليه. إنّ ما يجب أخذه بالاعتبار هو أن تباينًا في المصالح الأمريكية - الإسرائيلية قد حصل، وحاولت "إسرائيل" أن تضغط بوسائلها على الولايات المتحدة بغاية شن الحرب على إيران كونها تشكل تهديدًا كبيرًا لها خاصة مع تطور صناعتها العسكرية وبالأخص الصاروخية، ومع قلق "إسرائيل" من أن تمتلك إيران سلاحًا نوويًّا، في حين أن الولايات المتحدة في عهد أوباما رأت الحل من خلال الاتفاق النووي الذي يطمئنها ألّا تصل إيران إلى السلاح النووي. الاتفاق لم يطمئن "إسرائيل" واعتبرته لصالح إيران وهي تريد بحث القدرات الصاروخية الإيرانية. بعد وصول ترامب إلى سدة الرئاسة نفذ الكثير من رغبات "إسرائيل"، فانسحب من الاتفاق النووي مع إيران وطالب ببحث القدرة الصاروخية لكنه لم يشن الحرب. هدد بها ولم يفعلها لأن الإدارة العميقة في الولايات المتحدة رأت بذلك خطرًا على مصالح الدولة. خلال الانتخابات الأخيرة، وقف نتنياهو علنًا مع ترامب الذي خسر الانتخابات وفاز الديمقراطي بايدن ، نائب أوباما سابقا، وكان قد وعد خلال حملته بالعودة إلى الاتفاق النووي . خسر نتنياهو الانتخابات بدوره لكن بايدن الذي عاد إلى المفاوضات مع إيران لم ينفذ وعده إلى الآن وتحاول إدارته المماطلة قدر الإمكان، ذلك لأن ضغط اللوبي الصهيوني كبير ومتواصل .
يعتمد أصحاب رأي "ان الولايات المتحدة في طريقها للانسحاب من المنطقة" على بعض التصريحات من مسؤولين أمريكيين وعلى خطوة الانسحاب من أفغانستان.، الا اني لا أرى ذلك، فهي مرتاحة جدا على وضعها في الخليج ولم تصل المقاومة في العراق أو الشام بكل قواتها حاليا إلى درجة إجبارها على الرحيل، وهي حاولت بقوة ألّا تتّخذ الحكومة العراقية قرارًا يطلب منها الرحيل حتى لو أقرّ المجلس النيابي ذلك، وقد تدخلت مؤخرًا في الانتخابات العراقية كي يكون لفريقها أكثرية المجلس ولكي تأتي بحكومة معارضة للحشد الشعبي وإيران، وهي تعزز قواتها في الشام وتدفع اتباعها في لبنان إلى المواجهة، وتعمل على أن تتم انتخابات لبنان مثل العراق . لا يمكن مقارنة منطقتنا بأفغانستان ولا يؤثر انسحابها منها على كيان العدو .
القول ان "إسرائيل" هي أداة اميريكية بالمنطقة منافٍ للواقع . هي دولة يهودية صهيونية تنفذ رغباتها أولًا وتنفذ رغبات الإدارة الأمريكية المشتركة. بالمقابل، فإن الولايات المتحدة هي قوة عظمى، ومن غير المنطق أن تخضع كليًّا لرغبة الصهيونية، الا أن اللوبي اليهودي بداخلها فعال جدًّا، ويملك الكثير من أدوات النفوذ ومراكز القرار، وإلا ما معنى هذا العدد الكبير من اليهود أو الصهاينة المسيحيين في المراكز الأولى ؟
إن الغطرسة اليهودية وشعورهم بأنهم الشعب المختار وتعاملهم المنفر للآخرين، لم يترك لهم حلفاء أو أصدقاء لفترة طويلة. لذلك، فإن على محور المقاومة تطوير عمله ضد القوات الأمريكية وجعلها تشعر بصعوبة البقاء وحجم الاستنزاف البشري والمادي لها، عندها ستترك المنطقة ويبدأ العد العكسي لدولة العدو.
مأمون ملاعب
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :