كتب إسماعيل النجار..
وليد جنبلاط يعيش أسوأ أزمة درزية داخلية في تاريخ زعامته، ودروز السويداء يدافعون عن حرائرهم ببسالة قَلَّ نظيرها.
أزمة البيك ليست وليدة اللحظة، بل تمتد على مدى سنوات، وأخذت أبعادًا أكثر حدة خلال السنوات الأخيرة، نتيجة تصاعد التململ الداخلي وظهور أصوات من داخل الطائفة تنتقد بشكل مباشر أداء "الزعامة الجنبلاطية" التقليدية، وتطالب بإعادة النظر في آليات التمثيل، وصياغة علاقة جديدة بين مشايخ الطائفة ومرجعياتها السياسية.
خلفية الأزمة بدأت حين بدأ وليد جنبلاط بتهميش بعض الوجوه البارزة في الطائفه من خارج إطاره الحزبي مثقفين،مشايخ، وفعاليات، تم إقصائهم عن دائرة القرار مكتفياً ببعض الوجوه السياسيه من الذين خاضوا معه حرب الجبل وساندوا زعامته وكرسوها.
زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يُعتبر الوريث السياسي لعائلة زعامات درزية تاريخية تمتد من كمال جنبلاط حتى اليوم، تَمكن من المحافظة على موقعه كمرجعية أولى للدروز في لبنان، خصوصًا بعد أحداث الجبل عام 1983 وصراعه مع القوات اللبنانية، ثم بعد الطائف، وتم تثبيت حضوره في الدولة والمجلس النيابي والوظائف العامة. لكن هذه الزعامة بدأت تواجه تحديات متزايدة على أكثر من صعيد.
على مستوى الوراثة السياسية (انتقال القيادة لابنه تيمور)، والتي لم تلقَ إجماعًا شعبيًا داخل الطائفة، خصوصًا من شيوخ العقل وبعض الفعاليات.
والتي أدَّت إلى تراجع في الأداء الخدماتي والسياسي وسط الأزمات اللبنانية الكبرى، والتي أدَّت بدورها إلى صعود أصوات درزية دينية تطالب بفصل المرجعية الدينية عن السياسية؟
مدعومة بمحاولات خصومه، وعلى رأسهم المير طلال أرسلان والوزير وئام وهاب، الذين حاولوا الاستفادة من هذا الشرخ الداخلي.
إنَّ أبرز مطالب المعترضين على سياسة وليد جنبلاط الشيخ أمين الصايغ؟ الذي يُعتبر من أبرز المشايخ الدروز المستقلين الذين عبّروا بوضوح عن معارضتهم للواقع القائم داخل الطائفة. وفي السنوات الأخيرة، شكّل هذا الرجل حالة رمزية للتمرد الديني ـ المعنوي الدرزي الحاد على الزعامة الجنبلاطية، خاصة في المواقف المتعلقة بـإعادة الاعتبار للمجلس المذهبي الدرزي واتهام جنبلاط بالتحكم بالقرار الديني من خلال تعيين شيوخ عقل ومحاصرة المخالفين. فكانت الدعوة إلى انتخابات شفافة ومستقلة داخل المجلس المذهبي، بعيدًا عن هيمنة الحزب التقدمي الاشتراكي، والمطالبة باستقلالية المرجعية الدينية،
في العقدين الأخيرين إرتفع مستوى انتقاد تبعية المشايخ الدينيين للزعيم السياسي، وَوُجِهَت دعوة لتأسيس مجلس ديني منتخب حر يمثل حقيقة الطائفة لا "كوتا حزبية". فيه؟
الاعتراض على السياسة العامة لوليد جنبلاط داخل البيت الدرزي طافت على وجه الماء، في الوقت الذي اعتبر فيهةالشيخ أمين الصايغ وآخرون أن الزعامة الجنبلاطية لم تحمِ حقوق الطائفة داخل الدولة الطائفيه.
بالإضافه إلى الكثير من الاتهامات لوليد جنبلاط بـ"الانزلاق إلى خيارات لا تمثل المزاج العام للطائفة" سواء في التحالفات أو في السياسة الخارجية.
المعارضون له طالبوا بالحفاظ على الطابع التوحيدي الأصيل،كما يُطالب الشيخ الصايغ بـ"إعادة إحياء القيم الروحية التوحيدية" التي يرى أنها تراجعت في ظل تحكم السياسيين بالحياة الدينية والاجتماعية.
ماذا كانَ رد جنبلاط والتيار الجنبلاطي على خصومه المتدينين؟
وليد بيك تعامل مع هذه الأصوات غالبًا بالتجاهل السياسي أو التقليل من شأنها، معتبرًا أن تمثيله السياسي هو الأقوى عبر الانتخابات والمجالس ولا حاجه لفتح سجالات داخل الطائفه تخرج إلى العلن لأنها تُضعف موقفه السياسي. بخلاف ولده تيمور الذي حاول في بعض الأحيان، التقرّب من الشيوخ وفتح خطوط حوار معهم، وإن بقيت غير فعّالة تمامًا. في الوقت الذي يعتبر الحزب التقدمي الإشتراكي أن بعض الأصوات المعارضة يتم تحريكها من خصوم تقليديين مثل طلال أرسلان أو أطراف خارجية، ويقلل جنبلاط من شأن تمثيلها الحقيقي، لكن دخول الأزمة الدرزيه السنية في سوريا على خط النقاش أزَّمَ الأمور أكثر فأكثر بين الطرفين وخصوصاً بعد زيارة جنبلاط لدمشق ولقائه بأبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام الذي يستولي على الحكم في سوريا حالياً، ووصفهِ للمرجع الروحي لطائفة الموحدين الدروز في فلسطين الشيخ موفق طريف بأنه صهيوني الأمر الذي زادَ من مساحة الشرخ بين جنبلاط وبعض المشايخ الدروز حيث اعتبروا أن البيك تخلَّى عن دروز سوريا في مقابل التقَرُب من الجولاني على حساب دمائهم كل ذلك في ظل بروز إشارات تدل على أن إسرائيل قد عقدت صفقه مع الجولاني تقضي بالتخلي عن الدروز في السويداء وتسليمه رقابهم في كل سوريا مقابل تهجيرهم نحو الجولان وأراضٍ يتنازل عنها في منطقة الجنوب.
في الخلاصة،، إن أزمة وليد جنبلاط داخل الطائفة الدرزية تعكس صراعًا بين التقليد والحداثة، بين المرجعية السياسية والمرجعية الدينية، وبين الاستمرارية والتمرد.والشيخ أمين الصايغ يمثّل صوتًا واضحًا في المطالبة بـ"استقلال القرار الديني"، وإعادة الاعتبار للمشايخ والدور الروحي، وهو ما يطرح علامات استفهام حول مستقبل الزعامة الجنبلاطية في ظل تصاعد هذه الأصوات، وخصوصًا مع انتقال القيادة إلى إبنه تيمور.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :