الدكتورة ليلى نقولا
تُعد الحرب النفسية (Psychological Warfare) إحدى الأدوات الاستراتيجية الفعّالة في العلاقات الدولية والصراعات الحديثة.
على عكس الحروب التقليدية التي تهدف إلى تدمير القوة العسكرية للخصم، تُركز الحرب النفسية على استهداف العقل والإرادة، بهدف التأثير على مواقف وسلوكيات الأفراد والجماعات. هذه الحرب في جوهرها، تقوم على الاستخدام المنهجي للمعلومات ووسائل الاعلام للتأثير على بيئة العدو نفسياًـ سواء كان جيش العدو أو مجتمعه المدني.
تاريخيًا، تطورت الحرب النفسية من مجرد إلقاء المنشورات الدعائية إلى عملية معقدة تستخدم أحدث تقنيات الإعلام والتواصل الاجتماعي في العصر الرقمي، لتشكل جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات الأمن القومي للدول.
وبتطور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة ووسائل الاعلام الرقمية وغير الرقمية، تطورت معها الحروب وباتت تشمل حرب المعلومات. وفي هذا السياق، أصبح التضليل (Disinformation) والخداع (Deception) أدوات استراتيجية حاسمة في الحروب بالإضافة الى التجسس والخروقات السيبرانية وغيرها.
تهدف هذه الحرب إلى التأثير على الإدراك العام، وتشكيل الرأي، وزعزعة الاستقرار الداخلي للخصم. تستند حرب المعلومات إلى مبادئ علم النفس السياسي، ويمكن تقسيمها إلى عدة مستويات:
1. التضليل الاستراتيجي: نشر معلومات كاذبة أو مضللة بشكل متعمد لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية طويلة المدى.
2. الخداع التكتيكي: استخدام المعلومات المضللة لإرباك الخصم على مستوى العمليات الميدانية، كإخفاء النوايا الحقيقية أو تضخيم القدرات العسكرية.
3. الحرب النفسية: استغلال نقاط الضعف لدى الخصم، من خلال بث الشائعات، ونشر محتوى يثير الخوف أو اليأس، بهدف إضعاف الروح المعنوية لجيش ومجتمع العدو.
وفي الحرب الإسرائيلية على لبنان المستمرة لغاية اليوم، تبدو حرب المعلومات حاضرة بقوة، يشارك فيها وسائل اعلام إسرائيلية وعربية، وحسابات رسمية ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار تهويلية لإحباط اللبنانيين، وتخويفهم وزرع فكرة عدم جدوى المقاومة، والدعوة الى الاستسلام.
ولا شك، يساهم المشهد اللبناني، بانقساماته السياسية والطائفية الحادة، في السير بمسار تدمير ذاتي سواء عبر نشر تلك الأخبار، أو تسويقها أو المساهمة فيها، ما يعزز السردية الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولعل الأسوأ هو تعزيز سردية اتهام لبنان بأنه يعطي الذرائع لإسرائيل للعدوان، بالرغم من أن لبنان نفذ ما عليه من اتفاق وقف اطلاق النار، وتطبيق القرار 1701، بينما لم تلتزم إسرائيل ولم تلتزم القوى الضامنة بضمانتها.
وهكذا، يظهر أن التضليل والخداع لم يعودا مجرد أدوات ثانوية، بل أصبحا جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية العسكرية والسياسية الاسرائيلية.
ولا شكّ، يخوض الإسرائيلي حربه على لبنان ليس فقط في ميادين القتال والقصف والاغتيالات، بل ايضاً عبر الاعلام والمنصات الرقمية، حيث باتت السيطرة على السرديات، وتوجيه الإدراك العام، جزءًا لا يقل أهمية عن التفوق العسكري.
بات التضليل والخداع والأخبار المضللة والمفبركة والحرب النفسية، من خلال حملات منظمة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، أدوات مركزية في إعادة تشكيل الوعي الجمعي وزعزعة الاستقرار اللبناني من الداخل.
وفي ظل هشاشة الوضع اللبناني، والانقسامات الداخلية، تصبح مقاومة هذه الحرب غير التقليدية أكثر تعقيدًا، وتتطلب وعياً مجتمعياً، وإعلاماً مهنياً مستقلاً، وسياسات رسمية أكثر فعالية.
نسخ الرابط :