عن جوعٍ لا علاقة له بالطّعام… لماذا نُشاهدهم؟
هل تكتشف فجأةً، بعد وقتٍ طويل من التصفّح على الإنترنت، أنّك غرقت في مُشاهدة فيديوهات لـ food bloggers؟ لست وحدك. هذه المقاطع المسلّية الخاصة بالطّعام على منصّات التواصل الاجتماعي المُختلفة تأخذك بعيداً لتستسلم لمُشاهدتها واحدة تلو الأخرى، سواء كانت مقاطع طهي أو تناول طعام أو تحديات ذات صلة. ما الأسباب؟ وهل تدرك أنّ بعضها لا علاقة له بالطّعام ولا بالجوع؟
يُشارك البعض من مدوّني الطّعام أو ما يُعرف بالـ food bloggers تجاربهم في الطّهي وتناول الطعام، غالباً من خلال المدوّنات والصّور ومقاطع الفيديو لنقل خبراتهم إلى الجمهور المُستهلك. ويركّز هؤلاء على وصف تجارب المطاعم مستخدمين منصّات التواصل الإجتماعي كوسيلةٍ أساسيّة للتّسويق والوصول إلى الجمهور، مثلما يحدث في حملات التسويق للمطاعم.
إلا أنّ القطبة المخفيّة تكمن في عدم اقتصار هذه المنشورات على الطّعام فحسب، بل تتعدّاها لتُلامس جوانب أعمق. إنّها تُثير جوعاً دفيناً للرّاحة والأمان والإنتماء، وكلّما شعرنا بالحرمان ازدادت متعة المُشاهدة.
ويؤكّد الخبراء أنّ مُتابعة فيديوهات الطّعام تُغذّي لدى المُشاهِد الشّعور بالإشباع خصوصاً لمَن يُعانون من حرمانٍ أو قيود في عادات تناول الطّعام، إذ تُعطي المُشاهدة في هذه الحالة نوعاً من التفريغ الرّمزي للرغبة. كما يعتبرون أنّ مدوّني الطعام يسمحون للناس بأن يجدوا مساحة مشتركة كرمز للأمان والإنتماء.
لعلّ أوّل ما يُفهم من هذه الظّاهرة هو أنّنا لا نشاهد الطّعام فقط، بل نسعى إلى الشّعور المصاحب له. نحن لا نرى قطعة البرغر أو البيتزا أو أيّ طبق شهيّ آخر، بل نرى وجهاً يُعبّر عن شدّة اللذة ليقول لنا إنّ العالم بخير، ولو للحظة. من هنا، أصبح هذا المشهد نوعاً من المسكّن البصري، في زمنٍ يسوده القلق والتوتّر، وكأنّنا نبحث عن راحةٍ نفسيّة موقّتة ولو على هيئة سندويش.
وفي علم النّفس، يُعتبر الأكل comforting behavior أي سلوكاً مريحاً عاطفيًّا. لكن حين يُمارَس هذا السّلوك على الشاشة، يُسقَط على المُشاهد لا كفعل، بل كإيحاء. إذ تُصبح الفيديوهات أشبه بـ”مُحاكاة حسيّة”، نشاهد فيها غيرنا يعيش الطمأنينة بالنيابة عنّا.
للأبعاد الإقتصاديّة حيّزٌ كبير أيضاً. ففي مجتمعٍ يُعاني من أزمات معيشيّة حادّة، يُصبح مشهد طبقٍ فاخر على شاشة الهاتف، نوعاً من التعويض الخيالي. نحن نتفرّج على وفرة لا نملكها، نعيش فيها خيالاً لحظيًّا عن طاولة لا تصلنا، لكنّنا نحفظ شكلها. يُقال إن “العين تأكل قبل الفم”، لكن ما الذي تفعله حين لا تجد ما تأكله؟ إنها تُشاهد.
ووفق الأبحاث، يتقاطع الأمر مع مفهوم الـ aspirational culture أي الثقافة التي تبني رغبات الناس على ما يُريدون امتلاكه لا ما يملكونه فعلاً. في فيديوهات الطّعام، لا نكتفي بالتلذّذ البصري، بل نطمح سرًّا لعيش اللحظة نفسها، نفس الطعم، نفس السياق. هي تجربة رغبة أكثر ممّا هي تجربة تذوّق.
ربّما حان الوقت لنسأل أنفسنا: هل نريد أن نأكل أم نريد أن نشعر؟ وهل حقًّا ما نبحث عنه هو الطّعام أم الشّعور؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي