كمائن الأسر.. المقاومة تعيد هندسة القرار العسكري
تغيّرت قواعد اللعبة في ساحات المواجهة مع تطور مفهوم "أسر الجنود" من مجرد حدث عسكري مخطط له إلى خيار إستراتيجي تتبناه المقاومة كأداة ضغط شاملة.
ففي خضم معارك يوليو/تموز 2025، أعلن أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) "أن أسر جنود العدو بات هدفا مباشرا ومشروعا لوحداتنا في الميدان"، لم يكن هذا الإعلان مجرّد تهديد إعلامي، بل قفزة نوعية في سلوك المقاومة، أربكت القرار الإسرائيلي.
وهو ما وصفه المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل بأنه "اللحظة التي يدرك فيها الجيش أنه قد ينتصر في الميدان لكنه قد يخسر الحرب بوجود أسرى".
داخل إسرائيل، فقدان جندي هو أكثر من خسارة عسكرية، هو أزمة وطنية تتداخل فيها الأبعاد الأخلاقية، النفسية والاجتماعية، فهو يعتبر اختراقا لعقيدة "لا نترك أحدا خلفنا" التي تأسست منذ قيام الدولة والتي تُجسد التزاما شعبيا عميقا لا يقبل المساومة، مما يجعل من الأسر ميدانا حساسا للغاية، فقد ترسخت رابطة بين الدولة والجندي أنه "لا يتم التخلي عن أي أسير، حيا أو ميتا، حتى عندما يكون الثمن باهظا".
ويؤكد المحلل في معهد دراسات الأمن القومي يوروم شفايتزر أن رفض أي صفقة تبادل منقذة للحياة يتناقض مع المفهوم الإسرائيلي للمسؤولية المتبادلة، مضيفا أن على المجتمع الإسرائيلي المخاطرة لإنقاذ شخص يكون موته أو معاناته مؤكدة.
كما يؤكد منتدى الرهائن وعائلات المفقودين أن عدم إعادة أي أسير "سيعادل تفكيك منظومة قيم الجيش الإسرائيلي، والقيم الصهيونية القائلة إن ‘لن نترك أحد خلفنا".
ويقول بواز غانور، المدير التنفيذي للمعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في جامعة رايخمان إن حركة حماس تمارس إستراتيجية مجربة، فقد أجبرت عمليات أسر الجنود إسرائيل لعقود على تقديم تنازلات كبيرة، "وفي مقدمتها إطلاق سراح الإرهابيين المتمرسين".
ومن الأمثلة التاريخية على ذلك -كما تقول دراسة لمركز الأهرام نشرت العام الماضي- صفقة الجندي الأسير لدى المقاومة جلعاد شاليط التي استغرق التفاوض عليها 5 سنوات، قبل أن تؤدي إلى إطلاق سراح 1027 أسيرا فلسطينيا مقابل جندي واحد.
ويعكس تصريح وزير الأمن السابق يوآف غالانت خلال جلسة الكابينت في أكتوبر/تشرين الأول 2024 هذه الأهمية: "إعادة الرهائن مسؤولية أخلاقية وقومية نتحملها مهما كانت التكلفة"، وهذا يعكس الأبعاد النفسية التي تضغط على صناع القرار الذين يجدون أنفسهم أمام خيارات صعبة تتراوح بين الاستمرار في القتال أو تقديم تنازلات.
تهديدات المقاومة بأسر الجنود أوجدت حالة انقسام داخلي بين أعضاء الكابينت الإسرائيلي، فخلال زيارته الأخيرة لواشنطن قبل أيام أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للجنائية الدولية- التزام حكومته بتحرير كافة الأسرى.
وقال "لدينا الإرادة والتصميم على استرجاع كل واحد من أبنائنا"، في المقابل، حذر وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر من "التفاوض تحت الضغط" لما يمثله من مخاطر سياسية وأمنية، مشيرا -وفق ما نقلت قناة كان 11- إلى دروس صفقة شاليط التي انتقدت لاحقا داخل المؤسسة الأمنية.
وفقا لتسريبات القناة، فإن هناك انقساما واضحا بين من يدعو لخيارات تفاوضية مرنة مع حركة حماس ومن يطالب بتصعيد العمليات العسكرية لمنع مزيد من حالات الأسر.
وفي السياق ذاته، أكد رئيس الأركان أيال زامير خلال زيارته الميدانية لجنوب القطاع أن "المعادلة تغيرت، كل جندي معرض لخطر الأسر، وهذا يتطلب مراجعة شاملة لقواعد الاشتباك"، مما يعكس إدراك قيادة الاحتلال بأن الأسر لم يعد تهديدا نظريا بل واقعا ميدانيا يفرض إعادة حسابات عسكرية وسياسية عاجلة.
الانعكاسات الميدانية
أثرت تصريحات أبو عبيدة بشكل مباشر على أرض المعركة، حيث أعادت قيادة الاحتلال في المنطقة الجنوبية انتشار الوحدات الخاصة قرب المناطق الحساسة شرق خان يونس وبيت حانون، بحسب ما نشره موقع والا، وزادت عمليات الاستطلاع بواسطة الطائرات المسيرة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي