السماح للأجانب بقيادة شاحنات الترانزيت: أسباب أمنية أم رضوخ لأصحاب العمل؟
نظراً إلى حساسية الأوضاع الأمنية على الحدود السورية بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وحتى يُؤمِّن عبور الشاحنات من لبنان إلى سوريا، قرر وزير العمل محمد حيدر قبل أسبوعين الإجازة للسائقين الأجانب قيادة شاحنات الترانزيت.
وربط قراره، في حديث مع «الأخبار»، بـ«المستجدات الأمنية والسياسية مع الجانب السوري التي قد تعيق سلاسل التوريد في ظل أزمة تصدير مستفحلة يحذّر منها وزير الزراعة نزار هاني باستمرار»، مضيفاً أن «السائق اللبناني قد يتردد في دخول الأراضي السورية، أو يمكن للجانب السوري أن يمنعه من اجتياز المعابر، لذلك فكرنا في توفير بدائل عن السائقين اللبنانيين؛ من سائقين سوريين وعراقيين وأردنيين».
وهذه المرة الأولى التي ينافس فيها السائق الأجنبي السائق اللبناني على قيادة الشاحنة بصورة نظامية. إذ تخلو قاعدة بيانات وزارة العمل كلها من أي إجازة قيادة شاحنة لأجنبي، ولم يحصل ذلك حتى بعد صدور القرار.
لكن، «إذا استوفى السائق الأجنبي الشروط، سأمضي له إجازة العمل»، يقول حيدر، مؤكداً عدم صحة ما يشاع بين السائقين على غروبات «الواتساب» حول السماح للسائقين الأجانب بالحصول على إجازات عمل من دون حيازة إقامات شرعية، أو منحهم تصاريح العبور من المديرية العامة للأمن العام بعد يوم واحد من تقديم الطلب وإثبات دفتر قيادة، ولو لم يبرز السائق أوراق إقامة قانونية.
عادة وليست قانوناً
المفارقة أنّ حيدر، وأثناء البحث عن آلية لتثبيت قانونية قراره، توصّل إلى أنّ حصر قيادة شاحنات الترانزيت باللبنانيين لم يكن له مبرر قانوني من الأصل، وطوال المدة السابقة استمد شرعيته من «العادة».
فـ«بعدما بحثنا في كلّ القرارات التنظيمية للعمل تبين أنه ليس هناك أي قرار أو مرسوم يمنع الأجانب من قيادة الشاحنات، فيما قرار حصر قيادة الحافلات العمومية باللبنانيين لا ينطبق على الشاحنات لأنها، وفقاً لقانونيين، غير مصنفة كحافلات».
وإلى الأسباب الأمنية، أثارت النقابات الأربع المعنية بعمل الشاحنات خلال اجتماعها بوزير العمل مسألة النقص في اليد العاملة في قطاع شاحنات الترانزيت.
وأشارت إلى أن «عدد السائقين اللبنانيين الذين يحملون دفتر قيادة شاحنة يبلغ 3 آلاف سائق، بحسب بيانات وزارة الداخلية والبلديات، ما يعادل خُمس الحاجة الفعلية إلى قيادة 15 ألف شاحنة موضوعة في الخدمة».
عدد السائقين اللبنانيين الذين يحملون دفتر قيادة شاحنة يعادل خُمس الحاجة الفعلية
لكن مصادر السائقين تؤكد لـ«الأخبار» عدم وجود نقص في أعدادهم. وتلفت إلى «أكثر من 300 سائق خارج العمل بسبب منافسة السائقين السوريين التي سبقت القرار الأخير».
وتُعيد النقابات القرارات التي خرجت عن الاجتماع إلى أمرَين: «الضغط الذي مارسه مالكو الشاحنات على وزير العمل، ودعوة رئيس اتحاد نقابات النقل البري بسام طليس إلى وزارة العمل لنقل وجهة نظر العمال، رغم أنه لا يمثلنا كسائقين».
عمل صعب… وحقوق مهدورة
إذاً، المنافسة موجودة أساساً بين السائق اللبناني والسوري تحديداً، ولكن جرت قوننتها، ولم يعد صاحب العمل بحاجة إلى الاستعانة بسائق لبناني من أجل فك حجز الشاحنة أو تأمين عبورها الحدود، بسبب عدم توافر تصاريح نظامية للسائقين السوريين. وصار في إمكان صاحب العمل أيضاً أن يحوّل طاقم السائقين إلى أجنبي بالكامل.
المشكلة لا تكمن في المنافسة عموماً، بل في «استغلال العامل السوري وتشغيله لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة تصل إلى 200 دولار شهرياً، ويرضى العامل السوري بها لأنه ينام ويستحمّ ويقوم بأمور حياته داخل الشاحنة ولا يترتب عليه بدلات إيجار منزل وفواتير شهرية مثل السائق اللبناني»، وفق ما يقول السائق ياسر الرفاعي.
المنافسة السورية، بحسب سائقي الشاحنات اللبنانيين، سمحت لمالكي الشاحنات بفرض شروط عمل قاسية، على قاعدة «اللي مش عاجبه يفل، بروح واحد بيجي عشرة».
مع العلم أن قيادة الشاحنات هي، وفقاً للسائقين، «عمل صعب؛ بدءاً من الدوام الذي يمتد إلى 12 ساعة بالحدّ الأدنى وقد يصل إلى 18 ساعة، ويبدأ من الساعة الرابعة فجراً إلى ساعات متأخرة من الليل، إضافة إلى توقف السائق عن العمل في ساعات الصباح والعصر بموجب قانون السير الذي يمنع حركة الشاحنة في أوقات معينة تفادياً للازدحام».
كل ذلك «مقابل 300 و400 دولار وفي أحسن الأحوال 550 دولاراً شهرياً، بعدما كانت رواتبنا تناهز 1200 دولار».
هذا عدا عن المخاطرة بحياة السائقين بسبب تشغيلهم في شاحنات «فراملها معطلة، ودواليبها مهترئة، والأبواب لا تقفل جيداً»، من دون تأمينهم صحياً وضد الحوادث. ويروي الرفاعي، في هذا الإطار، أنه تعرض قبل أسابيع لعارض صحي اضطره إلى إجراء عملية قسطرة القلب كلَّفته ألفَي دولار «فرق الضمان»، مشيراً إلى أنه لا يملك منها دولاراً واحداً.
وعندما شكا أحد السائقين لصاحب العمل من الغلاء المعيشي، وسأله «هل تكفيكَ الـ 400 دولار التي تدفعها لي لتأمين الطعام لأولادك وطبابتهم؟»، ردّ عليه: «هل ستطعم أولادك كما أطعمهم أنا؟»، ففهم السائق أن أصحاب العمل «لا ينظرون إلينا بدونية فحسب، بل لا يروننا من الأصل»، مشيراً إلى أن «لوبيات» أصحاب العمل يتفقون على عدم توظيف عامل قبل الحصول على براءة الذمة من صاحب العمل السابق، ولا يحصل السائق عليها قبل التنازل عن كامل حقوقه.
هكذا يشعر السائقون أنهم متروكون لمصيرهم، فيما يحاولون التواصل مع أصحاب العمل والمسؤولين في وزارتي العمل والداخلية لتسوية أوضاعهم، من دون أن يتوصلوا حتى الآن إلى نتيجة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي