اكتشافات مذهلة في باطن قنات تضع الموقع على خريطة السياحة “المؤجّلة”

اكتشافات مذهلة في باطن قنات تضع الموقع على خريطة السياحة “المؤجّلة”

 

Telegram

 

في بلد يفاخر بتاريخه العريق، وتنتشر معالمه فوق كل شبرٍ من أرضه، يبقى عمق لبنان شاهدًا خفيًا على كنوز طبيعية ثمينة، لم تنل بعد ما تستحقه من اهتمام.
 
في وادي مار شليطا قنات – بشرّي، تقع كنيسة قديمة داخل تجويف صخري على الضفة اليسرى، وهو ما يظهر من خلال وجود شرقيتين (مساحتين مخصصتين لوضع المذبح) متلاصقتين إحداهما بُنيت فوق الأخرى، ما يدل على مرحلتين مختلفتين من البناء.
 
قبالتها، وعلى الضفة اليمنى من الوادي، توجد مغارة طبيعية تتألف من مستويين، عُثر فيها على أدوات صوانية من العصر الحجري القديم (الموستيري)، وبقايا فخارية وعظام بشرية تعود إلى العصر البرونزي والوسيط.
 
تكشف هذه المعطيات عن سكن بشري متواصل منذ آلاف السنين، ما يجعل الموقع ذات أهمية أثرية وتاريخية نادرة في لبنان، ويستدعي تنقيبات منهجية للكشف عن طبيعته ووظيفته عبر العصور.
 
تبدأ المغامرة من مدخل ضيّق، لا يوحي للوهلة الأولى بما يُخفيه في باطنه.
وفي اكتشاف حديث نسبيًا وثّقته مجموعة SPEKUL البلجيكية بالتعاون مع المجموعة اللبنانية للدراسات والأبحاث الجوفية (GERSL)، تم التعرّف على أقسام جديدة من هذه المغارة، تكشف عن تعقيدات مذهلة في التضاريس، وأثر واضح لتشكّلات مائية وجيولوجية امتدت على آلاف السنين.
 
لكن ما إن يتقدّم المستكشفون، حتى تنفتح أمامهم دهاليز غامضة، وممرات مائية، وشلالات داخلية، وانهيارات طبقية، ومن أحواض عميقة وممرات منحدرة، إلى جسور طبيعية نحتها الماء عبر الزمن، تكشف جميعها عن طبقات من التاريخ الذي مرّ من هنا، ولا يزال قيد الاستكشاف. واللافت، أنّ بعض أجزاء المغارة يحتاج إلى نزول عمودي عبر الحبال، أو عبور ضيّق عبر “الشقوق”، ما يجعل عملية الاستكشاف شديدة التعقيد.
سعادة: نقص الدعم الرسمي والتحديات اللوجستية يعيقان تطوير المغارة
 
رغم أهميتها السياحية، تبقى المغارة خارج دائرة الاهتمام الرسمي والعلمي. ويؤكد رئيس بلدية قنات، أنطوان سعادة، لـ “نداء الوطن” أن المغارة غير مكتشفة بالكامل والمعلومات عنها لا تزال محدودة، مشيرًا إلى أن غياب الإمكانيات وعدم تعاون الوزارات، لا سيما السياحة، حال دون تطويرها.
 
ويضيف: “الأزمات الصحية والاقتصادية دفعت البلديات إلى ترك المشاريع الإنمائية والتركيز على الحاجات الأساسية. اليوم الوضع يتحسّن، ونأمل فتح الملف مجدداً بالتعاون مع وزارتي السياحة والثقافة، لكننا نحتاج لتأمين السلامة من حيث الإضاءة، الأوكسجين، والإرسال”.
 
أحد أبرز التحديات أن سطح المغارة ملك خاص، ما يتطلب استملاكات لأي مشروع متكامل، إلى جانب تجهيز بيئة داعمة تشمل طريقًا مؤديًا، مواقف، وإنارة. كما يشدّد سعادة على أن المغارة لا تصلح حاليًا لاستقبال العامة، بل فقط المختصين.
 
أما عن دور القطاع الخاص، فيوضح أن حجم المشروع كبير، ويحتاج إلى غطاء قانوني من الدولة، قائلًا: “في حال توافرت شركة تتكفل بالمشروع كاملًا، فنحن ندعمه بكل تأكيد”.
الخوري: المغارة موقع أثري يجب الحفاظ على طابعه الطبيعي والأصيل
 
من جانبه، أكّد المدير العام للآثار، سركيس الخوري، لـ “نداء الوطن” أن مغارة مار شليطا مصنّفة كموقع أثري نظرًا لقيمتها التاريخية، موضحًا أن القانون اللبناني يُدرج تلقائيًا أي موقع يتجاوز عمره 300 عام ضمن لائحة التراث الوطني.
 
وأشار الخوري إلى أن للمغارة قيمة حقيقية لدى أبناء المنطقة كما على المستوى الوطني، داعيًا إلى التعامل مع الموقع بروحٍ تحافظ على طابعه الطبيعي والأصيل.
 
وأضاف أن تطوير المواقع الأثرية لا يعني بالضرورة تحويلها إلى وجهات سياحية مكتظة أو شق الطرقات إليها، إذ قد يُفقدها ذلك جزءًا من هويتها.
 
وشدّد على أن المفهوم الصحيح للتنمية الأثرية يجب أن يراعي خصوصية الموقع وسياقه الطبيعي، بما يضمن استدامته وقيمته الثقافية على المدى الطويل.
 
مغارة قنات ليست مجرّد تجويف صخري مخفي في عمق وادٍ لبناني. فما تحتويه من طبقات جيولوجية وآثار بشرية يعكس تراكمًا زمنيًا نادرًا يستحق أن يُكتشف بعناية ومسؤولية. وبين الإهمال الرسمي، والتحديات الميدانية، يبقى الأمل معلّقًا على مبادرات جادة، رسمية كانت أم خاصة، تعيد لهذا الكنز مكانته، لا فقط كمعلم سياحي، بل كمساحات علمية، واستكشافية، تستحق الاستثمار، الحماية، والتوثيق.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram