«أمن» البحر الأحمر يُقلِق الغرب: هل تلعب الهند دور الشرطي الجديد؟

«أمن» البحر الأحمر يُقلِق الغرب: هل تلعب الهند دور الشرطي الجديد؟

 

Telegram

 

تحوّل البحر الأحمر إلى نقطة قوّة لمصلحة المقاومة الفلسطنية في قطاع غزة، في ظلّ التوتّرات المتصاعدة التي يشهدها، والعجز الغربي عن معالجة التحدّي الذي يمثّله مضيق باب المندب على الأمن البحري. وإزاء هذا المشهد المتشابك، يجري الحديث عن الهند كقوّة بحرية صاعدة يمكن أن تلعب دوراً محوريّاً في إعادة «الأمن البحري»، في موازاة طرْح حلول تقنية ورقابية لإدارته، في مقدّمها إحياء آليات تفتيش السفن، وتطوير أنظمة المراقبة.

وتمثّلت إحدى أبرز محطّات التصعيد، في إعلان حركة «أنصار الله» اليمنية، مسؤوليتها عن إغراق سفينتَين تابعتَين لشركة «يونايتد» اليونانية، في إطار تصعيد حملتها ضدّ السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، الأمر الذي تسبّب بقلق غربي واسع من تداعيات استمرار «التهديد» على أمن الملاحة التجارية.

وفي المقابل، أعلن قائد «المقاومة الوطنية»، العميد طارق صالح، المدعوم من الإمارات، عن إحباط محاولة تهريب شحنة أسلحة إيرانية إلى اليمن عبر البحر، وقدّم العملية بوصفها «إنجازاً نوعيّاً» في المعركة ضدّ النفوذ الإيراني، وسط الحديث عن سعيه لتقديم نفسه كشريك أمني لواشنطن في اليمن.

وقد تلقّف الإعلام الغربي الحادثتَين، وسارع إلى توظيفهما في إعادة فتح النقاش حول سبل «تأمين» البحر الأحمر، خصوصاً من جهة الأطراف القادرة على التدخّل بفعالية. وفي هذا السياق، برزت الهند كمرشّحة للعب دور جديد وأكثر فاعلية في مياه البحر الأحمر. ووفق تحليل نشرته مجلة «فورين بوليسي»، فإن «وجود عدد كبير من البحّارة الهنود العاملين على متن السفن التجارية العابرة للممرّات الدولية - وهم يشكلون ثالث أكبر جنسية بعد الفيليبينيين والروس - يجعل نيودلهي معنيّة بشكل مباشر بأمن هذا الممرّ».

وشدّدت المجلة على أن «التهديدات الحالية، التي لا تمسّ فقط البضائع، بل تطاول حياة البحارة، تفرض على الهند مسؤولية سياسية وأخلاقية للتدخّل، ولا سيما بعد نجاح قواتها في تحرير طاقم هندي احتجزه قراصنة صوماليون أخيراً»؛ علماً أن الهند تمتلك أحد أكبر الأساطيل البحرية في آسيا، ويضمّ ما يزيد على 130 سفينة، فيما تتعزّز قدرتها على المناورة والتدخّل بفعل استقلالها النسبي عن التحالفات الغربية.

الهند تملك أحد أكبر الأساطيل البحرية في آسيا، الذي يضمّ ما يزيد على 130 سفينة

ومن هنا، اقترحت المجلة أن «يكون هذا التدخّل عبر تنسيق غير رسمي مع بعثة «أسبيدس» الأوروبية، أو من خلال مبادرة مستقلّة تذكّر بتجربة مكافحة القرصنة في سواحل الصومال قبل أكثر من عقد، إذ إن «دخول قوة آسيوية غير غربية على خط الأزمة البحرية، قد يُسهم في كسر الرواية التي تروّج لها حركة أنصار الله حول مواجهتها للهيمنة الغربية، ويخلق تحدّياً دعائيّاً يصعب تجاوزه».

ومع تجاهلها أن سبب الأزمة في البحر الأحمر، هو حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطني، ذهبت «فورين بوليسي» إلى القول إن «حماية البحارة الهنود تحمل بعداً إنسانيّاً وأخلاقيّاً ينسجم مع الطموحات الدولية لرئيس الوزراء، ناريندرا مودي، ويعزّز صورة الهند كدولة مسؤولة تسعى إلى تأمين الاستقرار البحري في منطقة تتقاطع فيها مصالح قوى كبرى». ومع ذلك، لفتت إلى أن «القرار النهائي يبقى في يد القيادة الهندية، التي تواجه خياراً بين الانخراط الفاعل في أمن البحر الأحمر، أو ترك فراغ قد تملؤه أطراف أكثر عدوانية وأقلّ شرعية».

وفي موازاة ذلك، طرح خبراء أمنيون نموذجاً آخر للتعامل مع «التهديدات» البحرية، يستند إلى إحياء نظام تفتيش السفن في عرض البحر، مثل ذلك الذي كانت السعودية تقوده حتى عام 2022. وتقوم الفكرة على إنشاء آلية قانونية لاحتجاز السفن المشتبه فيها، خاصّة تلك التي يُطلق عليها في الإعلام الغربي «الأسطول المظلم»، أو السفن المتّهمة بقطع الكابلات البحرية. ووفقاً لوسائل إعلام غربية، فإن النموذج المذكور «يتطلّب تجهيز سفن صغيرة وفعّالة، عوضاً عن المدمّرات الضخمة، وتوفير غطاء تمويلي وسياسي يضمن استدامة العمليات».

على أن أحد أبرز الإخفاقات التي رافقت الهجومَين الأخيرَين، بحسب مراقبين، تمثّل في غياب أيّ وجود بحري فعّال، مع انسحاب عدد من القطع البحرية التابعة للولايات المتحدة والدول الحليفة في إطار الهدنة مع صنعاء، وهو ما يكشف هشاشة الاعتماد الحصري على القوات التقليدية، ويبرز الحاجة إلى منظومة رقابة متطوّرة. وفي هذا السياق تحديداً، يأتي الانتقاد المتزايد لـ«نظام التعريف الآلي» (AIS)، الذي يُعتمد عليه في تتبّع السفن؛ إذ يشير خبراء إلى أنه صُمّم أساساً لتفادي التصادم، وليس كأداة أمنية، وهو سهل للتلاعب به والتشويش عليه، ويُستخدم من قِبَل المهرّبين لإخفاء تحرّكاتهم. وثمة أنظمة أكثر دقّة موجودة، لكنها تخضع لتقييدات أمنية، ما يجعلها غير متاحة للاستخدام المدني أو الجماعي.

أمّا «الحلّ»، وفقاً لمصادر متعدّدة، منها صحيفة «تلغراف» البريطانية، فيكمن في تطوير شبكة معلومات استخبارية بحرية تشاركية، تسمح بتبادل بيانات عالية الدقّة بين الجهات الدولية، وتدمج الوسائل التقنية مع التدخّلات البحرية المحدودة. هذا الدمج قد يشكّل الأساس لتعاون غير رسمي جديد، كما حصل في تجربة مكافحة القرصنة في الصومال بين عامَي 2008 و2012، حين تحرّكت أساطيل من دول متعدّدة، بما فيها الهند والصين واليابان، لحماية مصالحها من دون الحاجة إلى تحالفات رسمية، وهو ما أدى إلى انخفاض كبير في عمليات القرصنة بنسبة تجاوزت الـ90% خلال ثلاث سنوات فقط.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram