عن بقايا وطن

عن بقايا وطن

 

Telegram

 

من الأمور التي حزّت دائماً في نفسي، في النقاش السياسي الداخلي، فكرة أنّه بالمعنى «اللبناني»، «الوطني»، «الشعبي» (سمّها ما شئت) لم يكن سلاح المقاومة هو يوماً القضية الإشكالية في البلد، ولكنهم جعلوه كذلك. ما أقصده هو أنّ كل المشاكل الحقيقية في لبنان لا علاقة لها بسلاح المقاومة: الدولة الفاشلة، الانهيار المالي، المحاصصة، الطائفية، الظلم الاجتماعي، الخ. ما كان هناك من سببٍ، منطقياً وعقلانياً، لأن يصبح سلاح المقاومة مسألة خلاف وتنازع على المستوى الشعبي، ولكنهم جعلوه كذلك. السبب هنا بسيط طبعاً، وهو أنّ أميركا وإسرائيل قد وضعتا هؤلاءa المقاومين «في رأسهما» وجنّدتا كامل الطبقة السياسية اللبنانية، ومعها أكثر المجتمع المدني والناشطين، لتصبح هذه قضيتهم الوحيدة.
على العكس تماماً، كما كان يقول زياد الرحباني، فإن كان هناك من شيءٍ جيّدٍ في هذا البلد، إنجاز حقيقيّ في تاريخه، تجربة جماعية يمكن البناء عليها لتأسيس هوية وطنية، فهو تاريخنا الطويل في المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني. هذا كلّه، بالطبع، أصبح خلفنا؛ وأنا أعتقد أنّهم حين خانوا المقاومة، فهم لم يطلقوا النار على مشروعٍ سياسيّ فحسب، بل على الكيان اللبناني نفسه وعلى أسسه ومستقبله. ومن هنا نحن نجد اليوم أنفسنا في كيانٍ هشّ، لا يثق أهله ببعضهم البعض، وليس فيه تراثٌ مشترك، ولا نعرف حتى عن استمراريته. المسألة هي أنّ الحياة السياسية اللبنانية في العقدين الماضيين كانت عبارة عن حربٍ سياسية طويلة ضدّ المقاومة، وقد تربى جيلٌ كامل من السياسيين والنخب في هذه المدرسة وتشكل وعيهم فيها. هذه السنوات قد غيّرت المجتمع اللبناني بأكمله، وخرّبت أولوياته وثقافته، رفعت أسوأ الشخصيات من وسطنا وأخبثها، وجعلت بيننا ثارات.
أذكر منذ سنوات قليلة حين كتبت مخاطباً بعض «التشرينيين»بمعنى أنهم، على ما يبدو، لا يفهمون قواعد «اللعبة السياسية» للمقاومة في لبنان (البعض الآخر كان يفهم تماماً، ولا سبب لأن تخاطبه)، وهي أنّ حزب الله لا يحارب في السياسة من أجل مقاعد وزارية. المعادلة ليست على هذا الشكل. هؤلاء الناس وجدوا أنفسهم في صراعٍ مباشر مع أميركا وإسرائيل، وثمن الضعف والخسارة هنا ليس أن تخرج من الحكومة أو تُهزم في انتخابات، بل ثمنه أن يُقتل قادتهم ورجالهم وعائلاتهم، ويقعون في الأسر، ويصبح البلد تحت الاحتلال. هذا هو معنى «السياسة» بالنسبة إليهم. أمّا الآن، وقد حصل ما حصل، فلا أملك إلا أن أوجّه إليهم تحيّة، وأن ينظروا أين أصبح رفاقهم في «الثورة» اليوم، وأنّ علينا أن نتعامل - سوية - مع واقعٍ جديد. أمامنا اليوم احتمالان: إما أن تقع الحرب، وهذا شيءٌ لا نقرره نحن وليس في يدنا، فإن كانوا قد قرروا استكمال الحرب على لبنان وهذا هو مشروعهم، فهم سيخوضونها ضدنا في كل الحالات. والبديل هنا ليس «سلمياً» هو الآخر، بل حربٌ من نمطٍ مختلف، في بلدٍ فاشل لا يزال موحداً فقط لأن هناك إرادة دولية، لهذه اللحظة، باستمراره. البعض يكرر أن الوضع اليوم ليس «بسوء» الوضع عام 1982، وأنا أقول العكس، إن حالنا اليوم أسوأ بكثير من 1982، وأعداءنا أقوى وأكثر سطوة، وليس بيننا أناسٌ كالذين كانوا أيامها؛ وعلينا وسط هذه الظروف أن نفكّر بطريقة جديدة ولغةٍ جديدة، وننقذ ما يمكن إنقاذه ونتعلّم الدفاع. ألم يكن من الطبيعي - بل والمنطقي والمتوقّع - أن يموت زياد في مثل هذه الأيام؟

الوطن و«الدولة»
كالعادة، أحبّ أن أعطي القرّاء غير اللبنانيين «لمحة» عن البلد الذي نعيش فيه ومعنى الغرائبية فيه. أنتم سمعتم طبعاً بالانهيار المالي العظيم الذي أصابنا منذ سنوات، ولكنكم على الأرجح لا تعرفون ماذا حصل من بعده. هذا شيءٌ لا أعرف له مثيلاً في التاريخ: أن يفلس القطاع المصرفي بأكمله، وللناس في ذمّته عشرات مليارات الدولارات، ولكنه لا يزال يحتفظ بكامل قوته المالية والسياسية. المسألة ليست فقط في أنّ المصارف المفلسة لم تقفل، وأصحابها لم يدخلوا السجون، وهي لا تزال تمارس عملها المصرفي وتتحكم في القطاع المالي، بل في أنّ المصارف لا تزال فعلياً «تحكم البلد»، وتموّل الإعلام والسياسيين وتقرّر في مختلف الشؤون. حتى حين نفكّر بخطّة للخروج من واقع الإفلاس الذي تسببت فيه، فإنّ من يرسمها ويقررها ويتفاوض عليها هي المصارف إياها - هم حرفياً يقومون بإدارة تفليستهم. وفي هذه الأثناء، ولأن المصارف لا تقوم بأعمالٍ مصرفية حقيقية من نمط التسليف والاستثمار (والأسباب التي من أجلها يكون هناك قطاعٌ مصرفي، أي خدمة الاقتصاد)، فهي تخترع يومياً أشكالاً لا تصدّق من الرسوم على الزبائن لتمويل نفسها. هي «خوة» يفرضونها مقابل أن يصبح لديك حساب مصرفي. هل سمعتم في حياتكم برسمٍ - كبير، قد يفوق الواحد بالمئة - تدفعه فقط لكي تودع أموالك؟ ثم رسمٍ مشابه تدفعه لكي تسحبها؟ أنا لست أبالغ، وقد احتسبت الأرقام: النسبة التي تطلبها منك المافيا الصينية في أميركا حتى تبيّض أموالك (أي أن تسلمهم حقيبة مليئة بالدولارات في لوس أنجلوس، ويعطونك مقابلها حساباً شرعياً في بنكٍ في المكسيك) هي أقلّ من كلفة إدارة حسابٍ في مصرفٍ لبنانيٍّ مفلس.

«الدّفاع عن النّفس هو أقدم قانونٍ في الطبيعة» - الأديب الإنكليزي جون درايدن


لهذه الأسباب أتجنّب أحياناً التطرّق إلى مثل هذه المواضيع اللبنانية، إذ إن النقاش فيها مسمومٌ ولا قيمة للرأي فيه، وإن قلت شيئاً حقيقياً فسيخرج مئة صوتٍ من حولك يغرق النقاش ويضيّعه ويحرفه. كلّ كلام تقرأه في «الصحافة الاقتصادية» في لبنان، فعلياً، يمثّل طرفاً ما ومصالحه. تقرأ مقالاً اقتصادياً يخيّرنا الصحافي فيه بين خطتين للخروج من الأزمة: واحدة تقدمها مجموعة من المصارف، وهي مصارف «جيدة» وخطتها منطقية، يقول لنا، مقابل خطة لمصارف أخرى، هي «سيئة» ويجب أن نعارضها. ألا يوجد هنا «خيار ثالث» حقاً؟ ولا تجد مشكلة في طريقة عرضك لـ«الواقع»؟ حين نقول إن الفساد في لبنان هو «منظومة» متكاملة، من الدولة إلى الإعلام إلى الجامعة والمجتمع المدني، فنحن لا نمزح، والفكرة هنا بسيطة: أصحاب الأموال يعرفون أن قسماً كبيراً من ثرواتهم قد يقع، في أي عالمٍ منطقي، تحت المساءلة (الأموال التي هربوها إثر تشرين، الفوائد الربويّة التي حصّلوها في السنوات الأخيرة، أرباح المصارف التي وزّعت عليهم، حساباتهم في الخارج، الخ)، ولو أني مكانهم فأنا سأكون أكثر من مستعدٍّ لإنفاق واحدٍ بالمئة من ثروتي، على السياسة والإعلام والصحافيين، حتى أضمن الباقي. كيف تواجه هؤلاء؟ من هنا أصبحت سياستي التقليدية في لبنان هي في التزام الصمت في هذه الحالات، وعدم الدخول في نقاشاتٍ ليست نزيهة، من «قضية النفايات» و«خبرائها» إلى الانهيار المالي و«خبرائه»، ثم تكتب بعد ذلك مقالاً تقول فيه كلّ ما تريد - وتراكم المزيد من الأعداء.
لهذه الأسباب وغيرها لا يمكنك أن تقارب المؤسسات اللبنانية إلا بمسحةٍ من «انعدام الجدّيّة»، إذ لا يمكنك أن تأخذ الأسماء والألقاب بحسب معناها المفترض أو ما قد توازيه في دولٍ «حقيقية». على سيرة الألقاب: بالنسبة إلى بلدٍ حديثٍ صغيرٍ معروف أساساً بالرقص والغناء، فإنّ ألقاب الرسميين في لبنان مدهشة في جديّتها، فخامة وسعادة ونيافة وغبطة، تشعرك وكأنك في ملكيّة عتيقة أو إمبراطورية. وهذا يمثّل، بلا ريبٍ، نوعاً من التعويض عن انعدام الوزن الفعلي لهذه المناصب (بمعنى أننا أصلاً لا نأخذ النائب في البرلمان على محمل الجدّ، هذا عمل من لا عمل له، فكيف لو خسر لقبه الفخيم؟). تقبّلنا، مثلاً، بكل رحابة صدر، فكرة أن يعيّن «الخارج» بشكلٍ مباشرٍ وعلنيّ، وانحصرت النقاشات في تقييم الخيارات وشرحها، ولماذا استقرّوا - مثلاً - على سلام الأوّل وليس سلام الثاني (وأصبح الكثير من النخب يفهم أن العائد السياسي لـ«أعمال اللوبي» في السفارة وفي واشنطن أكثر جدوى من الدخول في النقاش المحلّي أو مخاطبة الناس). رئيس الجمهورية، مثلاً، كان قائداً للجيش، ولم نكن نعرف عنه في السنوات الماضية إلا أمرين: أنه يتحضّر ويمهّد لكي يصبح رئيساً للجمهورية (هذا طبعاً غير قانوني في المبدأ، إذ إن موظف الدولة لا يحق له أن يعمل في السياسة، ولكننا لا نتوقف عند مثل هذه التفاصيل) وثانياً، أنّه الخيار الأميركي في لبنان.*
هذا الكلام كلّه هو، من ناحية، مقدّمةٌ لما سأقوله تالياً، أو هو طريقةٌ طويلة لكي أشرح لماذا يكون ردّ فعل اللبنانيين، حين يقال لهم أن يثقوا بدولتهم، أو أنها ستحميهم، أو أن يتركوا مصيرهم لها ولرجالها، هو غالباً في الضحك (أوصلوا الكهرباء أوّلاً)، أو أن يعتبروا أن هناك مؤامرةً كبيرة تجري عليهم.

أن تعيش تحت الاحتلال
إن كنت من أولئك الذين يعتقدون أنّه كان لدينا، في مرحلة ماضية، تكافؤ عسكري مع إسرائيل، ثم خسرناه، وهكذا «تغيرت الظروف»، فقد يكون من الأسهل - مفهومياً وتحليلياً - أن تغيّر نقطة الانطلاق: لم يكن هناك أصلاً تكافؤ بيننا وبين إسرائيل، بمعنى التناظر، ولا اقتربنا منه. شرح أحد الضيوف الأجانب مؤخراً أنّ السبب الأساسي الذي جعل إسرائيل لا تبادر بالحرب في السنوات الماضية لم يكن العجز العسكري («الردع» مفهومٌ مطّاط وقلّ ما يكون مطلقاً، وكثيراً ما يساء استخدامه) بقدر ما كان حساب الكلفة والمفاجآت، وأن ليس لديها سببٌ قوي لكي تكسر الهدوء. وأضيف أن إسرائيل اليوم تمارس سياسة الحرب المستمرّة أيضاً لأنه ليس لديها سببٌ قوي لكي تنكفئ وتوقفها. البروباغاندا في لبنان عملت على ترويج صورٍ مشوهة عن مفهوم المقاومة وتعمية أسبابها وتاريخها الحقيقي. انعدام التكافؤ في وجه عدوٍّ صائل، ونتائج هذا الضعف، والاضطرار، هي العوامل التي تدفع الناس أساساً إلى التنظّم في حركة مقاومة. ولأنهم وضعوا، وحيدين، في سياقٍ قاسٍ وصعب، أفضل خياراته سيئة، وإلا فلا أحد «يحبّ» أن يحمل السلاح ويعيش في عالمٍ عنيف (والحرب بعامّة، وخاصّة ضدّ قوّة متفوقة ليست على الإطلاق تجربةً جميلة).
الظروف تغيّرت ولكن المعادلة لا تزال كما كانت منذ البداية: أناسٌ ضعفاء في منطقة خطيرة، وهم يحاولون أن يدافعوا عن أنفسهم في وجه احتمالاتٍ مخيفة، محافظين لنفسهم على القدر الممكن من الكرامة. ومن الطبيعي هنا أنّ القوى الدولية التي تواجههم ستجنّد قطاعاتٍ واسعة من المجتمع ضد المقاومة وتنظّم ضدّها حرباً سياسية، كما يفعلون مع أي نظامٍ يعارضونه - والمهمّة هنا أسهل. ومن الطبيعي أيضاً، إن كنت حركة مقاومة، أن تكون لديك «سياسة» ما للتعامل مع هؤلاء الخصوم، أو تنظيم الخصومة والحدّ من أذاها، وإلا فأنت ستُحاصر بسرعة (بمعنى أنّه لو كانت الساحة مفتوحة في بلدك، وأمام النخب الإغراء الكبير ليقفوا ضدّ المقاومة، المال والمناصب والأمان، ولم تكن هناك بالمقابل أيّ كلفةٌ لذلك، فإن «بنية الحوافز» تصبح واضحة أمامهم، وسيتكالبون كلهم عليها).
لا أعرف من خرج في السنوات الماضية بقاعدة التمييز بين «الأصيل» و«الوكيل»، وأنه يجب دوماً أن تهمل الوكيل وتتوجّه إلى سيّده. حين تواجه جبهةً واسعة مصطفّةً ضدّك، فليس من الحكمة دوماً أن تذهب مباشرة إلى أقوى عنصرٍ فيها وتضرب رأسك به، بل قد تبدأ بأضعف حلقات السلسلة، كما تفعل أميركا مع خصومها، بل وهي تجعل منه مثالاً حتى لا يزداد «الوكلاء» ويتكاثرون (حين تكلّم السيّد الشهيد، في بداية التسعينيات، عن محاربة الأصلاء، فهو كان يصدر توجيهاً في سياقٍ خاصٍّ محدّد فيه شبهٌ بهذه الأيام، لا تزال المقاومة فيه فتيّة وصغيرة، من السهل محاصرتها، والمشروع ضدها جاهز، ولكنه لم يكن يزوّدك بقاعدةٍ كونية). والمسألة في لبنان أن النقاش السياسي قد «انفجر»، خلال الحرب وبعدها، بمعنى أنه لم تعد هناك «خطوط حمراء»، قواعد وطنيّة تمثّل «الحدّ الأدنى»، هذه كلها تم اختراقها وكسرها، هم ذهبوا إلى النهاية والسؤال أصبح عمّا ستفعله أنت. حتى محطات التلفزيون لم تعد تمارس أي جهدٍ لإخفاء طبيعتها كأدوات سياسية ودعائية للخارج، وجزء من حربه المستمرّة في البلد.
الكثير من الناس لا يزالون في صدمة، وهم راقبوا بلدهم يوضع رسمياً تحت الاحتلال، إلا أن فكرة أن النظام السياسي سيتمكّن من الاستمرار بسلام، واستيعاب المهمّة الموكلة إليه وتنفيذها، فهذا نوعٌ خارق من التفاؤل، ولكنني لا أعتقد أن من ينفّذ المهمات يمتلك خياراً. وهناك مسألة كثيراً ما يتمّ تناسيها، وهي أنّ حزب الله قد يمثّل المقاومة العسكرية، ولكن الناس والمجتمع والمقاومة ليسوا كلّهم حزب الله. هم ربما يعقدون توافقاتٍ مع الحزب، ولكن لا أحد قد توافق معنا؛ والحزب قد يتعامل مع مؤسسات جاءت بها حربٌ إسرائيلية ولكني ومَن حولي لا نراها شرعية، والحزب عليه ضغوطات وإجبارات ونحن ليس علينا، وشعوري أننا سنكون أسوأ معهم بكثير من حزب الله. أنا لم أوقّع على شيء. حتى أنّ لسان حال البعض من حولي، حين يراقبون وقاحة ممثلي الاحتلال في بلدهم، أصبح يسير على طريقة «قد يكون صحيحاً أنّي، حالياً، لست أقدر على إسرائيل، ولكني شبه متأكّدٍ من أنّي أقدر عليك».

خاتمة: لن يغيّروا التاريخ
النّاس لا يسعون إلى الهجرة من بلادنا عن عبث، ولا يوجد سببٌ على الإطلاق لأن تلوم من يهاجر ويبني حياته في مكانٍ آخر أو تزايد عليه، الشيخوخة المبكرة والحرب المستمرّة لا تناسبان الجميع (أنا نفسي قد أفعلها يوماً ما، أتظنّون أنّي أحب الحياة بين اللبنانيين؟). ولكن، كنت أقول لصديقٍ سوريٍّ منذ أيّام، الناس «الأوادم» في بلادنا أصبحوا يميلون لأن ينسحبوا أو يغادروا أكثر من أي وقتٍ مضى، وهذا يجعل المعركة أصعب. في الوقت نفسه، لا أزال أتوقّع أن تبتدئ مرحلة من القمع في لبنان، ولا أزال أعتبر أنّ استمرارنا بالكتابة كما نفعل إلى الآن هو امتيازٌ قد لا يطول، ويجب التحضّر مسبقاً لمثل هذا الاحتمال (مشكلتي هنا أنّني، من ناحية، لا أقدر أن أكتب بطريقةٍ أخرى، سنوات «الحرية» في لبنان قد أفسدتنا، ولكني، من ناحيةٍ ثانية، لا أهدف إلى استثارة المشاكل للصحيفة، أو جرّ رئيس التحرير إلى المحاكم، أو - وهذا أسوأ بما لا يقاس - أن لا ينشروا لي ما أكتبه).
المقاومة في الأساس لا تأتي خياراً، ونحن اليوم خياراتنا محدودة. لا نملك في هذا الوقت إلا أن نحذّر من الشرور القادمة ومن خطر استفزاز النّاس بعد كلّ ما مرّوا به. ومهما يحصل في المستقبل القريب، وأينما انتهى مصير البلد، أو ما تبقّى منه، فإنّ كلّ ما يفعله الأعداء لن يغيّر الحقيقة التاريخية، وهي أساسية إن أردتم يوماً بناء دولةٍ ووطن، ومختصرها أنّ المقاومة كانت أشرف ما خرج به اللبنانيون في عصرهم الحديث، وأنجزوا عبره، وضحّوا من أجله، وأنّ أهمّ شخصية في تاريخ لبنان على الإطلاق هو الشهيد حسن نصر الله.

* هنا أيضاً يوجد هامشٌ، هو خارج الموضوع ولكني لا أقدر على كتمه، يريك كيف تغيّر القوّة رؤيتنا إلى الأمور وكيف تنعدم العدالة في المقاييس بين الناس: حين تمّ انتخاب الرئيس، ووسط «الزفّة» التقليدية التي ترافق وصول قادمٍ جديد إلى بعبدا، وصف الزميل في «الأخبار» الرئيس الجديد بصاحب «القوام القوي والعضلات المفتولة». وأنا أعرف - يقيناً - أنّني لو كان لدي جسد الرئيس نفسه، ولم أكن رئيساً للجمهورية، لما وصفني أحدٌ بـ «ممشوق القوام مفتول العضلات».

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram