ألبوم الروح… حين يصبح الحنين موطنًا.
بقلم: فاطمة يوسف بصل
ليست كل الصور تُعلّق على الجدران. بعضها يُنقش في الروح، في الأماكن التي لا يصلها الزمن، ولا تمحوها الأيام.
في قلب كلّ منا ألبوم سري، نعود إليه خلسة، حين ينام العالم وتستيقظ الذكريات.
ومن بين هذه الصور، هناك صورة لا يحملها الواقع، بل خُلقت من حلم.
أمٌ ذات ليلٍ باكٍ، رأت في منامها طفلًا باسم "يوسف". كان يركض نحوها ضاحكًا، كأن السماء بعثت لها بطمأنينة على هيئة طفل.
استيقظت وملامحه منقوشة في قلبها، حفرتها دموع الشوق، وسمّته يوسف، كأنها عرفته منذ ولادتها.
لم تُنجب بعد، لكن يوسف كان حلمها الذي صار وجعًا، يكبر في خيالها كلّ يوم، تراه في تفاصيل الحياة، في وجوه الأطفال، في الأسواق، وفي صوت الطفل الجار.
كلما سمعت أحدهم ينادي: "يوسف!"، تلتفت بقلبها قبل وجهها… تبحث عن ابنٍ لم يولد، لكنه يسكنها أكثر من بعض الأحياء.
وهكذا، تُضاف صورة يوسف إلى ألبوم الروح، صورة لا يراها أحد، لا تلتقطها عدسة، لكنها تقيم هناك، بين نبضة ونبضة.
تنام معه، وتصحو عليه، تحادثه دون صوت، وتدعو له دون أن تدري لمن.
تمامًا كصورة الأب الذي غاب عن ابنتيه ليحمي حلمهن، وكالجدّة التي فارقت قبل وداع، وكالرسائل المؤجلة والضحكات المنسية…
ألبوم الروح لا يعرف الزمن، ولا يحتاج كاميرا.
هو سجلّ الدمع الصامت، والأمنيات المؤجلة، والحنين الذي لا يعترف بالنسيان.
ويوسف، حلمٌ صار ذاكرة، وقلبٌ من ضوء، يسكن صفحة بيضاء لا تشيخ أبدًا.
كما كلّ من نحب، ولم نحتضن.
وهكذا، يُغلق الليل علينا أبوابه، ويُعيدنا ذلك الألبوم السري إلى ما لا يُنسى.
يوسف، ذاك الطفل الذي ما زال في رحم الحلم، صار وجهًا تمشي الأم به بين الناس، ولا أحد يدري أنّ قلبها ينبض باسم لم يُكتب في السجلات بعد، لكنها تُرضعه من حنينها كلّ فجر، وتُلبسه من صبرها كلّ مساء.
تمامًا كأولئك الذين يحملون في قلوبهم ملامح من رحلوا، ووجع مَن لم يأتِ بعد، وذكريات من لم تُكتب، لكنها عاشت في داخلهم، وكبرت، وصارت وطنًا لا يُغادرهم.
ألبوم الروح هو هذا التناقض الجميل المؤلم: طفل لم يولد لكنه حيّ، رسالة لم تُكتب لكنها وصلت، صورة لا إطار لها، لكنّها أوضح من كل الصور.
نُخبئ وجعنا بين ابتسامة ودمعة، بين حلم لم يكتمل وواقع لم يُنصفنا.
نحن الذين نحيا من قصاصة أمل، ونمضي في طريق لا يرى وجوهنا أحد… لكننا نملك كنزًا لا يُقدّر: ألبوم الروح… المليء بحبّ لا يموت، وأسماء لا تُمحى، وملامح من نور، وأحلام… كيوسف.
احتضنوا صوركم الخفية… ولا تسخروا من حلم أحد.
فربما كلّ ما يملكه إنسان، هو اسمٌ ناداه في حلم… وصدّقه.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :