في حدث تاريخي نادر، كشفت جامعة هارفارد أن إحدى النسخ المحفوظة في مكتبتها القانونية ليست مجرّد «نسخة مألوفة» من Magna Carta ماجنا كارتا، (الميثاق الأعظم)، بل وثيقة أصلية تعود إلى عام 1300، صادرة عن الملك إدوارد الأول، وهي واحدة من سبع نسخ فقط لاتزال موجودة في العالم.

وقّعت هذه الوثيقة المفصلية لأول مرة في 15 يونيو عام 1215، إثر صراع مرير بين الملك جون وطبقة النبلاء. وبفضل ضغط بارونات إنجلترا، ووساطات من كبار رجال الكنيسة وعلى رأسهم ستيفن لانغتون، أُجبر الملك على الإقرار بمجموعة من الحقوق والحريات التي كفلت حدوداً لسلطة التاج، وجعلت الحاكم خاضعاً للقانون، لا فوقه.

 

وقد اعتبر المؤرخون هذه الوثيقة الأصل الأقدم للفكر الدستوري في أوروبا الغربية، وأساساً لتطور مفاهيم مثل سيادة القانون، والحقوق الفردية، والمحاسبة السياسية. فالبند 61 من الوثيقة مثلاً، منح البارونات حق تشكيل مجلس من 25 ممثلًا لضمان تنفيذ بنود الميثاق، وهو ما عُدّ آنذاك تطوراً جذرياً نحو فكرة الملَكية المقيّدة.

 

في تعليقها على الاكتشاف، قالت أماندا وطسون، عميدة المكتبة في كلية القانون، إن هذه الوثيقة «تتجاوز قيمتها الأرشيفية إلى أن تصبح حجر زاوية في دراسة التاريخ القانوني العالمي». وأكدت أن الرقمنة الواسعة التي تقوم بها «هارفارد» لمجموعاتها التاريخية، تهدف إلى جعل مثل هذه الكنوز متاحة أمام الباحثين والجمهور حول العالم.

 

ومن اللافت أن هذه الوثيقة أصبحت رمزاً عالمياً للعدالة وحقوق الإنسان، وألهمت في ما بعد دساتير دول كثيرة، وعلى رأسها إعلان الاستقلال الأميركي، ودستور الولايات المتحدة، وشرعة الحقوق (Bill of Rights)، وهو ما يعكس أثرها المتجذّر في الفكر القانوني الغربي. وهذه واحدة من أهم بنودها: «لا يجوز أن يُقبَض على أي رجل حرّ أو يُسجن أو يُجرّد من ملكه أو يُنفى أو يُحرَم من حقه، أو يُضطهد بأي صورة من الصور، إلا بحكم قانوني صادر عن أنداده، ووفقاً لقانون البلاد.. لن نبيع لأحد حقه، ولن نُنكر أو نؤخّر العدالة لأي كان».وفي عالم تتجدد فيه الأسئلة حول العدالة، والحكم الرشيد، وحقوق الأفراد، تظل «ماجنا كارتا» شاهداً خالداً على أول صيحة حرية صدحت في وجه السلطة، وسِفراً مفتوحاً في تاريخ كفاح الإنسان من أجل الكرامة والقانون.