التجديد لليونيفيل: مواجهة دبلوماسية قد تغيّر المشهد في الجنوب اللبناني
تدور معركة دبلوماسية كبيرة في نيويورك قد تغيّر المشهد في الجنوب اللبناني وتضاعف بشكل كبير التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية في هذه المرحلة.
المسألة تتعلق بالتجديد لولاية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الجنوب اللبناني- اليونيفيل. بعد حوالي نصف قرن على تمركزها في تلك المنطقة، يبدو مصير هذه القوات غير محسوم: يريد لبنان بقاءها وتسعى إسرائيل لإنهاء وجودها.
سيحسم مجلس الأمن أمر هذه القوات يوم الاثنين خلال جلسة تصويت على تجديد مهامها. فلماذا كل هذا التجاذب بشأن هذه القوات؟
في موقع إطلاق صواريخ حزب الله، وفي آلية بيضاء مصفحة وكبيرة المعروفة في الجنوب بآليات "الأمم"٫ انتقلنا في دورية مع عناصر من الكتيبة الهندية إلى منطقة شبعا الحدودية.
"سترون أحد المواقع العسكرية لحزب الله"٬ قال لنا الرائد ر. س. بهانوكا - ضابط الإعلام العام وضابط التعاون المدني - العسكري في الكتيبة الهندية.
بعد بضع دقائق وصلنا إلى نقطة معيّنة مطوّقة بالأشجار وتتناثر فيها مقتنيات شخصية من أحذية وحرامات وطاسات وركوة قهوة وعبوات مياه.
قال لنا الضابط إن المكان الذي كنا نقف فيه هو مدخل نفق تابع لحزب الله وإنه تمّ اكتشاف سلالم حديدية موصولة فيه كان عناصر من حزب الله يستخدمونها للدخول إلى النفق والخروج منه.
ما رأيناه بأعيننا هنا يختلف عن الصور التي رأيناها من على هاتف الضابط والتي أظهرت نوعا من البنية الهندسية المتطورة.
"هكذا كان النفق عندما عثرنا عليه"٬ قال لنا.
رفض مشاركتنا الصورة وبقي المشهد الموجود هنا هو تلك الحفرة المطمورة والتي تتناثر حولها أغراض بدائية أساسية للحياة في الخفاء تحت الأرض وفي ظروف طبيعية ومناخية قاسية.
بدأ البحث عن هذا النفق في هذه المنطقة بناء على مشاهدات إطلاق الصواريخ من تلك البقعة أثناء الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.
"بعد وقف إطلاق النار تم تمشيط المنطقة خطوة خطوة حتى تمكنّا من تحديد المكان من خلال دوريات جوية وبرية. ففي هذه المنطقة الواسعة، من الصعب جداً العثور على موقع بعينه لا سيما أن النقطة نفسها كانت مخفية بشكل جيد جدا"، بحسب ما شرح لنا الضابط الهندي.
دلّنا الضابط أيضاً على موقع مجاور، يبعد بضعة أمتار فقط عن النفق المدمّر. قال إنه كان يُستخدم كغرفة عمليات عسكرية لحزب الله وهو ما يجعل مجمل المكان الذي اكتُشف نقطة عسكرية مهمة للغاية.
منذ توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بات البحث عن أي مواقع عسكرية لحزب الله من أبرز المهام التي تقوم بها اليونيفيل.
تندرج مهام اليونيفيل هذه في إطار القرار الأممي 1701 الصادر عام 2006 عقب انتهاء حرب الثلاثة وثلاثين يوماً بين حزب الله وإسرائيل والذي ينص على وجوب التأكد من خلو أي وجود عسكري بين الخط الأزرق ونهر الليطاني في الجنوب اللبناني، من غير الجيش اللبناني وقوات الأمن اللبنانية الرسمية وقوات اليونيفيل.
ويُعتبر الخط الأزرق خط الانسحاب الإسرائيلي من جنوبي لبنان في عام 2000 – وهو ليس حدوداً بين البلدين، إنما خط فاصل بينهما.
وبنتيجة ذاك القرار زاد حجم قوات اليونيفيل بشكل ملحوظ ليصل لأكثر من 11 ألف عنصر اليوم من أكثر من أربعين دولة.
أما عن آلية العمل المتفق عليها، فإن قوات اليونيفيل تبلّغ الجيش اللبناني عند عثورها على أي موقع عسكري أو عند رصدها خرقاً للقرار. في حالة نفق شبعا، قال الضابط إن الجيش اللبناني دمّره بعد أن أخذ الذخيرة التي كانت موجودة فيه.
لكن بالرغم من كل ما تتحدث عنه اليونيفيل باعتباره نجاحاً في تحقيق مهامها٬ لا تريد إسرائيل لها أن تواصل عملها.
فقد طلب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر من نظيره الأمريكي ماركو روبيو، وقف عمل اليونيفيل، بحسب ما نقلت صحيفة "إسرائيل هيوم" التي أشارت إلى أن ساعر اعتبر أن "اليونيفيل فشلت في مهمتها الأساسية وهي منع تموضع حزب الله جنوبي نهر الليطاني".
وقد يكون الانتقاد الإسرائيلي الأخير لليونيفيل منطلق مما كشفته جبهة الإسناد التي فتحها حزب الله دعماً لغزة في 8 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 من وجود عسكري متطور لحزب الله في منطقة جنوبي الليطاني.
في المقابل، تطول لائحة الخروقات الإسرائيلية للقرار الأممي ذاته التي وثقتها تقارير اليونيفيل على مدى السنوات السابقة، وليس أقلها الخرق المتكرر للأجواء اللبنانية من خلال طلعات جوية للجيش الإسرائيلي فوق لبنان وخرقه لجدار الصوت.
في البداية هناك طبعاً خيار الأبيض والأسود، بمعنى أنه إما يتمّ التجديد للقوات الدولية بصلاحياتها ومهامها الحالية أو إلغاء وجودها.
هناك أيضا مقترح آخر يتم التداول به في الكواليس الدبلوماسية والسياسية، من بينها أن يكون التجديد لمرة أخيرة ولمدة عام أو ستة أشهر مع خفض تدريجي لمهمة اليونيفيل وصولاً إلى إنهائها بالكامل. يترافق ذلك مع تعزيز كبير لدور الجيش اللبناني في الجنوب.
تناقلت تقارير مقترحاً آخر يقضي بتجديد ولاية اليونيفيل، ولكن مع تقوية صلاحياتها، لا سيّما في ما يتعلّق بحرية حركتها أي من دون مرافقة من الجيش اللبناني وهذا أمر ممنوح أصلاً لها ولكنه يخضع أحياناً لاعتبارات محلية بحيث لا تستفز الدوريات أهالي البلدات الجنوبية ولا تتحوّل إلى مصدر توتر.
إذ تنتشر أحياناً فيديوهات لأهالي يعترضون دوريات أو يصطدمون مع عناصر من القوات الدولية وسط اتهامات لهم بالتعدّي على أملاك خاصة أو العمل لصالح إسرائيل أو لأن الدورية ليست برفقة الجيش اللبناني رغم أنه ليس فرضاً على اليونيفيل.
وبالرغم من أن حوادث مشابهة تبقى محدودة للغاية، إلا أنها تُظهر حساسية عمل هذه القوات في بعض الأحيان ومشاعر البعض في المناطق الحدودية تجاهها.
يبقى مقترح آخر تم التداول به بشكل غير رسمي وهو تعزيز صلاحيات اليونيفيل بشكل يسمح لها باستخدام القوة أي تغير طبيعتها من قوة أنشأت لحلّ أي نزاعات بطريقة سلمية استناداً إلى الفصل السادس في الأمم المتحدة إلى قوة يسمح لها باستخدام القوة العسكرية استناداً إلى الفصل السابع. أي دفع في هذا الاتجاه قد يخلق عدائية كبيرة في لبنان ضد أي قوات مشابهة.
ماذا سيحدث مع اليونيفيل في جلسة التجديد لمهامها في الخامس والعشرين من الشهر المقبل؟ قد يحمل الجواب على هذا السؤال جزءاً من اللغز الأكبر الذي يؤرق اللبنانيين: ماذا سيحدث في البلاد؟ وما توجهات القوى الأساسية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، بشأنه؟.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي