"حرية المواطن بيد المُخبر"

 

Telegram

 

من يوقف وثائق الاتصال في لبنان

• بقلم الدكتورة رشا أبو حيدر

على الرغم أن القانون اللبناني لا يجيز "الاعتقال الإداري" ولا يعرّف مفهومه، إلا أن ممارسات بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية، تكشف عن وجود آليات موازية تُقارب الاعتقال الإداري من حيث الجوهر، وتتناقض مع القواعد الدستورية والقانونية والدولية.

من أبرز هذه الآليات ما يُعرف بـ"وثيقة الاتصال" ولوائح الاخضاع، وهي ممارسة أمنية لا تستند إلى أي مرجعية قانونية صريحة، ومع ذلك تُستخدم لتقييد حرية الأفراد دون قرار قضائي.

- ما هي وثيقة الاتصال؟ وكيف تُستخدم؟

وثيقة الاتصال هي عبارة عن مذكرة داخلية صادرة عن جهاز أمني، تستند غالبًا إلى معلومة استخباراتية أو إفادة من مخبر، دون تحقيق قضائي، ودون إصدار مذكرة توقيف من النيابة العامة.

• تُعمم الوثيقة على الحواجز الأمنية والمعابر الحدودية.

• يتم على أساسها توقيف الشخص المعني فورًا، أحيانًا من دون علمه أو وجود أي تهمة واضحة.

• لا تُعرض هذه الحالات مباشرة على قاضٍ، ولا يُمنح الموقوف حق الدفاع أو الطعن.

- مكامن الخطورة القانونية

تشكل وثيقة الاتصال انتهاكًا صريحًا لمبادئ أساسية في القانون اللبناني والدولي، منها:

• قرينة البراءة، إذ يُعامل الشخص كمشتبه به أو مجرم دون تحقيق قضائي.

• حق الفرد في الحرية الشخصية وعدم التوقيف التعسفي.

• دور القضاء الحصري في إصدار أوامر التوقيف.

وتجعل هذه الوثيقة من الجهة الأمنية خصمًا وحَكمًا في آن واحد، ما يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات والضمانات القضائية.

- ماذا يقول القانون اللبناني؟

ينص قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني (المادة 47) على ما يلي:

• لا يجوز احتجاز أي شخص لأكثر من 48 ساعة من قبل الضابطة العدلية، إلا بإشارة من النيابة العامة.

• يجب إعلام الشخص الموقوف بأسباب التوقيف، والسماح له بالاتصال بمحامٍ وأهله فورًا.

كما يكرّس الدستور اللبناني مبدأ خضوع السلطات كافة للقانون، ويؤكد في مقدمته (الفقرة ب) التزام لبنان بالمواثيق الدولية التي تُشكّل جزءًا من النظام القانوني الوطني.

- التزامات لبنان الدولية

لبنان ملتزم بعدد من الاتفاقيات الدولية التي تحظر هذا النوع من التوقيف، أبرزها:

• العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، الذي تنص المادة 9 منه على:

"لا يجوز توقيف أي شخص أو اعتقاله تعسفًا، ولكل شخص الحق في أن يُبلّغ فورًا بأسباب توقيفه ويُعرض على قاضٍ".

• اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تحظر الاحتجاز خارج رقابة القضاء لما له من ارتباط مباشر بسوء المعاملة.

- هل أُلغيت وثائق الاتصال؟

من الناحية الرسمية:

• صدرت قرارات حكومية متكررة لإلغاء العمل بها، آخرها في حزيران 2025 عن حكومة نواف سلام، والتي قضت بوقف كافة وثائق الاتصال ومذكرات الضبط غير الصادرة عن القضاء.

لكن من الناحية العملية:

• حتى تاريخ كتابة هذا المقال هناك رغبة حكومية بوقف العمل بوثائق الاتصال حماية للحريات، ولكن هل توافق الرغبة الواقع الموجود وخاصة عندما تعتبر الأجهزة الأمنية اللبنانية ان وثائق الاتصال هي مجرد تدبير اداري وقد يكون له استثناءات، واحياناً تُبرر استخدامها بـ"الدواعي الأمنية" أو "التعليمات الداخلية"، متجاوزة القرار الحكومي وخرقًا لسلطة النيابة العامة؟

بالخلاصة، وعلى الرغم من إلغاء وثائق الاتصال رسميًا، ما زالت ممارستها قائمة، مما يجعل المواطن اللبناني عرضة لتوقيف غير قانوني بناء على معلومات غير خاضعة لأي تدقيق قضائي.

ان الاعتقال الإداري غير موجود في القانون اللبناني، لكنه موجود فعليًا عبر "وثائق الاتصال"، التي تمثل تجاوزًا خطيرًا للضمانات القانونية والدستورية، وتستدعي تدخلًا تشريعيًا وقضائيًا عاجلًا لضمان أن تبقى الحرية الشخصية محمية بسلطة القضاء، لا بسلطة الأجهزة.

 

 

 

 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram