المنطقة العازلة في شبعا: محاولة إسرائيلية لإعادة هندسة الحدود اللبنانية
حين أسقطت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية منشوراتها فوق شبعا وكفرشوبا، لم يكن الهدف فقط تحذير الأهالي من الاقتراب من بركة النقّار وتلال سدّانة، بل كانت الرسالة أوضح: “إسرائيل ترسم حدودًا جديدة على الأرض، بالرصاص والقنابل الصوتية، لا عبر اتفاقيات أو خرائط أممية”. هذه ليست “منطقة عازلة” بالمعنى الأمني فقط، بل مشروع سياسي ميداني يُراد تكريسه كأمر واقع.
استعادة “الشريط” بصيغة مُصغّرة
الذاكرة الجنوبية لا تزال تحتفظ بمرحلة “الشريط الحدودي” قبل عام 2000، حين فرض الاحتلال منطقة أمنية واسعة داخل لبنان لإبعاد المقاومة عن مستوطناته. اليوم، تُعيد “إسرائيل” التجربة نفسها، لكن بأدوات مختلفة: جيوب محدودة، نقاط متقدمة، وخطوط حمراء صغيرة لكنها متفرقة، تفرغ الأرض من أهلها وتحوّلها إلى منطقة فراغ يسهل التحكم بها.
اختيار شبعا وكفرشوبا ليس تفصيلاً، فالقطاع الشرقي هو الأكثر إشكالية في ملف الحدود البرية: مزارع شبعا والنقاش حول لبنانيتها، والخط الأزرق وما فيه من نقاط عالقة. عبر فرض “منطقة عازلة” هنا، تحوّل “إسرائيل” الأرض نفسها إلى ورقة ضغط سياسية: إمّا قبول الخطوط التي ترسمها ميدانيًا، وإمّا مواجهة تصعيد عسكري أو دبلوماسي دائم.
التبرير الإسرائيلي التقليدي يتحدث عن “أمن المستوطنات”، لكن الأمن في المفهوم الإسرائيلي ليس سوى غطاء لمشروع أوسع: إعادة صياغة التوازنات الحدودية. المنطقة العازلة تمنح الاحتلال هامش مناورة على طاولة المفاوضات، وتضع لبنان أمام معضلة مزدوجة: الدفاع عن حق السكان في أرضهم، ومنع تكريس وقائع جديدة ستتحول لاحقًا إلى حدود مفروضة.
الجيش اللبناني يراقب، وقوات “اليونيفيل” ترفع تقاريرها، لكن القرار الفعلي يبقى بيد “إسرائيل”. هذا العجز يفتح الباب أمام تكريس واقع طويل الأمد، حيث يتحوّل الاحتلال من مؤقت إلى شبه دائم في نقاط حساسة. وفي غياب آلية ردع حقيقية، يصبح المدنيون رهائن لهذه الهندسة الأمنية الجديدة.
ما يجري في شبعا يتجاوز حدود البلدة نفسها. هو اختبار مبكر لمعادلة ما بعد الحرب في الجنوب:
هل يُسمح لـ”إسرائيل” بفرض حدودها عبر الميدان؟ أم ينجح لبنان، بدعم دولي أو عبر المقاومة، في منع تكريس “شريط أمني” جديد؟
بكلمات أخرى، المنطقة العازلة ليست مجرد إجراء عسكري، إنها “بالون اختبار سياسي” يرسم ملامح الصراع المقبل حول السيادة اللبنانية وحدودها البرية.
المنطقة العازلة في شبعا تكشف أنّ “إسرائيل” لا تزال تراهن على استراتيجية “خلق الوقائع على الأرض”، وأن الجنوب ليس محكومًا فقط بموازين القوى العسكرية، بل أيضًا بقدرة لبنان على تحويل أي خرق ميداني إلى قضية سياسية ودبلوماسية كبرى. وإلّا، فإن الخط الأحمر الذي رُسم اليوم قد يتحوّل إلى حدود نهائية غدًا.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي