قلّما شهدت وقائع التاريخ فعلاً مقاوماً يصنع الصمود والنصر بعيداً عن مجتمع مؤيّد، لكنّ الشهيد السعيد السيد حسن نصرالله استطاع أن يلغي المسافة بين المقاومة ومجتمعها، بحيث جعلهما جسداً واحداً. فثبات المقاتلين هو وثيق الصلة بعمقهم المجتمعي، بدءاً برضى الوالدين ودعائهم، وصولاً إلى انخراط مجتمعي يشمل مجالات المقاومة كافة: المعنويّة، السياسيّة، التكافليّة، الاقتصاديّة، الثقافيّة، الإعلاميّة، بحيث يتجنّد كل عضو في هذه الجبهة ليجعل منها متراصّة ومنيعة، تصنع المعجزات.
لقد أدرك العدو الإسرائيلي وأتباعه في لبنان هذه الحقيقة، بأن المجتمع هو السلاح الأساس للمقاومة، وأن الأخيرة هي درعه. لذلك، حينما يعجز العدو عن تطويع المجتمع المقاوم عبر الإخفاق في هزيمة جبهته العسكرية، سرعان ما يذهب لتطويع هذه الجبهة عبر تدمير مجتمعها.
من هنا، يصير من الموضوعية القول بأن القرار المُتخذ حديثاً لتجريد المقاومة من سلاحها إنّما يستهدف بالدرجة الأولى إبعاد مجتمعها عنها، عبر إيجاد عوامل الفرقة بينهما، بحيث تصير هذه المقاومة عبئاً على مجتمعها. ولم تكن مجرّد هفوة كلاميّة حين صرّح المندوب الأميركي توم برّاك بضرورة استنساخ مشهديّة عام 1982، حين اجتاح جنود العدو لبنان في بضعة أيّام وسط صمت مجتمعيّ واسع، وآخر مؤيّد.
من اتخذ قرار تجريد المقاومة من سلاحها يعرف جيداً استحالة تطبيقه بالقوّة، لذلك، لن تزعجه التصريحات بأن هذا السلاح لن يُسلّم، فما هذا القرار إلّا مقدّمة لسلسلة من الخطوات سوف يجري تطبيقها بتوزع أدوار بين الإسرائيلي، والأميركي، والسعودي، وجوقة متكاملة في الداخل اللبناني، وذلك بعد إعلان الجدول الزمني لتسليم السلاح.
ستنطلق بعد هذا الإعلان هجمة ممنهجة، فالإسرائيلي سيبدأ بتصعيد أمني، والأميركي بضغط دولي، والسعودي بضغط اقتصادي، والداخل اللبناني بحملة إعلامية وميدانية، وسيحصل كل ذلك تحت حجة تمنّع المقاومة عن تسليم سلاحها، وبذلك، يستريح كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأعضاء لجنة مراقبة وقف إطلاق النار من العبء المعنوي والمادي لتبعات عدم التزامهم بتنفيذ القرار 1701، ورمي التبعات على المقاومة.
يراهن الفريق المعادي للمقاومة على الآتي: (1) اتخاذ المقاومة خطوات غير مدروسة (2) بروز خلافات واسعة ضمن مجتمع المقاومة (3) زيادة مستوى النفور من المقاومة لدى مكوّنات طائفية أخرى في لبنان (4) الذهاب نحو انتخابات نيابية تضعف الحصانة السياسية للمقاومة في البرلمان والحكومة.
ما كان للشهيد السيد حسن نصرالله أن يحقّق إنجازه العظيم في تماهي المقاومة مع مجتمعها لولا توافر عامل أساسي يتمثّل في تراكم الإنجازات رغم ضخامة التضحيات؛ فالناس أكثر ما يقلقهم أن تترافق تضحياتهم مع استمرار الإخفاقات، وهذا نذير لمحور المقاومة، حيث خطورة ترف الوقت إذا لم يتزامن مع جرعات معنوية وعملية، حتى لا تفقد المقاومة سلاحها.