“خائن” في روسيا “بطل” في الغرب.. قصة غورباتشوف آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ولماذا يثار حوله الجدل؟

“خائن” في روسيا “بطل” في الغرب.. قصة غورباتشوف آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ولماذا يثار حوله الجدل؟

Whats up

Telegram

رغم مرور أكثر من 30 عاماً على النهاية الدرامية لحكم آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، الذي أنهى الحرب الباردة، انتهت حياة ميخائيل غورباتشوف الذي يراه الغرب بطلاً ويراه أهل روسيا "خائناً"، فأين الحقيقة؟

كانت كلمة النهاية في حياة غورباتشوف قد أعلنها مستشفى موسكو المركزي مساء الثلاثاء 30 أغسطس/آب، ليفارق آخر من تولى رئاسة الاتحاد السوفييتي الحياة عن عمر 91 عاماً.

وربما كان خبر وفاة غورباتشوف بالنسبة للكثيرين حول العالم هو المرة الأولى التي يسمعون فيها اسم الرجل، لكنه كان واحداً من أقوى رجال السياسة في العالم، إن لم يكن أقواهم على الإطلاق، خلال الثمانينات من القرن الماضي. إذ تولى غورباتشوف، المولود في 2 مارس/آذار 1931، منصب الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي في مارس/آذار 1985، ليصبح الحاكم الفعلي لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية (الاسم الرسمي للاتحاد السوفييتي).

هل سعى غورباتشوف لتفكيك الاتحاد السوفييتي؟
قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال، من المهم ذكر الحقائق التي لا جدال حولها، وأولاها أن الاتحاد السوفييتي، أو اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، كان دولة مترامية الأطراف تشغل منطقة أوراسيا بأكملها منذ عام 1922، وتتكون من 15 جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي، عاصمتها موسكو. روسيا كانت القلب والعقل والعضلات في تلك الدولة، ومعها دول روسيا البيضاء وأوكرانيا وكازاخستان وأوزبكستان وباقي الدول المجاورة، وصولاً إلى المجر وتشيكوسلوفاكيا وقبلها دول البلطيق.

خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى عام 1991، عاش العالم في ظلال الاتحاد السوفييتي (القطب الشرقي) والولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا الغربية (القطب الغربي). وكان هناك حلف الناتو العسكري الغربي يقابله حلف وارسو العسكري الشرقي. وكان الرعب النووي هو العنوان الأبرز لتلك المرحلة المعروفة باسم الحرب الباردة.

كان الاتحاد السوفييتي يمتلك اليد العليا فيما يتعلق بالأسلحة النووية، وكان الصراع بين المعسكرين ممتداً بطول خريطة العالم. ومنذ عام 1970 تولى غورباتشوف مناصب رفيعة في الاتحاد السوفييتي، حتى عام 1985 عندما أصبح الحاكم الفعلي للاتحاد السوفييتي بتوليه الأمانة العامة للحزب الشيوعي السوفييتي.

كان غورباتشوف وقتها في الـ54 من العمر، أصغر قادة الحزب سناً وأصغر من تولى المنصب، وكانت له قرارات اعتبرت ثورية وقتها، حيث أقام علاقات مباشرة مع الأعداء، وبخاصة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر. وداخلياً، انتهج غورباتشوف سياسات إصلاحية كالجلاسنوست (حرية التعبير) والبريسترويكا (الإصلاح).

لكن حرية التعبير في الاتحاد السوفييتي وقتها كانت سلاحاً ذا حدين. فبعد عقود طويلة من حكم القبضة الحديدية وسيطرة الزعيم على الشؤون العامة والخاصة في الدولة، أدت سياسة "الباب المفتوح" التي انتهجها غورباتشوف إلى اندلاع احتجاجات في الدولة مترامية الأطراف.

لم تكن تلك هي المرة الأولى بطبيعة الحال التي تشهد فيها بعض دول الاتحاد السوفييتي مظاهرات واحتجاجات غاضبة، لكنها كانت المرة الأولى التي لا يرسل فيها الزعيم السوفييتي جيشه الأحمر لسحق تلك الاحتجاجات في مهدها. حدث ذلك بالفعل عام 1956، حيث أرسل نيكيتا خروشوف، رئيس الاتحاد السوفييتي وقتها، الدبابات إلى المجر لسحق انتفاضة مطالبة بالاستقلال هناك. والأمر نفسه تكرر عام 1968 في تشيكوسلوفاكيا.


لكن في الوقت نفسه، انتشرت تلك الاحتجاجات وغذت المشاعر القومية والرغبة في الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي، وهو ما حدث بالفعل خلال فترة زمنية قصيرة لم تتعدّ ثلاث سنوات.

فلاديمير شيفتشينكو، الذي ترأس مكتب البروتوكولات في عهد الزعيم السوفييتي، قال عن تلك الفترة: "عصر غورباتشوف هو عصر البيريسترويكا، عصر الأمل، عصر دخولنا إلى عالم خال من الصواريخ… لكن كان هناك خطأ واحد في تقدير الأمور: لم نكن نعرف بلدنا جيداً". ونقلت وكالة الإعلام الروسية عنه قوله "لقد انهار اتحادنا. كانت تلك مأساة، ومأساة له"، بحسب تقرير لرويترز.

لكن ماذا قال غورباتشوف نفسه عن تفكك الاتحاد السوفييتي؟ "ما حدث للاتحاد السوفييتي كان حدثاً درامياً بالنسبة لي وبالنسبة لكل شخص كان يعيش في الاتحاد السوفيتي"، بحسب مقابلة أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC مع الزعيم السوفييتي الراحل قبل 6 سنوات.

كيف تفكك الاتحاد السوفييتي إذاً؟
في 21 ديسمبر/كانون الأول 1991، بدأت نشرة الأخبار في التليفزيون الروسي بإعلان مثير: "مساء الخير، هذه نشرة الأخبار، الاتحاد السوفييتي لم يعد موجوداً بعد الآن". كان غورباتشوف لا يزال رئيساً للاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت.

كان قادة روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا قد اجتمعوا قبل أيام قليلة من ذلك الإعلان لمناقشة حل الاتحاد السوفييتي وإنشاء اتحاد للدول المستقلة. ثم أعلنت ثماني جمهوريات سوفييتية أخرى الانضمام إليهم.

وقرروا جميعاً تحدي إرادة غورباتشوف، الذي حاول جاهداً الإبقاء على جميع الجمهوريات في دولة واحدة. وعن تلك الفترة، قال الزعيم السوفييتي الراحل لبي بي سي: "حدثت خيانة من وراء ظهورنا، من وراء ظهري أنا. كانوا يحرقون منزلاً بالكامل لمجرد إشعال سيجارة. فقط من أجل السلطة التي لم يستطيعوا الوصول إليها بالوسائل الديمقراطية. لذلك ارتكبوا الجرائم. كان انقلاباً".

تاريخ العلاقات بين روسيا وأوكرانيا
كانت أوكرانيا حجر الزاوية في الاتحاد السوفييتي وثاني أكثر الجمهوريات السوفييتية الخمس عشرة قوة من حيث عدد السكان بعد روسيا/ Istock
واستقال غورباتشوف من رئاسة الاتحاد السوفييتي في 25 ديسمبر/كانون الأول 1991. وأُنزل العلم السوفييتي من فوق الكرملين للمرة الأخيرة. وعن أسباب هذا القرار أكد أن "البلاد كانت تسير في طريق الحرب الأهلية وأرادت منع حدوث هذا".

وأضاف غورباتشوف: "الانقسام المجتمعي والصراع في بلد مثل هذا، يعج بالأسلحة، بما في ذلك أسلحة نووية، قد يتسبب في قتل الكثير من الناس ويُحدث دماراً هائلاً. لم يكن بإمكاني ترك هذا يحدث من أجل التشبث بالسلطة. التنحي عن الحكم كان انتصاراً لي".

لماذا يعتبره الغرب بطلاً؟
شارك غورباتشوف في سلسلة محادثات قمة مع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان خلال 1985-1988، ووقعا معاهدة الحد من الأسلحة النووية في عام 1987. وبعدها بعامين، أعلن غورباتشوف انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان، وفاز الزعيم السوفييتي بجائزة نوبل للسلام عام 1990 لمساعدته في إنهاء الحرب الباردة.

وفي هذا السياق، يعتبر الغرب غورباتشوف بطلاً، حيث أبرم اتفاقات مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، وأقام شراكات مع القوى الغربية لإزالة الستار الحديدي الذي قسم أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، كما لعب دوراً في إعادة توحيد ألمانيا، بشطريها الشرقي والغربي.

لذلك كان طبيعياً أن يسارع زعماء الغرب إلى التعبير عن تقديرهم لغورباتشوف، إذ قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إنه فتح الطريق أمام أوروبا حرة.

ديكتاتورية

وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه كان يؤمن "بالجلاسنوست والبيريسترويكا – الانفتاح وإعادة الهيكلة- ليس باعتبارهما مجرد شعارات، وإنما الطريق إلى الأمام لشعب الاتحاد السوفييتي بعد سنوات كثيرة من العزلة والحرمان". ووصف بايدن غورباتشوف بأنه كان "زعيماً نادراً" وكان يتحلى بشجاعة كافية للمخاطرة بحياته المهنية من أجل مستقبل مختلف.

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن "التزام غورباتشوف دون كلل بانفتاح المجتمع السوفييتي يظل مثالاً لنا جميعاً".

آندريه كوليسنيكوف، الزميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قال لرويترز: "مات غورباتشوف بطريقة رمزية عندما دمر بوتين بشكل فعال ما أنجزه في حياته، الحرية".

ونشرت شبكة CNN تحليلاً عنوانه "لماذا يحتفي الغرب بغورباتشوف العملاق بينما هو منبوذ في وطنه؟"، رصد كيف أن آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، الذي أنهى الحرب الباردة الماضية، عاش حتى شاهد حرباً باردة جديدة بين روسيا والغرب تعود للواجهة من جديد.

ومن الصعب فعلياً وصف مدى عمق ما كان يمثله غورباتشوف للغرب خلال ثمانينات القرن الماضي، بعد فترة عصيبة من الرعب النووي بسبب المواجهة بين الشرق والغرب، بحسب تقرير الشبكة الأمريكية.

لكن حقيقة الأمر هي أن غورباتشوف يحمّل الغرب مسؤولية تجدد الحرب الباردة، وهذا ما عبر عنه في حديثه مع هيئة الإذاعة البريطانية عام 2016: "لدي قناعة أن الإعلام الغربي، بما في ذلك بي بي سي، لديه تعليمات خاصة بتشويه بوتين والتخلص منه. لكن نتيجة لما تقومون به، ارتفعت شعبيته إلى 86%، وقريباً ستصل إلى 120%".

ولا تحتاج كلمات غورباتشوف هنا إلى تفسير، خصوصاً أنها جاءت بعد عامين على قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، مما يعني أن موقف الزعيم السوفييتي الراحل، فيما يتعلق بسياسة روسيا الخارجية، لم يكن منتقداً للرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين.

لكن على الرغم من ذلك، وبالنسبة للكثيرين في روسيا، يظل غورباتشوف هو الزعيم الذي أضاع إمبراطوريتهم. كما لم يغفر كثيرون من الروس لغورباتشوف الاضطرابات التي أحدثتها إصلاحاته، معتبرين أن التراجع اللاحق في مستويات المعيشة ثمن باهظ للغاية مقابل الديمقراطية.

وقال فلاديمير روغوف، وهو مسؤول عينته روسيا في جزء تحتله القوات الموالية لها في أوكرانيا، إن غورباتشوف "قاد عمداً الاتحاد (السوفييتي) إلى زواله" ووصفه بالخائن.

الخلاصة هنا هي أن ميخائيل غورباتشوف سيظل دائماً شخصية جدلية، بين ما يراه زعيماً عظيماً حاول إصلاح الاتحاد السوفييتي وجعله أقوى، من خلال تخفيف حدة التوتر مع الغرب وتوقيع اتفاقيات خفض الأسلحة النووية للمرة الأولى في التاريخ، وبين من يراه زعيماً ضعيفاً لم يفهم طبيعة الاتحاد الذي كان يرأسه فتسبب في انهياره وتفككه، لكن بالنسبة للغرب فقد قدم الرجل خدمة كبيرة، حتى وإن كانت دون قصد.

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram