وفي بيان مقتضب، أوضحت الشركة أن “الشبكة تتعرض منذ فترة لتشويش خارجي مزمن اشتد أخيراً في منطقة الجناح، وهذا ما يؤثر جزئياً على جودة خدمة الاتصالات والبيانات”، معلنةً أنها تدرس “كل الحلول الممكنة لتحسين الخدمة في المنطقة، لا سيما في مستشفى الزهراء، بالتنسيق التام مع وزارة الاتصالات والجهات المعنية”.

إرباك في وزارة الاتصالات

مصادر رسمية في “تاتش” أكدت لـ”المدن” أن التشويش “لا يطال شبكة تاتش حصراً؛ بل إن شبكة الاتصالات كلها تتعرض لتشويش خارجي متقطّع وغير اعتيادي، لا سيما في الواجهة البحرية الممتدة على طول ساحل بيروت، وصولاً إلى كسروان وجبيل”.

وعن الجهة المسؤولة، وما إذا كانت إسرائيلية، أوضحت المصادر أن “مصدر التشويش لم يُحدد بعد، حيث تجري تحقيقات إضافية لمعرفة المصدر”.

أما عن انعكاساته، فأشارت إلى أنه “يؤثر حكماً على نوعية الاتصالات وجودة الخدمة، إضافة إلى تأثر الإنترنت؛ إذ طال التشويش ترددات الجيلين الثالث والرابع ، (3Gو 4G) كما يتسبب بضغط على الشبكة نتيجة تحويل الاتصالات”.

الإرباك الواضح في “تاتش” لعدم معرفة نوعية التشويش ومدى خطورته والجهة التي تقف خلفه، هو عينه المسيطر على وزارة الاتصالات. فالأخيرة ما زالت تحاول البحث عن السبب الممكن والمحتمل.

وفي هذا الصدد، أكد مصدر رسمي من وزارة الاتصالات لـ”المدن” أن الوزارة “تتابع الملف عن كثب بالتنسيق مع الجهات الأمنية والتقنية المتخصّصة، وقد أطلقت تحقيقات لتحديد مصدر التشويش بدقة”.

وأوضح المصدر أنّ الوزارة “على تواصل دائم مع شركة تاتش، وتعمل على اتخاذ كل ما يلزم من خطوات فنية وميدانية للحدّ من آثاره، وتأمين استمرار الخدمة بأفضل جودة ممكنة”، كاشفاً أنّه “تُدرس إجراءات إضافية لتقوية الشبكة في المناطق المتأثرة، ريثما تتضح طبيعة الجهة المسؤولة عن التشويش”.

حرب سيبرانية مقبلة؟

المهندس أيمن ياسر حاطوم، الخبير في التكنولوجيا والاتصالات، قدّم إلى “المدن” قراءة تحليلية حول أبعاد ما يحصل، موضحاً أن التشويش على شبكات الهاتف المحمول، يتم عبر إغراق الترددات بضوضاء كهرومغناطيسية أو إشارات أقوى من الإشارة الأصلية. هذا يتم بعدة أساليب، منها:

• التشويش الواسع الذي يغطي الذبذبات كاملاً في منطقة معينة.

• التشويش الموجّه الذي يستهدف قناة أو خلية محددة عبر أجهزة متطورة.

• استخدام أبراج اتصال وهمية (Fake BTS) تخدع الهواتف، وتجبرها على الاتصال بها.

ووفق حاطوم، لا يُستبعد أن تكون البوارج الحربية مصدر التشويش، خصوصاً أن هذا التشويش يطاول المناطق المحاذية للبحر؛ إذ تمتلك إسرائيل منظومات حرب إلكترونية متطورة قادرة على تعطيل شبكات الاتصالات على مسافات بعيدة، مستفيدة من خط الرؤية المباشر مع أبراج الساحل اللبناني.

ووفق تحليل حاطوم، إسرائيل تمتلك الوسيلة؛ أي أنظمة تشويش متطورة مثل (Scorpius) و(AN/SLQ-32)، المعلَن عنها رسمياً، والقادرة على “تعطيل اتصالات ومنظومات متعددة الأهداف” من مسافات بعيدة.

ويحذّر حاطوم من سيناريو حرب سيبرانية قد تشنها إسرائيل التي تمتلك سجلاً حافلاً في الحرب الالكترونية، وقد استخدمته خلال حرب تموز 2006 وأيلول 2024، وفي العمليات العسكرية في سوريا، وحتى داخل فلسطين المحتلة لتضليل الطائرات المسيّرة.

ويدعو إلى حماية شبكات الاتصالات بما هي أولوية استراتيجية، لأنها ليست مجرد خدمة تقنية للمواطن؛ بل باتت جزءاً من الأمن القومي. وطالب بـ”إنشاء شبكة وطنية لرصد الطيف على الساحل، ومركز عمليات طيفية موحّد بين الوزارة والأجهزة الأمنية، وتنويع قنوات الاتصال الاحتياطية خصوصاً للطوارئ، وتطوير بروتوكولات تقنية لمواجهة التشويش والتكيّف مع الترددات البديلة.”

شكوى لبنانية سابقة

بين الرواية الرسمية التي تتحدث عن “تشويش خارجي متقطع” والتحليل التقني–الأمني الذي يربط الظاهرة بمسرح المواجهة مع إسرائيل، يبقى المؤكد أن ما حصل يتجاوز مجرد عطل تقني.

إنها رسالة بأن البنية التحتية اللبنانية، وفي مقدمتها شبكات الاتصالات، يمكن أن تكون هدفاً مباشراً في أية مواجهة مقبلة.

يُذكر أنّ “تاتش” و”ألفا” كانتا قد أعلنتا قبل حوالي شهر عن تعرض شبكتيهما لتشويش خارجي متقطع وغير اعتيادي على طول الساحل الممتد من بيروت إلى جبيل، وهو ما يعكس استمرار الظاهرة وتصاعدها في الفترة الأخيرة، في حين أنّ “ألفا” لم تصدر أي بيان في الوقت الحالي حول الأمر.

وفي هذا السياق، منذ أقل من عام، وخلال الحرب الأخيرة على لبنان، أعلنت وزارة الاتصالات أنها “تقدّمت بشكوى تتعلّق بالتشويش الإسرائيلي الذي يطال على نحوٍ أساسي نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إلى وزارة الخارجية، موجّهة إلى الأمم المتحدة وإلى الـ ITU للنظر بها”، مما يرجح فرضية ضلوع إسرائيل في لعبة التشويش.