نداء المرجع الروحي... رسالةُ أمينٍ على الموحدين

نداء المرجع الروحي... رسالةُ أمينٍ على الموحدين

Whats up

Telegram

 

بقلم طارق حديفه - مدير المكتب الإعلامي لمشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان

في صبيحة نهار الجمعة الخامس من آب من العام الفين واثنين وعشرين، كانت الرسالة التاريخية للمرجعية الروحية العليا لطائفة الموحدين الدروز الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ، هذه الرسالة أو النداء الموجه للأهل في جبل العرب، تعتبر بمثابة تأكيد المؤكد وتصويب البوصلة لِمَن خانتهم ذاكرتهم عن الموقع والدور التاريخي لبني معروف في هذه المنطقة. 

فلطالما شكّل تاريخ الموحدين الدروز جزءاً أساسياً ومحورياً من تاريخ المشرق العربي. فجغرافياً يتواجد "بني معروف" في بعض المناطق الجبلية الواقعة بين حلب وإنطاكية في شمال سوريا أي منطقة جبل السماق وفي مناطق القسم الأوسط من جبال لبنان الغربية ووادي التيم وسائر القرى الممتدة على سفوح جبل الشيخ الشرقية والغربية وتصل الى منطقة صفد في فلسطين بالإضافة الى مناطق داخلية قرب دمشق وتواجد مهم في جبل العرب بالإضافة إلى الأردن. 

هذا الإنتشار الجغرافي بالإضافة إلى الشجاعة وصدق الإنتماء، جعل من الموحدين حماة للثغور، فقتالهم الدائم ضد الصليبيين قد أعطاهم الكثير من التقدير والإحترام في أعين خصومهم وأصدقائهم على السواء. حيث رأينا الدروز في عهد الإمارة التنوخية يقومون أحياناً بدور عسكري بارز خارج حدود مناطقهم فيكافأون بمد سلطتهم على أجزاء واسعة من بلاد الشام حيث تعاظم دورهم السياسي بسبب تفوقهم العسكري، وحققوا نهوضاً فكرياً فضلاً عن الإستقرار في مناطقهم وازدهارها إقتصادياً. 

 وطيلة تلك الفترات منذ قيام الدعوة حتى اليوم، لم يسعى الدروز لإقامة كيانهم المستقل، فالأمير فخر الدين الثاني الدرزي لم يشأ إنشاء دولة درزية مستقلة عن الإمبراطورية العثمانية بل كان هدفه إستقلال لبنان وبلاد الشام عموماً عن الإمبراطورية العثمانية وإقامة دولة قومية عربية وأن يتخلص من الحكم التركي، فالأمير فخر الدين الثاني كان وطنياً بإمتياز، وله يعود الفضل في تبلور الكيان اللبناني منذ ذلك الوقت والّذي بدأت فكرته من امارة سن الفيل التي اقامها الامراء الارسلانيين عام ٧٥٨ ميلادي. 

وفي التاريخ الحديث لعب الدروز دوراً بارزاً في التصدي للإنتداب الفرنسي بعدما تجاوز هذا الإنتداب روحية صك الإنتداب وقاموا بالثورة عليه في سوريا بقيادة سلطان باشا الأطرش وعملوا على توحيد سوريا الحالية ورفضوا تقسيمها لدويلات وإنشاء كيان درزي لهم، أما في لبنان فقد كان للدروز الدور الأساس في التخلص من الإنتداب الفرنسي عبر ثورة بشامون التي قادها الأمير مجيد ارسلان لنيل الاستقلال، إلا أن دور الدروز في لبنان الجديد كان محدوداً فحتى لو أن النظام اللبناني هو نظام طائفي وليس علماني فقد تم النظر الى الدروز حسب عددهم لا حسب تضحياتهم ومكانتهم التاريخية حيث كان عددهم قد أخذ بالإنحسار ما جعلهم خارج السلطات الرئاسية الثلاث في لبنان. إلا أن دورهم ظل مؤثراً ولا تزال القوى المحلية والإقليمية والدولية تنظر الى هذه الأقلية وتعيرها كل الإهتمام لما لها من مخزون تاريخي نضالي كبير بالإضافة الى تواجدها داخل فلسطين المحتلة وعلى حدودها ولما لهذه المناطق من أهمية بالغة عند الدول الإقليمية والدول العظمى حيث أن كل مخططات التقسيم تتناول بجدية وأهمية أماكن تواجد الأقلية الدرزية في المشرق العربي.
 
 إذا فالدروز ورغم عددهم القليل إلا أنهم لعبوا ويلعبون دوراً بارزاً في صياغة سياسة المشرق العربي، فتميّزوا بوطنيتهم العالية وولائهم لأوطانهم وإيمانهم بالدولة والنظام وهذا ما يفسر قيادتهم لثورات عديدة عبر التاريخ.

فعلى مرّ التاريخ تميّز أبناء هذه الطائفة بالشجاعة والمقاومة والقدرة العالية على القتال، والولاء التام للبلدان الّذين يقطنوها، فهذا الولاء ينبع من آلية الحفاظ على الذات ومن شعور عالٍ بالوطنية لقناعتهم أن الدول حيث إقامتهم هي ملاذهم الأول والأخير.
 
وبالعودة لرسالة المرجع الشيخ أبو يوسف أمين الصايغ، نرى بأنها إستمرار لهذا الدور المعروفي التاريخي البعيد كل البعد عن الشبهات والتقلبات والإستثمار على دماء الشهداء لعقد صفقات وبناء أحلام تقسيمية أو انفصالية، فكلامه واضح عندما قال:" 
إنَّ السويداءَ كانت وستبقى مَعْقِلَ العروبةِ النابضَ كرامةً وعنفوانًا ونموذجًا للبيئةِ المدافِعةِ عنِ الأرضِ والعرض. ولَطالما تمسَّكَ أبناءُ جبلِ العربِ بأرضِهِم ووطنِهِم، وكانوا على مرِّ العصورِ مِثالًا للشجاعةِ والكرامةِ والعُنفوان، ومن غيرِ المسموحِ إطلاقًا التطاوُلُ على كراماتِ الناسِ وأمنِهِم واستقرارِهِم.
من هنا لابدَّ من قيام مؤسساتِ الدولةِ بواجباتِها تِجاهَ أبناءِ الجبل. فالدولةُ السوريَّةُ أمينةٌ والموحِّدونَ الدُّروزُ أمانةٌ، يَجدُرُ بالكبارِ الحفاظُ عليها. والأملُ أن تضعَ الدولةُ يدَها بيدِ أبناءِ جبلِ الكرامةِ، لوضعِ حدٍّ للممارساتِ الشاذَّةِ والأعمالِ الإجراميةِ التي تُرتكَبُ تحتَ مسمياتٍ مختلفةٍ. فالأزماتُ والمحنُ والمؤامراتُ تَعبُرُ مهما تعاظَمَت، ووحدَهُ الوطنُ يبقى حاضنًا للجميعِ عاجلًا كان أم آجلًا.
فالله الله إخواني الموحدين من شكٍّ يتداخلُ الجوانحَ، ومن غشٍ يمتلِكُ الجوارحَ. ولْيتقدَّمِ انتسابُكُمُ الوطنيُّ بحقٍّ على الانتسابِ إلى ما يتجاوزُ الأوطانَ، ويكونُ مَدعاةً للتقسيمِ والانفصالِ. ولا يخالَنَّ خائلٌ، إذا سقطَتْ مؤسسات الدولةِ، أنَّ يدًا عُليا تحمي الجبلَ أو سياجًا من الغيبِ يقيه العصف.
أيُّها المعروفيُّون، يا أحفادَ الهجريِّين، والجرابعة والحنّاويّين، أحفادَ سلطان باشا الأطرش. سطَّرَ السلفُ التاريخَ بحروفِ العزَّةِ والإباء. فهم أعجوبةُ الزمانِ، وأبطالَ الأنام. تَتَبَّعَ التاريخُ خُطاهُم، وكتبَ آثارَهُم، بواطِنُهُم موَّارةٌ بآلامِ الوطنِ، ودموعِ أجيالٍ، ومآسي أزمانٍ، لكنَّهم ما أُحبِطوا وما كانوا يومًا يائسين. اِستأنسوا بالتعايشِ الوطنيّ، وبتوحيدِ الله عزَّ وجلَّ. قلوبُهم فتحوا، ورايةُ القيمِ خفاقةً رفعوا.
أيَّتُها الضمائرُ الحيَّةُ،
هذا تاريخُكُم فاحفظوه كما حفِظَكُم. والتواني عواقبُهُ وخيمة. فعاجِلوا التحركَ لإعزازِ الجبلِ اليومَ قبلَ الغدِ.
ولله المثلُ الأعلى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} صدق الله العظيم."
                              
هذا الموقف ومواقف سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ أبو فيصل نصر الدين الغريب ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال ارسلان منذ بداية المؤامرة على سوريا، لا سيما اطلاق "وثيقة الثوابت المعروفية" في اواخر عام ٢٠١٣ بحضور ارسلان وسماحة عقل لبنان ومشايخ عقل سوريا والّتي أكدت وشدّدت على الثوابت الوطنية ضمن المواقف المعروفة الراسخة من خلال السيادة الوطنية ورفض التدخل الخارجي بكل اشكاله، مع التأكيد بأن الوحدة الوطنية غاية وهدف مقدّس. كما أشارت الوثيقة إلى أن القضية الفلسطينية هي محور الصراع العربي الصهيوني وأن تحرير الجولان من اقدس الواجبات الوطنية.

هذه المواقف ومساندة أهلنا هناك لسيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد وذلك لقناعتهم أن البديل عن الدولة ومؤسساتها هو الفوضى والإرهاب، وقد عزّز موقفهم هذا ما حصل في شمال ادلب في جبل السماق حيث أجبرت جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا حوالي ٢٥ ألف مواطن درزي في ١٨ قرية على إعتناق غير مذهب التوحيد وأجبرتهم على إقامة طقوس اخرى، ومجازر داعش والمجموعات الارهابية في السويداء وريفها وحضر والقرى المجاورة لها. كل ذلك دليل بأن أبناء معروف لا خيار لهم سوى عمقهم العربي عبر مدخله الاساس سوريا دولةً ومؤسسات.
 
وفي الختام لا خوف على مستقبل الموحدين، بوجود المرجع الشيخ الأمين وسماحة شيخ عقلٍ ناصر للحق والدين و أمير صادق وللإرث خير حافظ وأمين. فستبقى البوصلة وطنية عروبية واضحة، وسيبقى الدروز رأس حربة بوجه مشاريع التقسيم، فبينما تُعرَض عليهم مشاريع التقسيم وتأسيس كيانهم المستقل، إلا أنهم كما رفضوه سابقاً سيرفضونه دوماً وسيعملون على إسقاطه ورغم  المحاولات العديدة للكيان الصهيوني بإستغلال الدروز وإنشاء كيان مستقل لهم على حدود "إسرائيل" يكون بمثابة درع واق وخط دفاع أول عن كيانه في فلسطين المحتلة...

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram