أوروبا تترنح: حاجة ملحّة للغاز وخشية من أميركا

أوروبا تترنح: حاجة ملحّة للغاز وخشية من أميركا

Whats up

Telegram

يعيش القادة الأوروبيون حالة من الارتباك لا يتمناها أي قائد لوطنه المتطور والذي يعج بالصناعات المتقدمة والعلوم والتكنولوجيا الحديثة. تمر الساعات، لكنها لدى الرئيس الفرنسي والمستشار الالماني والحكومة الايطالية وكذلك البلجيكية كأنها سنين. حالات من التخبط والفوضى تتلوها حالات من الترجي للأميركي من أجل التخفيف من اجراءاته العدائية تجاه روسيا وايجاد مخرج للحرب في اوكرانيا، دون أن ننسى محاولات المانيا وفرنسا الدبلوماسية تجاه روسيا لكي "تشفق" عليهما بعض الشيء.

 

واردات الغاز الأوروبية من روسيا

ارتفع حجم الغاز الطبيعي الذي استوردته دول الاتحاد الأوروبي الـ27 من روسيا منذ عام 2015 من 124.3 مليار متر مكعب إلى 152.6 مليار متر مكعب في العام 2020. تعتمد بعض الدول الأوروبية بشكل حصري على الغاز الروسي، ويبرز في هذا الجانب: جمهورية شمال مقدونيا والبوسنة والهرسك ومولدوفا. كما أن الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي، بلغ نسبة تجاوزت الـ 90 في المائة بالنسبة لفنلندا ولاتفيا، بينما وصل إلى 89 في المائة بالنسبة لصربيا، وفقًا لأحدث البيانات المتاحة في هذا المضمار. أما بلجيكا فبلغت نسبة تبعيتها للغاز الروسي 77%، ألمانيا 49%، إيطاليا 46%، بولندا 40%، وأما فرنسا فوصلت النسبة إلى 24 %. (1)

أوروبا تترنح: حاجة ملحّة للغاز وخشية من أميركا

بالرغم من حاجتها الواضحة الى الغاز الروسي كما تشير الارقام، تتعامل أوروبا مع هذه المسألة حتى الآن بعنجهية غير مسبوقة، وتستمر بفرض عقوبات اضافية على روسيا وعدم موافقة أغلب الدول الاساسية على الدفع بالروبل. في المقابل تستكمل روسيا الضغط على الاتحاد الاوروبي وتسير بخطى ثابتة مع حلفائها باتجاه توجيه الضربة القاضية لكل من يعتقد أنه يراوغ في مواجهتها. فهي تعتبر أن الحرب ليست موقفًا اعلاميًا يطلقه المستشار الالماني هنا أو يراوغ به الرئيس الفرنسي هناك، الحرب تستند الى عوامل رئيسية أهمها التخطيط المتكامل لروسيا مع حلفاء أثبتوا أنهم يتكاملون في أبرز المواقف الاستراتيجية كإيران والصين وسوريا والعراق، بالاضافة إلى مجموعة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي، وصولًا الى دول البريكس. هذا التكامل يؤسس لمرحلة استراتيجية حديثة ربما غابت عن استراتيجية الأوروبيين الذين يلهثون وراء الموقف الأميركي. ويقول مركز الأبحاث الألماني "أجورا إنرجيويند" إنه من خلال الاستثمار في كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة وحدها، يمكن استبدال نحو 80% من واردات الغاز الروسي بحلول عام 2027، ويقترح مركز الأبحاث أنه في حال تم دمجها مع إمدادات غاز بديلة مثل الغاز الطبيعى المسال، فقد تصل إلى 100%. (2)

وجهة الغاز الروسي الجديدة

يسارع مستوردو آسيا إلى شراء شحنات النفط الروسي، لكنَّهم يطالبون بخصومات قياسية تبلغ نحو 30% مقارنةً بأسعار خام برنت القياسي الدولي. ومع ذلك؛ فإنَّ ارتفاع خام برنت هذا العام مع صعود الأسعار بنسبة 60% تقريباً قد عوّض جزئياً آثار خصومات الأسعار. وبلغ متوسط سعر خام الأورال، وهو مزيج التصدير الرئيسي في روسيا، 78.81 دولار للبرميل في أيار/ مايو، أي بزيادة 12% تقريباً عن الشهر السابق. (3)

واعتبر إيفان تيمونين، المستشار في شركة Vygon Consulting، أن الغاز الروسي المصدر إلى أوروبا، يمكن تحويله بالكامل إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بشرط تطوير البنية التحتية التصديرية. وقال الخبير في حديث لوكالة "نوفوستي": "إمدادات الغاز الروسي التي تصدر حاليا إلى أوروبا، من المحتمل تحويلها بشكل كامل باتجاه منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لكن هذا سيتطلب تطويرا نشطا للبنية التحتية التصديرية، بما في ذلك إنشاء خطوط أنابيب غاز جديدة ومصانع لإنتاج الغاز الطبيعي المسال، الأمر الذي سيستغرق وقتا".

وأضاف المحلل إن تحويل الإمدادات الروسية إلى آسيا لا يرجع فقط إلى رغبة المستهلكين الأوروبيين في التخلي عن الهيدروكربونات من روسيا، لكن أيضا إلى عوامل السوق. فبحلول عام 2025، يتوقع أن يكون أكثر من نصف الزيادة في الطلب العالمي على الغاز الطبيعي من حصة الدول الآسيوية، وفي مقدمتها الصين والهند. (4)

أما اذا اردنا مقاربة الموضوع من وجهة نظر اقتصادية، فسنجد أن روسيا تمتلك فائضا ماليا في ميزانها التجاري مما يمكنها ان تستغني عن بعض مداخيل صادرات الغاز الروسي تجاه اوروبا فيما تستبدل وجهة بعض هذه الصادرات تجاه بعض الدول الآسيوية.

الانصياع الأوروبي لأمريكا

بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، اتّبعت أوروبا الخطى الأمريكية لفرض العقوبات ضد روسيا، فخفّضت الأخيرة إمداداتها من الغاز الطبيعي إليها، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز في القارة. ومن المرجح أن يتفاقم الوضع مع تعليق "خط السيل الشمالي - 1"، أكبر خط أنابيب روسي للغاز الطبيعي إلى أوروبا ، للصيانة من 11 إلى 21 تموز/يوليو الحالي. (5)

اتباع أوروبا للخطى الأمريكية ليس بجديد، ففي مراحل سابقة انصاعت أوروبا للولايات المتحدة الامريكية فأغلقت ملف بناء الجيش الاوروبي بالرغم من الغدر الأميركي لدول اوروبا من خلال تحريك مجموعات داخلية بشكل مفاجئ لاثارة الفوضى كـ"السترات الصفراء" في فرنسا، بالاضافة الى دعم القوى السياسية المنحازة لأقصى اليمين في بعض الدول الاوروبية كاليمين المتطرف خاصة في بولندا والمجر وإيطاليا وفرنسا وكذلك اسبانيا.

هذا الانصياع الاوروبي لا ينطلق من وجهة نظر استراتيجية للاتحاد الذي بات يعيش تحت رحمة السياسة الخارجية الأمريكية ومحكوم بأن يكون تحت توجيهات الادارة الامريكية لدرجات متقدمة قد تصل الى تعرض اوروبا للفوضى الاجتماعية في بداية فصل الخريف المقبل في حال استمرت سياسة العنجهية الامريكية والمكابرة الاوروبية تجاه الازمة الروسية الوكرانية، فأوروبا اليوم تترنح، هي تحتاج الغاز الروسي وتخشى السخط الأميركي.


 

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram