شكّلت العلاقات الصينية الإيرانية مثار اهتمام الغرب وقلقه على المستويات كافة. إيران استطاعت تثبيت حضورها الإقليمي على الرغم من العقوبات والحصار، وتقدّمت في برنامجها النووي، ونسجت شبكة علاقات وتبنّت قضية فلسطين وساندت حركات المقاومة، مما فاقم القلق الأميركي من سياسات إيران وخياراتها الاستراتيجية، كما أنّ الصين التي لم تتوقّف عن تطوير قدراتها الذاتية التكنولوجية، والعسكرية والصناعية، كانت في سياساتها معاندة للغرب وللولايات المتحدة.
كتاب الآفاق الاستراتيجية للعلاقات الصينية الإيرانية، من المصالح المشتركة إلى مواجهة الهيمنة الأميركية، للباحث الدكتور حسن أحمد، صادر عن دار الفقيه للنشر في بيروت، العام 2024، عدد الصفحات 406 من القطع الكبير.
خطّة الدارسة
تمّ الاعتماد في معالجة الكتاب على التقسيم الثنائي. وذلك بتقسيم الدراسة إلى بابين؛ عُنوان الباب الأول: الآفاق الاستراتيجية للعلاقات الصينية ـــــ الإيرانية، وثم تقسيمه إلى قسمين: الفصل الأول: الأهمية الاستراتيجية للصين وإيران في النظام الدّولي، والفصل الثاني، العلاقات الصينية ـــــ الإيرانية في ظلّ الأحادية القطبية.
عالج المؤلف في الفصل الأوّل كلّاً من الأهمية الجيو ستراتيجية للصين وإيران كمبحث أوّل، والعلاقات الصينية ـــــ الإيرانية بعد انتصار الدولة الإسلامية كمبحث ثانٍ، أمّا الفصل الثاني فقسّم للشراكة الصينية – الإيرانية، وتفوّق الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة كمبحثٍ أوّل، والصين وإيران، التعاون العسكري لعلاقة أبعد من التسلّح كمبحث ثانٍ. أما الباب الثاني، فحول المصالح المشتركة في مواجهة الهيمنة الأميركية.
وقسّم لفصلين: خصص الفصل الأوّل، للعلاقات الصينية ـــــ الإيرانية بعد احتلال العراق. أما الفصل الثاني فعن: العلاقات الصينية – الإيرانية في مواجهة الهيمنة الأميركية نحو تعدّدية دوليّة.
قسّم الفصل الأوّل، لمبحثين: الأوّل: الصين وإيران بين الشراكة المستقبلية الاستراتيجية، أما المبحث الثاني فحول العلاقات الصينية ـــــ الإيرانية في المنظور الدّولي والإقليمي، وقسّم الفصل الثاني لمبحثين، الأوّل: الصين وإيران، البرنامج النووي وطريق الحرير، محورية إقليمية واستراتيجية دوليّة لمواجهة الهيمنة الأحادية، والمصالح المشتركة في التعاون الاستراتيجي الصيني ـــــ الإيراني وآليات مواجهة الهيمنة الأحاديّة كمبحث ثانٍ.
يستعرض الدكتور حسن أحمد في كتابه، سعي كلّ من الصين وإيران، لتبنّي علاقات استراتيجية تعاونية تعتمد على التأثير المشترك في العلاقات الصينية – الإيرانية، لتحقيق المصالح السيادية المشتركة لكلا البلدين في ضوء الاستقلال عن التبعية ومجابهة الهيمنة، انطلاقاً من معرفة طبيعة العلاقة بين البلدين ومحدّداتها، فالصين عاشت في القرن الأخير من الاستعمار والتبعية وكذلك إيران، لذا، تشاركتا الرغبة في مواجهة الهيمنة الإمبريالية، وكانتا شريكين قديمين في التجارة والتبادل، وتسعيان في العلاقة نحو التقدّم.
الاهتمام المشترك
يلاحظ المؤلف د حسن أحمد في كتابه، الاهتمام الإيراني ـــــ الصيني المشترك، ومدى اعتماد الصين على الطاقة، إذ عرفت بسبب مصالحها الاقتصادية أهمية الشرق الأوسط، والتوسّع نحو آسيا الوسطى وأوروبا، وما طريق الحرير الجديد، إلّا جزء من سياسية التوسّع التي أطلقها الرئيس الصيني شي جيم بينغ في أيلول/ سبتمبر من العام 2013، حيث للشرق الأوسط مكانة بارزة في هذه المبادرة.
الهدف الاستراتيجي من العلاقات
يكشف الدكتور حسن أحمد، في كتابه، أنّ دراسة العلاقات الصينية الإيرانية، متشعّبة لأنّ هاتين الدولتين تؤدّيان أدواراً مهمة في أهمّ مناطق العالم: الشرق الأوسط الغني بالطاقة والغاز، والصين التي تعدّ المحفّز الاقتصادي لشرق آسيا. وهي قوّة عالمية اقتصادية صاعدة، وإيران قوّة إقليمية تتطوّر، وربما تكون الدولة الأقوى في الخليج، ونظراً لتنامي الطلب على الطاقة على المستوى العالمي ولا سيّما من الصّين التي تحتل المركز الثاني عالمياً على المستوى الاقتصادي بعد الولايات المتحدة.
تجسّد الهدف الاستراتيجي للصين بإقامة تحالف بينهما مع دول الشرق الأوسط التي تشكّل حلقة وصل بين الشرق والغرب، وبين الممرات المهمة التي تحتويها، لذا، كانت إيران هدفاً استراتيجياً صينياً من أجل بناء شراكة دائمة متينة الأسس ومتعددة الأوجه.. ما يعني عدم تهديد مصالحها الحيوية، لذا فإنّ حجم مصالح الصين مع إيران كبيرة جداً، ويكتسب أهميّة خاصة، تتجلى هذه الأهمية من اعتبارات مشتركة ومؤثّرة.
الصين وإيران في الاستراتيجية الأميركية
يعتقد المؤلف د حسن أحمد، أنّ الصين وإيران تشكّلان في استراتيجية الولايات المتحدة أهمية بالغة، إذ تعمل على محاصرة إيران وعدم منحها الفرصة في التفوّق الإقليمي، والخروج نحو العالم حيث كبّلتها بعقوبات اقتصادية كبرى، وتعمل أيضاً على احتواء الصين، من خلال إقامة جدارين الأوّل اقتصادي من خلال المحيطين الهادئ والهندي، والثاني أمني من خلال الجدار الأمني الرباعي؛ اليابان، والهند، وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية فضلاً عن بريطانيا، وإنّ استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الصين وإيران محكومة بالصمود والتفوّق في الشرق الأوسط.
لقد شكّلت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران، دعامة أساسية لتطوير مشروع الصين العالمي من خلال مبادرة الحِزام والطريق، وهو ما ينعكس على الصين وإيران، دولياً وإقليمياً، مما يسمح للصين في بناء شراكات مماثلة مع دول مهمة على طريق الحرير الجديد، ولا سيما في الشرق الأوسط، وهذا ما حصل مع المملكة العربية السعودية، فالاتفاق السعودي الإيراني ساهم في تخفيف حدّة التوتر في المنطقة، إذ شكّلت المصالح المشتركة بين البلدين من جرّاء اتفاقية التعاون انعكاسات إيجابية لكليهما على الساحتين الدولية والإقليمية.
العلاقات في مواجهة الهيمنة
إنّ المعطى الأساسي الذي استندت عليه الدراسة، كتاب الآفاق الاستراتيجية للعلاقات الصينية الإيرانية، تؤكد أهمية العلاقات الثنائية، والتي تميّزت بالكثير من عوامل الثبات وعدم الابتزاز والتعاون البنّاء القائم على المصلحة المتبادلة، وهذا ما يبيّن أنّ العلاقات الصينية – الإيرانية بالرغم من أهميتها من خلال التعاون في مواجهة الهيمنة الأميركية، إلّا أنّ حاجة الصين العالمية في عدم الصدام مع الولايات المتحدة الأميركية بل العمل للتعاون معها، وصدّ محاولات الإضعاف تجاهها وهذا ما يجعل من العلاقة بين الصين وإيران علاقة تعاونية استراتيجية، ربما تكاملية تحالفية سياسية وعسكرية، في مقابل مواجهة الولايات المتحدة الأميركية.
كتاب "الآفاق الاستراتيجية للعلاقات الصينية الإيرانية"، هو بمثابة الأطروحة، الذي بذل الباحث الدكتور حسن أحمد، جهوداً استثنائية لإنجازه ومتابعة تحوّلاته أثناء إعداده، تكمن أهميته، مع ما نشهده على الساحتين الإقليمية والدوليّة، من تحدّيات وتهديدات ونُذر حرب توقّعها المؤلف، فهو من الدراسات العلمية في إطار أكاديمي ومنهجي، تسلّط الضوء على تطوّر العلاقات بين بلدين من أهم بلدان المنطقة والعالم، وستشكّل في المستقبل القريب أحد أبرز مكوّنات النظام العالمي الجديد متعدّد الأقطاب، الذي تريده كلّ من الصين وإيران، في مواجهة (الغول) الأميركي المتراجع، الذي لم يتبقَّ له الكثير من الفرص للاستمرار والبقاء.
كتاب الدكتور حسن أحمد، هو ثمرة تأمّل في مسار طويل يربط الصين وإيران في مسار لا تحدّه الخرائط، بل تشكّله مسارات التاريخ، وعلاقات تتجاوز الجغرافيا، وتغوص في عمق الذاكرة الحضارية. وهو محاولة لفهم ما وراء السياسات من قوة الحضارة، وقلق السيطرة وإرادة الاستمرار، في زمن تتسارع فيه التحوّلات، يبقى الوعي أعمق من الحدث، كما يختتم الدكتور حسن أحمد كتابه.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :