فكرة السلام في القوميّة الاجتماعيّة

فكرة السلام في القوميّة الاجتماعيّة

Whats up

Telegram

الدكتور ادمون ملحم

 

السلام هو حالة إيجابية من الوئام والأمن والاستقرار تسود المجتمع والعالم وتتيح التطور والازدهار للجميع. والسلام هو مطلب إنساني مرغوب لأجل مستقبل الإنسان والبناء الحضاري والتقدم العمراني وهو ثقافة راقية ترفع الحياة وترتقي بها بما توفره من شروط وظروف السلامة والأمان والاطمئنان والمصالحة والتوافق والانسجام والتي بدونها لا يمكن إحداث نهضة مجتمعية وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية سليمة. وباختصار، ثقافة السلام هي نقيض الحرب والعنف والعدوان والكراهية والهيمنة والتعسّف والاستغلال. هي ثقافة تنبذ النزاعات والتسلّط والقهر والظلم والعدوان وترفض العنصرية والأحقاد وتسعى لمنع العنف ولإشادة العدل والمساواة والإخاء والحرية وأجواء الطمأنينة والسكينة والهدوء، عوضاً عن الخوف والقلق والاضطراب.


في مجتمعنا الموبوء بالانقسامات والتناقضات والنزاعات على أشكالها، نحن بأشد الحاجة إلى تعزيز ثقافة السلام وإشاعة الوئام والمحبة بين أبناء المجتمع الواحد. ولكن هذه الثقافة لا تأتي من فراغ، بل تنبع من العقيدة الصحيحة التي بتعاليمها تحمي المجتمع من السقوط وتضيء الدرب حتى تطمئن قلوب الناس وتهدأ نفوسهم. وهل في مجتمعنا من عقيدة صحيحة تضاهي العقيدة القومية الاجتماعية المناقبية التي جاء بها أنطون سعاده؟


إن الدارس للعقيدة القومية الاجتماعية الساعية لتوحيد الأمة المجزأة سياسياً والمُفسّخة روحياً واجتماعياً، يرى بكل وضوح أن فكرة السلام القومي الاجتماعي هي فكرة كامنة فيها. فجوهر هذه العقيدة هو تعزيز السلام الأهلي، سلام المجتمع مع نفسه بكل أبنائه وطوائفه وشرائحه الاجتماعية وتحقيق الأمن والسعادة والرخاء فيه.

وفكرة السلام الكامنة في جوهر المبادئ القومية الاجتماعية هي فكرة متأصلة في تاريخِنا الثقافيِّ والدينيِّ وفي معتقداتِ الإنسانِ السوريِّ القديم وانفتاحِهِ على المحبةِ الإلهيةِ بأسمى معانيها، محبةُ الإنسان، ومحبةُ كافةِ الشعوب. وتتجلى فكرةُ السلامِ في الأساطيرِ والآدابِ الكنعانيةِ والسُّومريةِ والبابليةِ وفي صفاتِ الآلهة، كالإله "إيل" – ملكِ السلامِ على الأرض – الذي أعلنَ أن الحربَ تخالفُ مشيئَتَه، ودعا لتلقيحِ الأرضِ بلَقاحِ المحبةِ وسكبِ السلامِ في كَبِدِ الأرض، وكابنِهِ بعل رسولُ السلامِ وغيرِهِما من الآلهةِ التي عكست بصفاتِها الإنسانيةِ والروحيةِ تطلُّعاتِ أجدادِنا وميولَهُم نحوَ السلامِ والحقِ والحريةِ والعدالةِ والمساواة.

وتتجلى فكرة السلام في فلسفة زينونَ الكنعانيِّ- الفينيقيِّ (332- 262 ق.م.)، مؤسس المدرسة الرواقية المناقبية الإنسانية الجديدة التي نادت بالفضيلة والحياة الروحية - الأخلاقية الفاضلة والتي أصبحت من أهم المدارس الفلسفية حتى يومنا هذا.


اتجه زينون الرواقي بتفكيره الأخلاقي الجديد نحو البشرية جمعاء ودعا إلى قيام المدينة الأخلاقية الكونية: مدينة السلام البشرية حيث ان كل البشر إخوة ويجب ان يتعاملوا مع بعضهم كما لو كانوا أعضاء في دولة عالمية واحدة وقال:

يجب الا تتخاصموا، يجب الا تتنابذوا، يجب الا يحارب بعضكم بعضاً، يجب الا يكون هناك تفريقات عنصرية بين مدينة ومدينة، لذلك ايها البشر إذا ما التقى واحدكم الآخر عليه ان يعامله كما لو كان إياه في مدينة كونية واحدة.

وبعد زينون الرواقي الذي بشَّرَ بالحب العالمي في فلسفته الأخلاقية الجديدة جاء المسيح السوري بدين عالمي لينشر السلام بين أبناء البشر وليقول: "جئت لجميع الأمم وعلى الأرض السلام..." وبعد المسيحية جاء الرسول الكريم أيضاً بالعقيدة الإسلامية- المحمدية كدين للعالمين مبشراً بسلام الله وبعدم التفرقة بين الأجناس والأمم وبين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

واستكمالاً لتراث الأمة الميثولوجي والثقافي ولرسالاتها السماوية جاء سعاده برسالته القومية الاجتماعية الجديدة معتمداً فكرة السلام في صلبها وداعياً أبناء قومه لتحرير أفكارهم من العقائد المهترئة والأوهام الباطلة واعتناق العقيدة القومية الموحِّدة، عقيدة التسامح والإخاء القوميين، ليتحول المجتمع السوري المفتّت إلى مجتمع واحد قوي ومتماسك ولتعود دورة حياته الحضارية والإنسانية إلى فعلها الطبيعي في تحريك جميع قوى المجتمع وجعلهم في حالة نشاط وتعاون وإنتاج وإبداع وفي حالة تجدّد وارتقاء وقدرة على حمل خطط التفكير السوري الجديد والإسهام الحضاري والإنساني في بنيان العالم العربي وقيادته وفي ترقية الإنسانية جمعاء.

إن الحزب السوري القومي الاجتماعي يعمل للسلام الداخلي من خلال نضاله لبناء المجتمع القومي الموحّد ولإقامة الدولة القومية الاجتماعية الحديثة.

1- بناء المجتمع القومي الموحّد:

* بربط الأفراد في المجتمع برابطة الأخوة القومية في الحياة الواحدة والهوية القومية الجامعة والمصلحة المشتركة، وتوليد شعور التعاون والتضامن في نفوسهم وشعور الواجب المفروض عليهم جميعاً لمصلحة المجتمع وتحقيق أغراضه العليا.

* بإنقاذ الأمة من عوامل الانقسامات المذهبية والنزاعات العرقية وكل التناقضات العابثة بها وتوحيدها في مطلب واحد واتجاه واحد وتهيئتها للوقوف موقفاً واحداً في تنازع البقاء والتفوق.


* ببناء مجتمع أمثل خالٍ من الأحقاد والمفاسد والمظالم والرذائل والشرور والاستبداد ومليء بالمحبة والتساهل والتراحم والحق والفضائل الجميلة... مجتمع حرّ ومتماسك ينعم بالسيادة والاستقلال والحرية والمساواة والوحدة الاجتماعية

2- إقامة الدولة القومية الاجتماعية الحديثة:

السلام يتحقق في ظلال الدولة القومية الاجتماعية الحديثة القائمة على المبادئ التالية:

* فصل الدين عن الدولة

* منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين.

* إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب.

* تحقيق العدالة الاجتماعية.


*إعداد جيش قوي يحافظ على سلامة المجتمع والوطن

* وبالسير على طريق العلم والمعرفة والتفوق والإبداع

باعتمادنا هذه المبادئ الإصلاحية، نمنع الفتن المذهبية والعصبيات الطائفية الهدّامة ونساهم بوحدة المجتمع وترقيته.

العدالة الاجتماعية:

العقيدة القومية الاجتماعية تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية بإزالة الحيف والإجحاف عن العمال والفلاحين وبرفع الظلم والقهر عن المظلومين والمحرومين والمضطهدين والمهمشين. وبإنهاء الاستغلال والحرمان وشظف العيش وكل ما سببته قوى الاقطاع والرأسمالية الجشعة المتوحشة والطبقة السياسية الفاسدة من فقر مدقع وعوز وجوع وبؤس وشقاء وإذلال وبتنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج وزيادة ثروة الأمة وبدعوتها للقضاء على الجهل والفوضى والفساد.

الإخاء والتسامح القوميان:

والعقيدة القومية الاجتماعية تُروّجُ بتعاليمها لإرساء السلام الحقيقي في المجتمع من خلال دعوتها للوئام الاجتماعي وللإخاء والتسامح القوميان وللتخلي عن الأحقاد والضغائن والعداوات والفتن وكل عوامل التفرقة والتعصب والإنعزال ضمن المجتمع الواحد. وهذه العقيدة تسعى لإنقاذ الأمة من عوامل الإنقسامات المذهبية والنزاعات العرقية وكل التناقضات العابثة بها وتوحيدها في مطلب واحد واتجاه واحد وتهيئتها للوقوف موقفاً واحداً في تنازع البقاء والتفوق. فهي تُشكِّلً دعوة صادقة لتآلف القلوب وتقريب النفوس وتوحيدِ المشاعرِ والإراداتِ وجمعِ فئاتِ الأمّةِ في مطلبٍ واحدٍ وإرادةٍ واحدةٍ لتحيى حياة جديدة هي حياة الفرح والطمأنينة والخير والفلاح.

المحبة القومية:

السلام الحقيقي يتحقق بزرع المحبة القومية في النفوس لتملأها صدقاً وإخلاصاً ووفاء وترفعها نحو المثال الأعلى. فالمحبة هي نقيض البغض والأنانية الفردية المنحطة، القاتلة، والمانعة للتعاون. وهي أساس حقيقي للهناء العام لأنها قوة خفيّة تدفع الأفراد للإبتعاد عن المعاصي والإساءات والأفعال القبيحة المضرة بحياة المجتمع وسلامته، وتوّلد التعاون في المجتمع من أجل الخير وتقود إلى فلاحه وسعادته. إن غايتها هي حسن الحياة وخيرها وجمالها وتحقيق مصلحة الأمة ورقيها. لذلك يقول سعاده: إذا وجدت في نفوس شعب بكامله أوجدت في وسطه تعاوناً خالصاً وتعاطفاً جميلاً يملأ الحياة آمالاً ونشاطاً.

التربية القومية الصحيحة:

الحزب السوري القومي الاجتماعي ينشد السلام الاجتماعي من خلال اعتماده على التربية القومية الصحيحة في بناء الإنسان الجديد وتسليحه بمناقب النهضة وقيمها وبالوجدان القومي الذي يحضُّ الفرد أن يزيد على احساسه بحاجاته احساسه بحاجات مجتمعه وأن يربط مصالحه بمصالح قومه وأن يشعر مع ابن مجتمعه ويتهم به ويود خيره، كما يود الخير لنفسه. والتربية القومية الصحيحة تقوم بتهذيب الأجيال وتربيتهم في المناقب والفضائل الجميلة وتشجيعهم على مجابهة الصعوبات والتحديات وعلى الجدّية والحوار والمصارحة والتعاون. وتهتم في بناء الشخصية الاجتماعية الواعية والمتحررة من النزعة الفردية السلبية ومن مشاعر الإرهاب المباشر والقهر والكبت والنقص والخوف والعجز والاتكالية والرضوخ، والمستعدة لمحاربة الشر والاهتمام بسلامة المجتمع وخيره.

العدل الاجتماعي والمساواة:

وينشد الحزب السلام الاجتماعي من خلال دعونه للعدل الاجتماعي والمساواة بين أبناء المجتمع فلا يكون هناك أناس ينعمون بالرخاء المادي على حساب بؤس الآخرين ولا يكون هناك طائفة تتنعم بسعادة وامتيازات خصوصية منتزعة من شقاء الآخرين. إن للإجحاف وانعدام المساواة دور أساسي في تعزيز القلق والكره والنزاع العنفي في المجتمع. إن عقيدة سعاده تشدّد على مبدأي المساواة والتعاون بين أبناء المجتمع السوري من أجل ترقية حياتهم وتقدمها. ومتى سادت فكرة المساواة في المجتمع ينتفي عندئذ الشعور بالغبن والتمييز ويحل الشعور الروحي الواحد الذي يعزّز السلام والتراحم والتماسك والوحدة ويمنع المنازعات والإنقسامات والعصبيات والفتن المذهبية...

إن السلام الحقيقي يكمن في المساواة بين أبناء المجتمع في حقوقهم وواجباتهم وفي ملكيتهم للوطن وثرواته، فجميع أعضاء الدولة يجب ان يخضعوا لقانون مدني واحد لا يفرّق بينهم على أساس مذهبي أو عنصري أو فئوي، ولا يعامل فئة إجتماعية بشكل متمايز عن أي فئة أخرى، بل يعتبرهم جميعاً متساوين أمام موجبات القانون الواحد. فالتمييز أو الحرمان يُفقد الأخوة القومية من معناها ويولِّدُ مشاعر الخوف والكره والظُلامة والإذلال والغضب.. لذلك يتساءل سعاده "ما معنى الأخوة القومية حين أقول لك أنت أخي وأحرمك بالفعل من حقوق الأخوة معي؟" ويضيف: "نحن نقول بالحق والعدل الذي يجعل مجموع الشعب في حالة خير وبحبوحة فلا يكون أناس في السماء وأناس في الجحيم".


العقيدة القومية الاجتماعية تتوجه لكل أبناء الأمة وتدعوهم للتوحد حول القضية القومية التي تؤمن لهم الأرض وخيراتها كما تؤمن لهم العدل الاجتماعي بإعطائهم حقوقهم في العمل وفي نصيبه في نهضة تجعل الوطن يفيض خيراً وصحة وسلاماً. لذلك يقول سعاده: "القومية الاجتماعية تعني توزيع غنى لا توزيع فقر".

المناقب الجميلة:

والسلام الحقيقي يتحقق أولاً، بإحياء المناقب الجميلة في المجتمع. فإذا أردنا ان نحقق الحياة الجميلة الراقية، علينا ان نسحق المثالب الفاسدة في حياتنا ونُحيي المناقب الجميلة والأخلاق الصحيحة ونعمل بمبدأ الإخاء القومي وبمبدأ الحب الكلي لكل ما هو سامٍ وجميل.

الخلاصة:

الحركة القومية الاجتماعية تعمل على ترسيخ السلم الأهلي وتعميم ثقافة السلام والتعاون بين أبناء الشعب الواحد ودعوتهم إلى التلاحم الاجتماعي والوحدة الاجتماعية وتسعى لتطهير المجتمع من أحقاده الطائفية وأوهامه العنصرية وتصارع من أجل بناء النفوس بناءً جديداً في المناقب الجديدة التي تضمن توحيد الشعور والاتجاه وتؤسس لسلم مجتمعي ولحياة جديدة للأمة.

 

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram