أعلنت وسائل الإعلام الرسمية في طهران، اليوم الخميس، أن المرشد الإيراني، علي خامنئي، أصدر مرسوماً يعيّن بموجبه علي لاريجاني ممثلاً له في المجلس الأعلى للأمن القومي.
هذا التعيين يمنح لاريجاني عضوية رسمية مع صلاحية التصويت داخل المجلس، ما يعزز موقعه كلاعب أساسي في مراكز اتخاذ القرار العليا في طهران.
إعلان هذا التعيين جاء بعد أيام فقط من قرار الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بتعيين لاريجاني أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ليجمع بذلك بين موقع الأمانة العامة والتمثيل المباشر للمرشد في الوقت ذاته، وهو وضع يمنحه قدرة مضاعفة على التأثير في الاتجاهات السياسية والأمنية للمؤسسة السيادية الأعلى في إيران.
يُذكر أن علي لاريجاني شخصية ذات سجل طويل في المؤسسات العليا الإيرانية، فقد شغل سابقاً مناصب رفيعة منها رئاسة البرلمان ووزارة الثقافة والإرشاد، كما كان رئيساً لهيئة الإذاعة والتلفزيون، وأميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي بين عامي 2005 و2007 حين تولّى ملف المفاوضات النووية مع القوى الغربية.
قرار تعيين لاريجاني أميناً عاماً للمجلس قوبل بردود فعل متفاوتة داخل طهران، خصوصاً من التيار الذي يمثّله سعيد جليلي، العضو البارز في المجلس والمعروف بمواقفه الرافضة لأي مسار تفاوضي مع الغرب. المقربون من جليلي عبّروا عن امتعاضهم بشكل علني. وقد كتب أمير حسين ثابتي، وهو مستشار إعلامي لجليلي وعضو سابق في البرلمان، في منصة "إكس" أن تعيين لاريجاني "لا يعبّر عن تغيير جوهري في توجّه الحكومة، بل يعكس محاولة لتعويض ضعف رئيسها برئيس ظلّ من طراز أكثر تأثيراً". وقال إنه "رغم احترامه لشخصية لاريجاني الجادة"، فإنه لا يرى أن رؤاه تختلف عن بزشكيان أو حتى عن الرئيس الأسبق حسن روحاني، ما يجعله غير متفائل تجاه تأثير إيجابي لهذا التعيين.
من جانبه، نشر سعيد جليلي نفسه تعليقات مباشرة وضمنية على حسابه في "إكس" بعد ساعات من تعيين لاريجاني، قال فيها إن "الذين راهنوا على المفاوضات لتحقيق مكاسب اقتصادية رأوا أن إيران تعرّضت لهجمات وهي تفاوض"، مضيفاً أن "الاتجاه أهم من الأشخاص". وأكد أن أية مفاوضات مقبلة يجب أن تكون محددة الزمن، وقابلة للتراجع، ومضمونة النتائج، مشدداً على أن "الثقة بالغرب أثبتت مراراً أنها خطأ فادح".
هذا التوتر بين التيارين ينعكس بوضوح في طبيعة الاصطفاف داخل المجلس، حيث تبدو عودة لاريجاني محاولة لإعادة هندسة تركيبة المجلس ومنع سيطرة الخطاب المتشدد عليه، خصوصاً في ظل ما تواجهه البلاد من تحديات أمنية حادة مع إسرائيل، وضغط اقتصادي داخلي، واستحقاقات معلقة في ملف الاتفاق النووي.
ويوحي توقيت تعيين لاريجاني بأن المرشد أراد إرسال رسالة حاسمة إلى الأطراف الداخلية والخارجية، مفادها أن المؤسسة الحاكمة عازمة على الإمساك بزمام الأمور من خلال شخصيات موثوقة، تمتلك الحنكة والخبرة، وتتمتع بوزن سياسي يسمح لها بموازنة التيارات المتنافسة ضمن بنية القرار الإيراني.
من ناحية أخرى، يأتي هذا التحرك بعد أسابيع قليلة من انتهاء الحرب المفتوحة مع إسرائيل، وبعد تغييرات مؤسسية طالت مناصب عليا في الحرس الثوري ووزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان نتيجة لمقتل من كانوا يقودون هذا المؤسسات في الهجمات الإسرائيلية، ما يُرجّح أن إيران بصدد الدخول في مرحلة جديدة من إعادة ترتيب مراكز القوة.
في المجمل، ينظر إلى تعيين علي لاريجاني كممثل للمرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي على أنه ليس مجرد خطوة إدارية، بل إعلان واضح عن رغبة المرشد في استعادة التوازن داخل مؤسسات اتخاذ القرار، في مواجهة تباين الرؤى بين معسكرَي "المواجهة" و"التفاوض"، واحتواءً للانقسامات التي برزت بشدة عقب الحرب الأخيرة والجدل الدائر حول سُبل إدارة الصراع مع الغرب في المرحلة المقبلة.
نسخ الرابط :