مؤشرات مقلقة على نوايا “إسرائيل” في المستقبل القريب

مؤشرات مقلقة على نوايا “إسرائيل” في المستقبل القريب

 

Telegram

إن العدائية الإسرائيلية المفتوحة على كل أشكال القتل، أصبحت جزءاً من إعادة ترتيب أوراق اللاعبين البارزين في المنطقة، وقرار العدوان على قطر ليس معزولاً عن البرنامج الإستراتيجي الأشمل لكيان العدو. وقد ظهر ذلك جليّاً في القلق الذي اعترى المسؤولين في الدوحة، وفي عواصم خليجية أخرى، من أنّ الولايات المتحدة لم تكنْ بعيدة إطلاقاً عن هذا العدوان. ورغم محاولات واشنطن للتبرّؤ، فإنّ الوقائع الميدانية، خصوصاً في الشقّ العسكري، لا تترك أي مجال للشكّ في أنّ الأميركيين كانوا على علم بما خطّطت له “إسرائيل”.
 
أمّا الحديث عن الاتصال بالجانب القطري بعد العدوان، فلا يلغي حقيقة القرار نفسه. إذ يدرك المسؤولون في قطر تماماً أنّ إحدى أبرز ميزات منظومات الرادار التي تديرها الولايات المتحدة في قاعدة العديد، هي قدرتها على إطلاق إنذار مبكر، ليس فقط تجاه أي حركة جوّية في الأجواء القطرية، بل في كامل الأجواء الإقليمية.
 
كما أنها مرتبطة مباشرة بمنظومة دفاع جوّي تعمل تلقائياً، إلا إذا وردت إشارة مسبقة تؤكّد أنّ الطائرات أو الصواريخ تخصّ جهة صديقة أو تعمل وفق تنسيق مسبق. ومن السّذاجة الاعتقاد بأنّ الأميركيين علموا بالهجوم بالمصادفة. وحتى إسرائيل نفسها، عندما خرج رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، ليعلن مسؤوليّتها «المستقلّة» عن العملية، فقد فعلت ذلك فقط للتخفيف من الإحراج الشّكلي الذي وقع فيه الجانب الأميركي.
 
لكنّ الجديد في الأمر يعود إلى أمور عدّة بينها:
 
الأول، يتعلّق بالإجراءات التي اتّخذتها قيادة حركة حماس في الدوحة لتأمين مكان الاجتماع. هذه الإجراءات جاءت انطلاقاً من قناعة راسخة لدى قيادة الحركة بأنه لا توجد أي ضمانة تمنع استهداف قادتها في أي مكان من العالم. وحتى في تركيا نفسها، التي تتمتّع بوضعية مغايرة تماماً لقطر، تلجأ قيادة الحركة إلى تدابير خاصة لتفادي أي عملية اغتيال، انطلاقاً من خشية جدّية لدى الأتراك أنفسهم من احتمال إقدام العدو على تنفيذ عملية أمنية فوق أراضيهم.
 
الثاني، أنّ العدوان استهدف بصورة مباشرة الأداء القطري في ملف المفاوضات. وقد يستغرب البعض أنّ المحاولات الأميركية المتكرّرة لإعادة ضبط ما تسمّيه واشنطن «محاباة» قطر للجانب الفلسطيني لم تنجح. وقد سمع دبلوماسيون غربيون مراراً كلاماً أميركياً يعكس المصالح الإسرائيلية، لجهة تحميل قناة «الجزيرة»، بقسميها العربي والإنكليزي، مسؤولية كبيرة في فضح مشاهد الإبادة الجماعية في غزة، ولجهة التأثير الواسع الذي تركه الإعلام المموّل من قطر على الرأي العام العربي والإسلامي في الغرب، وحتى في الولايات المتحدة نفسها.
 
ويتردّد أنّ ضغوطاً أميركية مورست على الدوحة أدّت إلى تغييرات كبيرة في إدارة القناة، وأنّ الضغط الأميركي لامس حدّ الطلب من الدوحة تقييد حرّية قيادات حماس على أراضيها، في ظلّ اتهامات إسرائيلية متكرّرة بأنّ نشاط الحركة في قطر لا يقتصر على الجانب السياسي والإعلامي. أضفْ إلى ذلك ما يروّجه الإماراتيون عن تجاوز قطر لدور الوسيط في آخر جولات التفاوض حول وقف الحرب في غزة. إذ يقال إنّ الدوحة شجّعت حماس على رفض أي اتفاق لا ينصّ صراحة على وقف تام للحرب، في وقت كانت تجري محاولات لنقل الملف إلى القاهرة، إذ عرض المصريون استضافة قيادات من فصائل المقاومة ممّن غادروا الدوحة.
 
الثالث، يتعلّق بمجريات الحملة العسكرية الجديدة في غزة، حيث تسعى إسرائيل إلى محو كل مظاهر الحياة في شمال القطاع، وفرض عملية تهجير قسرية لسكانه. وفي هذا الإطار، تشير التقارير إلى تسارع التواصل الأميركي مع إحدى الدول العربية لإقناعها باستضافة نحو مليون فلسطيني، مع عرض أميركي بتقديم سفن ضخمة لنقلهم من غزة من دون المرور بمصر. وتعتبر إسرائيل هذه الخطوة جزءاً أساسياً من إستراتيجيّتها في معركتها المفتوحة ضدّ محور المقاومة بأكمله.
 
الرابع، يرتبط بارتفاع منسوب التوتّر الأمني والعسكري بين إسرائيل وإيران، حيث لا يستبعد الخبراء تجدّد المواجهة العسكرية المباشرة في أي لحظة، خصوصاً أنّ الجانب الأميركي لم يعُد يجد ما يفرض عليه التوصّل إلى اتفاق مع إيران. ورغم محاولات الأوروبيين الظاهرية لإعادة التواصل مع طهران، يدرك المسؤولون الإيرانيون بأنّ ما فشلت إسرائيل في تحقيقه خلال الجولة الأولى قد يكون هناك تخطيط لتوسيعه في جولة ثانية، بمشاركة الولايات المتحدة التي قد تستخدم قواعدها في الخليج لهذا الغرض.
 
الخامس، يتعلّق بالمعلومات الواردة من سوريا، حيث أبلغ الإسرائيليون حكومة أحمد الشرع، بما اعتبروه قراراً نهائياً، بأنّ كل المناطق الواقعة على بُعد عشرة كيلومترات إلى الجنوب من دمشق، وصولاً إلى الحدود مع الجولان والأردن وصعوداً حتى السويداء، يجب أن تكون منطقة خالية من أي وجود لقوّات سورية مقاتلة، بينما يُسمح بوجود شرطة محلّية شرط الاتفاق مسبقاً على كافة التفاصيل المتعلّقة بالعدد، ونوع التحرّك، وطبيعة العمليات. كما أكّد الجانب الإسرائيلي أنه سيستمرّ في تبنّي مبدأ «حرّية الحركة» لمواجهة أي تهديد، وأصرّ على على أن يدير بنفسه ما يُسمّى بالممرّ الإنساني الممتدّ من القنيطرة باتجاه السويداء.
 
السادس، يتعلّق بالحديث الخافت عن أنّ فشل الحكومة اللبنانية في إطلاق برنامج عملي قابل للتطبيق بشأن نزع سلاح المقاومة لم يعُد يثير اهتماماً محلّياً أو دولياً. إذ أعادت إسرائيل على مسامع الأميركيين أنّ عجز الحكومة اللبنانية يمثّل بالنسبة إليها دعوة للتحرّك بنفسها. وقد نقل موفدون أميركيون، على سبيل النصيحة، أنه في حال عجزت الحكومة في بيروت عن إقناع حزب الله بتسليم سلاحه، فإنّ على اللبنانيين ألّا يُفاجأوا بعملية عسكرية إسرائيلية أشدّ قسوة، ستستهدف هذه المرة كل البنى المدنية والعسكرية لحزب الله، إلى جانب مؤسسات قد تكون خاصة بالدولة اللبنانية، تعتبر إسرائيل أنّ حزب الله يستفيد منها.
 
الواضح حتى الآن أنّ إسرائيل قرّرت الانتقال إلى مرحلة جديدة من حربها المفتوحة على كامل المنطقة. هذا التحوّل يثير قلق حلفاء إسرائيل التقليديين، مثل السلطة الفلسطينية والأردن، كما يثير تحفّظات أطراف مرتبطة بالجانب الأميركي، مثل مصر وقطر. أمّا السؤال الأكبر فيظلّ حول موقف دولة مركزية في المنطقة مثل تركيا، التي تلقّت ضربات أمنية في سوريا من قبل إسرائيل، في إطار توصيل رسالة واضحة للأتراك بأنّ «حصّتهم» في سوريا لا يمكن أن تتجاوز وسط البلاد، ولا أن تمتدّ إلى العاصمة دمشق.
 
يبدو أننا مقبلون على أيام صعبة، ولا يستطيع أحد الحديث بيقين عمّا سيكون عليه المشهد. لكنّ المؤكّد أنّ إسرائيل تتصرّف وفق برنامج ومتّفق عليه تماماً مع الجانب الأميركي، ما يفرض على القوى المستهدفة أن تكون في حال استعداد لمواجهة من نوع مختلف تماماً. وفي الحال اللبنانية، لا ينبغي لأهل المقاومة أن يفرحوا بما خرجت به جلسة الحكومة حول خطّة الجيش، ليس فقط لأنّ من ارتكب خطيئة 5 و7 آب الماضي لم يتراجع عن قناعته، بل لأنّ من بيده القرار الفعلي، لا يقف على خاطر أحد في هذه البلاد، ولا هو مهتمّ أصلاً بما يقومون به!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram