الإنقسام يجدّد «المسرحيّات».. الاقتصاديون: تشاؤم .. «الأصدقاء» قلقون على الاستقرار

الإنقسام يجدّد «المسرحيّات».. الاقتصاديون: تشاؤم .. «الأصدقاء» قلقون على الاستقرار

Whats up

Telegram

اما وقد حسمت مكونات الصراع السياسي خياراتها بتمديد عمر الفراغ الرئاسي، وفضّلت ان تسدّ قنوات التلاقي والتفاهم على قواسم مشتركة، وطاب لها ان تستوطن على شجرات التصعيد والمماحكة، عامية عيونها عن أرض الواقع اللبناني المرير، ولامبالية بما يتهدّده من مهاور ومنزلقات، فما على اللبنانيين المنكوبين بهذه النوعيّة من العقليات، الّا أن يحصّنوا انفسهم مما هو آتٍ عليهم.

الأولوية هي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؛ هي مقولة تتردّد وتتكرّر باستمرار من كل جانب، في ظاهرها تبدو كلام حق، وأمّا في جوهرها فتخفي، بلا أدنى شك، باطلاً خلف متاريس متصادمة، لا يمت إلى الصدقية بصلة. ومن يراقب مصادرها المتعدّدة، لن يطول به الامر ليتأكّد من انّها تُتخذ ستاراً للهروب من الاستحقاق الرئاسي، ومادة دسمة للاستثمار الشعبوي، والابتزاز السياسي. والشواهد لا تعدّ ولا تحصى في مسرحيات الانتخاب الفاشلة وما ترافقها من عراضات وفصول من كوميديا فضائحية سوداء تُعرض على مسرح الهيئة العامة لمجلس النواب!

أمام هذا المشهد يبرز السؤال التالي: مطالبات كثيرة توالت في الآونة الأخيرة بعقد جلسات لمجلس النواب لانتخاب الرئيس، ولكن كيف يمكن ان يُستولد رئيس للجمهورية من خلف هذه المتاريس؟

رئيس المجلس النيابي نبيه بري جارى هذه المطالبات، وقرّر إعادة إحياء مسلسل الجلسات، وحدّد الخميس المقبل موعداً لجلسة جديدة. هذا مع العلم، انّ هذه الجلسة في ظل الوضع القائم والخريطة السياسيّة والنيابية المبعثرة، لا يمكن أن تنتج رئيساً، بل محكوم عليها سلفاً بأن تُركن إلى جانب سابقاتها في زاوية الفشل.

مسرحية!

مصادر مجلسية اكّدت لـ»الجمهورية»، انّ الرئيس بري عندما فكّر في التأسيس لحوار حول رئاسة الجمهورية، كانت غايته تقريب المسافات بين المكونات الداخلية، وأن يأكل الجميع العنب الرئاسي، وإشراكهم في انتاج سلة حلّ رئاسي، يفضي الى رئيس صُنع في لبنان. وقد أطلق من بداية الطريق صرخة تحذير وحدّد وجهة السير عبر الممرّ التوافقي الآمن للاستحقاق الرئاسي بإجماع أو شبه إجماع على الرئيس الجديد للجمهورية. ولكن مع الأسف، ثمة من هو مصرّ على جعل انتخاب رئيس الجمهورية مسرحية لا تنتهي فصولها الفاشلة كالتي شهدناها مع كل الجلسات الانتخابية التي عُقدت، ولم تحقّق الغاية المرجوة منها.

ولفتت المصادر الى انّه «عشية الانتخابات الرئاسية السابقة التي أفضت في النهاية الى انتخاب الرئيس ميشال عون، عُقد ما يزيد عن ثلاثين جلسة فاشلة، ووضع البلد في تلك المرحلة لم يكن بمستوى الصعوبة الكبرى التي يعانيها في هذه المرحلة، فحتى لو عُقدت مئة جلسة او مئتان، فسيبقى الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية هو النتيجة الطبيعية لواقع سياسي مفكّك محكوم بمنطق التحدّي والاستفزاز، على ما نشهده من مواقف، وخصوصاً من جانب الكتل المسيحية». حيث يشكّل هذا المنطق، الوصفة الطبيعية لتمديد الفراغ في سدّة الرئاسة الاولى إلى مديات طويلة جداً».

لا يحتمل اسابيع

في هذا السياق، يبرز تخوّف شديد من استمرار هذا المنحى، يبديه مرجع سياسي بقوله لـ«الجمهورية»: «البلد في أسوأ وأخطر مراحله، وثمّة من يبشر بأنّ الفراغ في رئاسة الجمهورية قد يمتد لأشهر طويلة، وربما لسنة واكثر. هذا الكلام ينطوي على اعتقاد انّ البلد سيتكيّف مع الفراغ، وهو أمر يجافي حقيقة ان بلداً اصبح في قعر الهاوية، لا يحتمل فراغاً ليس لبضعة اشهر بل لأسابيع.. الوضع ليس شاذاً فحسب، بل هو مقلق ومخيف، ومفتوح على صدمات قد لا تبقى تداعياتها محصورة بنطاق الاشتباك السياسي، بل تداعيات شاملة قد لا يسلم منها البنيان السياسي برمته».

اقتصاديون يحذّرون

المخاوف التي أبداها المرجع المذكور، توازيها مخاوف مما تسمّيها مصادر اقتصادية مسؤولة «انهيارات اقتصادية ومالية غير مسبوقة».

هذه المخاوف تبدّت للمصادر من اجواء المؤسسات المالية الدولية، وقالت لـ»الجمهورية»، انّ تقييم هذه المؤسسات لما آل اليه الوضع في لبنان، شديد السلبية، وحيث انّها تتوقع واقعاً مظلماً في لبنان، جراء سياسة التراخي التي تقارب فيه أزمته الاقتصادية الصعبة.

وبحسب المصادر، فإنّ المؤسسات المالية الدولية، كانت تراهن على ان يؤدي انتظام الوضع السياسي في لبنان، سواء انتخاب رئيس جديد للجمهورية او تشكيل حكومة جديدة، ان تتسارع اجراءات التعافي في هذا البلد، وخصوصاً انّ المستويات الدولية على اختلافها اتاحت امامه فرصاً عديدة، وأعربت عن استعدادها لفتح مجالات المساعدة والدعم، بما يمكن لبنان من تجاوز ازمته. الّا انّ الصورة في لبنان حالياً مخيبة للآمال».

وتنقل المصادر عن أحد كبار المسؤولين الماليين الدوليين قوله: «انّ اي مساعدات للبنان غير ممكنة، في ظلّ ما نراه من هروب القادة اللبنانيين من المسؤولية، نحن كنا وما زلنا مستعدين لتقديم المساعدة، وقدّمنا العديد من الفرص، تفهمّاً منا للمعاناة الصعبة التي يعاني منها الشعب اللبناني، لكنكم لا تفتحون المجال لإيصالها اليكم. ومع ذلك تواصلون المطالبة بالمساعدات».

وجزم المسؤول الدولي، كما تنقل المصادر، بأن «لا مساعدات للبنان، طالما هو متراخٍ عن توفير المتطلبات البديهية، التي توجب تشكيل حكومة ببرنامج انقاذي واصلاحي واضح، جوهره مكافحة الفساد، وبخطة تعافٍ جدّية، لا تحوي أي التباسات». واستغرب التأخير غير المبرّر في إقرار مشروع الكابيتال كونترول، والتأخير في إقرار برنامج التعافي الذي تحدثت عنه الحكومة اللبنانية.

وبحسب الأجواء التي تنقلها المصادر، فإنّ احتمالات الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قد باتت ضعيفة جداً، ونقلت عن احد المعنيين بالصندوق: «الصندوق لن ينتظر لبنان طويلاً، وفرصة بلوغ برنامج تعاون مع الحكومة اللبنانية تكاد تصبح شبه معدومة، لأنّ الجانب اللبناني يفتقد الى الجدّية، ولم يقدّم ما يثبت التزامه الفعلي بمتطلبات صندوق النقد، على غرار ما تفعل الكثير من الدول التي تسعى الى برنامج تعاون معه. وقد قام وفد صندوق النقد الدولي بسلسلة زيارات إلى لبنان، وعقد لقاءات مكثفة مع المراجع السياسية والمالية من دون ان يلمس استجابة الى أي من المتطلبات، حتى الموازنة التي جرى إقرارها في لبنان في الآونة الاخيرة، لم تكن بالمستوى المطلوب ولا تلبي متطلبات الانعاش، ولا يمكن اعتبارها عاملاً مساعداً لاخراج لبنان من ازمته».

وتضيف المصادر، انّه بعد هذه المطالعة، خلصت الشخصية المعنية بصندوق النقد إلى تكرار ما سبق ان أبلغه الى كبار المسؤولين السياسيين والى المرجعيات المالية والاقتصادية في لبنان، حيث قال: «انّ الصندوق ليس متفرّغاً للبنان، واستمرار المنحى السائد فيه، سيفقده دوره حتماً، وخصوصاً انّ عشرات الدول المتعسرة تنتظر دورها لعقد برامج تعاون مع صندوق النقد. وإن فقد لبنان دوره، فسيطول الوقت كثيراً حتى يستعيده».

العرب قلقون

في هذه الاجواء، أعربت مصادر ديبلوماسية عربية عبر «الجمهورية»، عن بالغ قلقها إزاء مستقبل الوضع في لبنان. وكشفت عن تحرّك لبعض السفراء في اتجاه مختلف الاطراف، لحث الأشقاء في لبنان على التعاون في ما بينهم للتغلّب على المحنة التي يعانيها لبنان.

ولفتت المصادر الى تلقّي بعض المستويات السياسية إشارات واضحة من دولة عربية كبرى، تؤكّد انّ الوضع الصعب في لبنان يُقلق الأسرة العربية، حيث انّ ما نشهده من انقسام يؤسس لمرحلة سوداوية. وتشدّد من موقع حرصها على لبنان وشعبه واستقرار مؤسساته على المخلصين في هذا البلد، النأي به عن الارباكات التي تتهدّده، والتحرّك الجاد لإنهاء ازمة الفراغ الدستوري.

وإذ شدّدت المصادر الديبلوماسية على الحفاظ على المؤسسات وفي مقدّمها الحكومة عدم تعطيلها، لأنّ ذلك سيؤدي إلى الأضرار بمصالح الشعب اللبناني، وهو ما اكّد عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه قبل ايام برئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. اكّدت على مبادرة اللبنانيين الى إنهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بالسرعة الكلّية، مبدية في هذا المجال وفي اشارة غير مباشرة للمبادرة التي كان يعدّ لها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الدعم الكامل لأي جهد يرمي إلى تقريب وجهات النظر، ولأي مبادرة حوارية تحقق هذا الهدف.

ورداً على سؤال، قالت المصادر انّ جامعة الدول العربية حاضرة في الملف اللبناني، وقبل ايام قليلة حضر الامين العام المساعد لاستطلاع الصورة، لا نقول انّ ثمة مبادرة جاهزة لدى الجامعة تجاه لبنان، بل ربما مسعى متجدّد قد يتبدّى في المدى المنظور.

استفسارات ديبلوماسية

إلى ذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ»الجمهورية»، انّ الملف الرئاسي في لبنان يحظى بصدارة اولويات ومتابعات البعثات الديبلوماسية في لبنان. والمستويات الرسمية تتلقّى الكثير من الاسئلة والاستفسارات حول ما إذا كانت آفاق التفاهمات ممكنة.

وبحسب المصادر، فإنّ المقاربات الديبلوماسية للملف الرئاسي تتسمّ بحذر وخشية على استقرار لبنان، ومن بروز أحداث مفاجئة تدفع بالواقع اللبناني الى منزلقات خطيرة. الّا انّ الأهم في ما تعكسه البعثات الديبلوماسية هو التأكيد على اللبنانيين بأن يجنّبوا بلدهم السقوط في هذه المنزلقات والتفاهم في ما بينهم على إنهاء أزمة الفراغ الرئاسي وتمكين المجلس النيابي اللبناني من ممارسة دوره في انتخاب رئيس الجمهورية، وأصدقاء للبنان سيكونون الى جانبهم وجاهزون للمساعدة في هذا المجال.

وكشفت المصادر، انّ الفرنسيين يضعون ثقلهم في الملف اللبناني، وثمة معطيات مؤكّدة بأنّ حضورهم في لبنان سيكون مكثفاً بصورة ملحوظة في مدى غير بعيد. والأمر نفسه نسمعه من الاميركيين الذين اكّدوا انّ ما يهمّهم هو ان يختار اللبنانيون رئيسهم. والاختيار لا يتمّ الّا بالتوافق، وثمة اشارات بأنّهم سيكونون عاملاً مساعداً في هذا الاتجاه.

ولفتت المصادر، الى انّ المسلّم به لدى اصدقاء لبنان هو أن لا مجال لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي الّا ببلوغ تسوية، ليس على شاكلة التسوية السياسية التي أفضت الى انتخاب الرئيس عون وما نتج منها، بل تسوية وطنية بشراكة كل المكونات، ومن هنا فإنّ الحوار الداخلي، وعلى رغم اعلان رئيس المجلس النيابي الغاء مبادرته الحوارية، ما زال ممكناً العودة اليه في اي لحظة تبعاً لتطور الظروف الداخلية. كما انّ فكرة إقامة حوار رئاسي خارج لبنان، في باريس او جنيف، او اي دولة عربية صديقة للبنان، ما زالت قائمة في بعض الاوساط الديبلوماسية، ولكن من السابق لأوانه الجزم بترجمتها، الّا اذا فرضتها وقائع وتطورات وصعوبات قد تعتري المشهد السياسي الداخلي.

احتفال الاونيسكو

من جهة ثانية، يشهد قصر الاونيسكو اليوم احتفالاً تقيمه السفارة السعودية في لبنان حول اتفاق الطائف، في مناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتوقيعه، بمشاركة حشد كبير من المدعوين. وعشية الاحتفال زار السفير السعودي في لبنان وليد البخاري رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية. وتناول البحث موضوع الاحتفال إلى جانب امور عامة، وتطورات الوضع في لبنان.

يشار هنا الى انّ الرئيس ميقاتي سيغادر في الساعات المقبلة الى شرم الشيخ للمشاركة في قمة المناخ . ومن المقرّر ان يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لاستكمال المباحثات التي عقداها في الجزائر على هامش مشاركتهما في القمة العربية.

العيش المشترك يتعثر

في مكان آخر، التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، خلال استقبال الملك لرؤساء الكنائس المشاركين في أعمال «ملتقى البحرين للحوار»، حيث دار الحديث بينهما عن الأوضاع في لبنان. وقد شدّد بن عيسى على محبته وقربه من لبنان وشعبه، معرباً عن أسفه لما بلغت اليه الحال فيه. وأضاف متوجّها الى البطريرك الراعي: «نحن نتابع مواقفكَ وكلماتكَ، ونرى فيها مصلحة كبرى للبنان، هذا البلد الذي يسبب لنا وضعه الحالي جرحاً في القلب»، مؤكّداً أنّ «نحن العرب لن نترك لبنان الذي نحبه كثيراً».

وفي كلمة له، قال الراعي: «اختبار العيش المشترك في لبنان، قائم على نظامه السياسي، إذ نقرأ في مقدمة الدستور: «لا شرعية لسلطة تناقض الذي هو العيش معًا مسيحيين ومسلمين بالاحترام المتبادل، وضمانة عقيدة كل دين وممارساته وتقاليده، والمشاركة المتوازنة في الحقوق والواجبات، وفي حكم البلاد وادارة الدولة. انّه الحوار اليومي بين المسلمين والمسيحيين القائم على ثلاثة: حوار الحياة، وحوار الثقافة، وحوار المصير. هذا العيش المشترك في لبنان يتعثّر حاليًا لأنّ قاعدة «لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه»، كما تعلنه مقدمة الدستور، لم يواكبه بكل أسف لدى البعض من شعبه «الولاء للبنان دون سواه».

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram