هل يستطيع كيان الاحتلال تحمّل حرب استنزاف طويلة في غزة

هل يستطيع كيان الاحتلال تحمّل حرب استنزاف طويلة في غزة

 

Telegram

يطرح إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مواصلة الحرب في غزة التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الحرب يمكن أن تتحوّل إلى حرب استنزاف مماثلة لما حدث في فيتنام أو أفغانستان.
انّ إجراء مقارنة، يتبيّن انّ هناك أوجه تشابه واختلاف بين حرب غزة، وحربي فيتنام وافغانستان:
أولا، على صعيد أوجه التشابه، يمكن تسجيل أربعة أوجه:
الوجه الاول، يواجه جيش الاحتلال حرب عصابات متطورة، كما في فيتنام وأفغانستان، تشن المقاومة حرب عصابات غير تقليدية ضد قوات الاحتلال في بيئة مدنية، تعتمد المقاومة الفلسطينية فيها على شبكات الأنفاق، وهي تكتيك يشبه إلى حدّ كبير الأنفاق التي استخدمها ثوار الفيتكونغ في شنّ هجمات مفاجئة ضد قوات الاحتلال الأميركية.
الوجه الثاني، يعاني جيش الاحتلال من حرب استنزاف نفسية ومعنوية: من المعروف انّ الهدف من حرب العصابات انما هو إنهاك العدو نفسياً ومعنوياً، وليس عسكرياً فقط. هذا ما حدث في فيتنام، حيث كان الهدف هو استنزاف الإرادة الأميركية للقتال، وهو ما يبدو أنّ المقاومة في غزة نجحت فيه أيضاً حيث تحدثت التقارير الإسرائيلية عن أمراض نفسية، وحالات هستيريا وكوابيس، يعاني منها آلاف الجنود الصهاينة، وتراجع معنوياتهم، نتيجة المواجهات، مما دفع أعداد كبيرة من جنود الاحتياط الى رفض الالتحاق بالجيش للقتال في غزة.
الوجه الثالث، تكبيد كيان الاحتلال تكلفة اقتصادية كبيرة: أدّت الحروب الطويلة والمكلفة في فيتنام وافغانستان الى إحداث ضغط كبير على الاقتصاد الأميركي.. والحرب الاسرائبلية في غزة، تسببت بالفعل في انكماش الاقتصاد الإسرائيلي وزيادة العجز في الميزانية، مما ادى الى زبادة الأعباء المالية..
الوجه الرابع، اتساع معارضة الرأي العام للحرب: يؤدي استمرار الحرب إلى تراجع الدعم الدولي وتزايد الانتقادات، مما أدّى إلى تحوّل دولة الاحتلال إلى دولة منبوذة تعاني من عزلة غير مسبوقة في العالم. كما أن الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي ازدادت بشأن استمرار الحرب، مما يذكّر بالاحتجاجات الضخمة التي شهدتها الولايات المتحدة ضد حرب فيتنام.
ثانياً، على صعيد أوجه الاختلاف، يمكن تسجيل ما يلي:
1 ـ العمق الاستراتيجي والجغرافيا: على عكس فيتنام أو أفغانستان، اللتين تتمتعان بمساحات شاسعة وتضاريس وعرة وغابات مناسبة لحرب العصابات، فإنّ قطاع غزة عبارة عن منطقة صغيرة جدا، 369 كلم2، مسطحة، خالية من الغابات والجبال والوديان، ومحاصرة من كلّ الجهات…
2 ـ غياب الدعم الخارجي المباشر: لم تتلقّ المقاومة الفلسطينية دعماً عسكرياً مباشراً على نطاق واسع من دول أخرى، كما حدث في فيتنام وأفغانستان (حيث تلقت حركات المقاومة دعماً من الاتحاد السوفياتي أو الولايات المتحدة).
3 ـ فشل سياسي: بعض المحللين يرون أنّ حكومة العدو لا تمتلك رؤية سياسية واضحة لما بعد احتلال قطاع غزة، مما يجعل من الاحتلال العسكري طويل الأمد النتيجة المرجحة، ويحول الحرب إلى مستنقع من الاستنزاف بلا نهاية.
بشكل عام، تشترك حرب غزة في بعض التكتيكات والنتائج السلبية التي شهدتها الحروب في فيتنام وأفغانستان، لكن السياق الجغرافي والسياسي مختلف تماماً.
ثالثاً، إذا كانت أميركا لم تتحمّل كلفة الاستنزاف في فيتنام، فهل يستطيع كيان الاحتلال الاستمرار في تحمّل حرب الاستنزاف في غزة لسنوات طويلة؟
بالنظر إلى الفارق الكبير في القوة الاقتصادية والجيوسياسية بين الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الاسرائيلي، فإنّ مقارنة قدرتهما على تحمّل تكاليف حروب الاستنزاف ليست دقيقة تماماً، ولكن يمكن القول إنّ تل ابيب تواجه تحديات استنزافية كبيرة في حرب غزة، قد لا تتمكّن من تحمّلها على المدى الطويل بنفس طريقة الولايات المتحدة التي تملك القدرات الاقتصادية، والعسكرية والبشرية، بما يفوق كثيرا ما يملكه كيان الاحتلال:
1 ـ كانت حرب فيتنام مكلفة للغاية للولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية والبشرية.. حيث بلغت التكلفة المباشرة للحرب حوالي 686 مليار دولار، عدا طبعاً التكلفة غير المباشرة على الاقتصاد والمجتمع.. وهو ما يمثل حوالي 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في ذلك الوقت.. إضافة إلى الخسائر الاقتصادية، كان للحرب أثر نفسي عميق على الشعب الأميركي، مما أدّى إلى انقسام سياسي واجتماعي واسع النطاق، وتزايد الاحتجاجات المناهضة للحرب.
2 ـ أدت الحرب في غزة حتى الآن الى التسبّب بخسائر اقتصادية كبيرة، حيث انكمش الاقتصاد الإسرائيلي في الربع الرابع من عام 2023.. كما أدّى تجنيد مئات الآلاف من جنود الاحتياط إلى تعطيل العديد من القطاعات الاقتصادية، مثل البناء والتكنولوجيا.. وقد قدّرت تكلفة الحرب بعشرات المليارات من الدولارات، مما أدّى إلى زيادة كبيرة في الدين العام والعجز في الميزانية.
على الرغم من صغر حجم غزة، فإنّ طبيعة الحرب مع المقاومة المسلحة، واستمرار إطلاق الصواريخ من اليمن، فرض استنزافاً مستمراً للموارد والجهد العسكري الاسرائيلي.
رابعاً، الفارق الرئيسي:
أبرز ما يميّز قدرة كيان الاحتلال على الاستمرار في خوض حرب الاستنزاف هو الدعم العسكري والاقتصادي الكبير وغير المسبوق الذي يحصل عليه من الولايات المتحدة.. بينما لم يكن لدى الولايات المتحدة في حرب فيتنام أيّ حليف رئيسي يدعمها بهذا الحجم، فإنّ كيان العدو تلقى مساعدات عسكرية ضخمة من واشنطن، تشمل الأسلحة والذخيرة. هذا الدعم يخفف جزءاً كبيراً من العبء المالي المباشر عن كاهل الكيان الإسرائيلي.. ومع ذلك، فإنّ هذا الدعم لا يلغي التكاليف الداخلية الكبيرة، بما في ذلك التكاليف البشرية والنفسية، وتراجع الاستثمار المحلي، والتوترات الاجتماعية والسياسية المتزايدة.
انطلاقاً مما تقدّم، يمكن القول، انّ كيان الاحتلال قادر على الاستمرار في حرب الاستنزاف طالما يحصل على الدعم الأميركي الحاسم، ولكن هذا لا يعني أنه محصّن إزاء التكاليف الداخلية وتداعياتها. هذه التكاليف يمكن أن تؤدي إلى تصاعد الأزمة السياسية الداخلية ومفاقمة إرهاق الجيش والمجتمع الإسرائيليين على المدى الطويل، وهو ما قد يشبه إلى حدّ ما التداعيات النفسية والاجتماعية للاستنزاف البشري والمادي الذي عانت منه الولايات المتحدة في فيتنام… وأدّى الى هزيمتها.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram