المستقبل المنشود

المستقبل المنشود

Whats up

Telegram

1- المستقبل الذي ننشده ونتوق إليه جميعاً هو ان نحيا الحياة الكريمة اللائقة... هو ان نبني لأنفسنا ولأولادنا مجتمعاً حراً راقياً نحيا فيه بحرية وكرامة ومساواة برعاية دولة عصرية ديمقراطية، هي دولة الحق والعدل والقانون والمؤسسات المعبِّرة عن إرادة الشعب والساهرة على تحقيق مصالحه وتأمين عيشه ورفاهيته وسعادته في الحياة... ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين نحن من هذا الهدف الأسمى؟


ان الديمقراطية والإصلاح والحداثة والتغيير وغيرها من الشعارات البراقة التي تَعِدُ بإقامة مجتمع راقٍ تسود فيه قيم الحرية والحق والعدالة والمساواة وينعم أبنائه بالأمن والطمآنينة والسلام... هذه الشعاراتُ والقيم النبيلة أمست كلها أحلاماً بعيدة المنال في ظل تطورات الأحداث العالمية المنعكسة على أوضاعنا المعيشية المتدهورة وفي ظل الأحداث التي تشهدها بلادنا والتي تصبُّ في خانة المشروع الصهيوني التاريخي المعادي لوجودنا وفي خانة القوى الدولية المتآمرة على أمتنا والتي تقودُ هذه الأحداث في اتجاهات الخراب والدمار والفوضى والتقسيم والتفتيت تحقيقاً لمنافعها ومصالحها الإستعمارية وتأميناً لسيطرتها على ثرواتنا الطبيعية وعلى كامل العالم العربي.


 
نعم ان الديمقراطية وبناء الدولة العصرية أمست حلماً بعيد المنال في ظل الغطرسة الأميركانية - الصهيونية وطغيان «الوحشية» و «البربرية» و «العنصرية» والطائفية والرأسمالية الجشعة.


الديمقراطية هي حلمُ الكرامة لكل مواطن في الدولة وهي نظام عدالة وحرية لكل المجتمع ولكن نحن الآن على مسافة بعيدة من هذا الحلم لأننا نعيش في زمن حالك لا عدل فيه ولا كرامة... هو زمن التكفير والعصبيات الدينية، زمن الجهل والتخلف والفساد والانحطاط، زمن الحقد والقتل والمجازر والحرب الكونية على سورية التاريخ والحضارة والهوية... انه زمن البربرية والغطرسة الأميركانية...

نحن الآن في زمن صعب لا يرحم نواجه فيه إستعماراً عالمياً جديداً ومشروعاً صهيونياً إستيطانياً عنصرياً معادياً يريد إلغاء وجودنا الحضاري والقضاء على هويتِنا القوميةِ... ونواجه ايضاً ثقافات سلبية زائفة تغزو مجتمعنا وتسري في شرايينه ودورة حياته الإجتماعية وتحاول تفتيت هذا المجتمع من الداخل.

2- ثقافة الفساد:

وإحدى تجليات الثقافات السلبية الزائفة التي تشكل حاجزاً منيعاً امام طموحات الشعب في الحياة اللائقة هي عقيدة الفساد المتأصِّلة في صلب نظامنا السياسي الطائفي والمستّشرية في مجتمعنا الذي بات خالياً من قيمه وفضائله... فماذا نقول عن جرائم الفساد المنظَّم التي تمنع قيام الدولة الديمقراطية الحديثة، دولة القانون والمؤسسات التي تحمي المواطنين وحقوقهم وحرياتهم؟ هل نحدثكم عن الفساد السياسي وعن المُفسدين من أمراء السياسة والمال والطوائف وتقاسم النفوذ والمحاصصة فيما بينهم وسوء استخدامهم السلطة لمصالحهم الشخصية والعائلية والمذهبية؟ هل نحدثكم عن قراصنة الفساد المالي والإداري والأخلاقي وعن هدرهم للمال العام وسرقاتهم وإثرائهم اللامتناهي؟... أم نحدثكم عن التوافقية على الحصص والمنافع بين المرجعيات الطوائفية والمذهبية والعشائرية وعن عبثها بمواد الدستور وأحكامه؟... الحديث عن الديمقراطية الكاذبة وعن لبنان المزرعة المسيَّجة بأسوار الطائفية والإقطاعية والإنعزالية والمحروسة بالمافيات اللصوصية وبشياطين الفساد والإفساد الذين يستبيحون البلاد بجرائمهم قد يطول إذا ما أردنا ان نتطرق إلى عمليات التزوير والتهريب والإختلاس المالي المنظَّم والمقونّن وإلى المحسوبيات والهدر والفضائح في العديد من ملفات الغذاء والكهرباء والجمارك والنفايات والأدوية والمستشفيات والإنترنت والمرافىء وغيرها من الملفات في كل مرافق الدولة ومفاصلها... وللإختصار، نقول ان السياسة اللبنانية برمتها قائمة على الفساد... وهذا المرض المُزمّن أمسى ثقافة عامة وظاهرة مستفحلة تزيد في مديونية الدولة وتساهم في انحلالها وتقود المجتمع بأسره إلى الهلاك.


3- حلمُ الديمقراطية:

حلمُ الديمقراطية لا يمكن ان يتحقق بوجود ظاهرة الفساد المدمِّرة وبوجود تجمعات طائفية منغلقة على بعضها تقيم الحواجز الروحية والإجتماعية – الحقوقية بين أبناء الشعب الواحد.. فتسجنهم في معتقلات الخوف والتقوقع والإنعزال وتوَلِّدُ فيهم التطرف والإستعلاء والكراهية لذوات الأخرين من أبناء الطوائف الأخرى.. فالطائفيةُ من حيث هي شعورٌ بالتمايزِ عن الآخرينَ لا تؤمنُ بالديمقراطيةِ الفعليةِ ولا تلتقي معها فإحداهُما تُلغي الأُخرى. أما الديمقراطيةَ التي تعني التعبير عن إرادة الشعب فتقومُ على العدلِ وسيادةِ القانونِ والمساواةِ في الحقوقِ والواجباتِ ولا تعرفُ التمييزَ بين المواطنينَ على أساسِ الدينِ أو العِرْقِ أو الجنسِ أو اللون.

لا يمكن مواجهة الثقافات السلبية وكل أشكال الفساد بالإعلام المأجور وبالتحريض والخطابات الكاذبة... بل بالكلام العقلاني الصادق والأعمال المميزة والنفسية المعطاءة والمواجهة الفاعلة على كل الجبهات... نواجهها بالفكر الراقي والثقافة الصحيحة القائمة علىى المحبة والتسامح والحوار والإنفتاح والمرتكزة على العلم والمعرفة والعقول النيّرة، ثقافة التعمير والبناء والإنشاء، ثقافة الحياة الطامحة إلى الخلق والتفوق والإبداع والهادفة إلى قيامة المجتمع ورقيه وتحقيق الوعي فيه من خلال نهضة شاملة ومتواصلة نحو الأرقى والأجمل..

4- علة الأمة: الطائفية

نحن نؤمن بحقيقة هذه الأمة وبمواهبها وقدرتها على النهوض وتعلمنا من أنطون سعاده سياسة الحق والصدق والصراحة لهذا الشعب، وهي سياسة تعليمه وإفهامه حقيقة وضعه وتأخره، حقيقة أسباب انحطاط الأمة، وعلة شقائها... وعلة العلل هي الطائفيةَ التي تعطِّلُ وحدة المجتمع بكونها مرضٌ سرطانيٌ قاتلٌ وشرٌ تفتيتّي يُعمي بصيرة الأمة ويفكِّك جسمها الإجتماعي... وتعلمنا منه ان نرفض سياسة الثعلبة والتكاذب والنفاق وان لا نستهزىء بأماني الشعب وآماله... يقول سعاده: «نحن لا نستهزىء، ولا ندوس أماني الشعب بأقدامنا، بل نرفعها على هامنا ونبذل دماءنا ونفوسنا في تحقيق اماني الشعب». بهذه المناقب الجديدة نحن نعمل للتغيير ونعتبر ان الإصلاح هو مطلب ضروري وحاجة ملحة في كل شأن من شؤون حياتنا القومية ولا يمكن لأي عاقل أن يتنكر له او يتغاضى عنه. فكيف يمكننا ان نعالج أزماتنا السياسية ومشاكلنا الإقتصادية وأمراضنا الإجتماعية ان لم نبادر إلى إجراء إصلاحات جذرية تعتمد الحلول العلمية وتؤدي إلى اجتثاث الطائفية وإسقاط النظام الفاسد الذي يشرعن الإمتيازات الطائفية ولا ينتج إلا الحروب الأهلية؟

كيف لنا ان نواجه الأطماع الصهيونية في سرقة نفطنا ومياهنا ومواردنا وفي ابتلاع وطننا بأكمله ما لم نباشر بإصلاح مجتمعنا وإخراجه من مستنقع الإنحطاط والتقهقر وتحصّينه بثقافة البناء والتجديد وبالوعي القومي الصحيح الذي يؤسس لوحدته وبعث فضائله النبيلة..

5- الإصلاح الفعلي:

نحن لا نطلب الإصلاح من الخارج، من الغرب الإستعماري الكاذب والفاقد وجدانه الإنساني ومن أميركا بالتحديد التي تتبَّجح بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات ولكنها تدعم دولة الإغتصاب الصهيوني العنصري وأنظمة الإستبداد والديكتاتورية والرجعية والفساد التابعة لها وتحارب القوى النهضوية والأنظمة الوطنية الرافضة لهيمنتها والداعمة للمقاومة ضد الإحتلال الصهيوني وتنشر الفوضى الهدّامة وجراثيم التخريب في العالم وتفتعل الفتن والحروب وترعى الإرهاب تحقيقاً لمصالحها الإستعمارية وطمعاً بالهيمنة على العالم والسيطرة على موارد الأمم.

ونحن لا ننتظر ان يهبط الإصلاح علينا من السماء او من عالم الغيب او ان يأتي بواسطة الدكاكين السياسية والعائلية وحراّس هذا النظام المتخلّف: مجموعة الذئاب الطائفية والإقطاعية المرتهنة للإرادات الخارجية والتي تأكل حقوق الناس والضعفاء ولا تكِّف عن استغلال الشعب بطرق التجهيل والتخويف والتجويع وبسياسات الإذلال والتسلط وقمع الحريات.


 
ونحن لا نرى الإصلاح حاصلاً بالأحلام والتمنيات وبتغيير المجالس والحكومات ولا نراه متحققاً بالجعجعة والبهورات السخيفة وبرفع الشعارات الزائفة وتحريك العصبيات المذهبية ولا بإعتماد الحلول الإرتجالية الترقيعية والقوانين الطائفية وغيرها من المسكّنات.. بل نراه نابعاً من ذواتنا بالعقل والإيمان، بالإدراك والإبداع، بالإرادة الفاعلة والبطولة المؤمنة، بالتخطيط البديع والرؤيا الواضحة، وببناء النفوس بناءً جديداً في المعرفة الفاضلة والعقيدة الصالحة والمناقب الجديدة التي تزرع الفضائل النبيلة وتؤسس حياة جديدة للأمة فيها الخير والبحبوحة والمحبة والمثل العليا والجمال.

إن الإصلاحَ الفعلي لا يكون بالتآويل البغيضة وتحريك العصبيات المذهبية والدفاع عن حقوق هذه الطائفة او تلك بل يكون بتوليد الروح الوطنية وإعتماد القوانين العصرية والتشريعات المدنية وتأمين حقوق الشعب بكل فئاته وشرائحه الإجتماعية وخاصة الفقراء والمحرومين والمسحوقين بالظلم والجوع والبطالة والحرمان. وهذا الإصلاحُ يحتاجُ إلى إرادة الوطنيين والقوميين وكل التيارات والتنظيمات والأحزاب العلمانية وكل قوى المجتمع الحيّة التوّاقة إلى الأفضل لتتعاون معاً من أجل تعميم ثقافة الحوار الديمقراطي وبلورة مشروع جدي وشامل للتغيير والإصلاح يساهم بتفكيك النظام الطائفي الفاسد ويهيء الأسباب والظروف الكافية لقيام الدولة الديمقراطية العصرية.


 
وهذه الظروف لا تتهيأ من دون استنهاض المجتمع وبعث فضائله وقيمه الوطنية والجمالية ومن دون مواجهة المفاسد والمثالب الأخلاقيةِ والثقافات الإنهزامية الزائفة والمدمّرة لحياتنا والتي تنخر في جسد الأمة وتزِّيفُ حقيقةَ نفسيتهاِ الأصليةِ وتُفسِدُ عقول الأفراد والشبابَ وتُغرِّرُ بِهِم فيندفعونَ إلى حضيضِ المُثُل السفلى في خدمةِ القضايا الخسيسةِ والتشكيلاتِ الطائفية.

إن إصلاح المجتمع الجدّي يستوجب منا ان نستثمر في التربية القومية الصحيحة بواسطة المؤسسات الجديدة النابضة بالحياة وأن نباشر بإعداد أجيال واعية متسلحة بالعلم والأخلاق والوجدان.. أجيال تدرك معنى الحرية والكرامة والإستقلال فلا تتأثر بالثقافات الغربية والظلامية الممنهجة ضد أمتنا بل ترتبط بهموم مجتمعنا وبحاجاتِهِ ومصالِحِه وتعمل بناءً وإنتاجاً وإبداعاً لخير الأمة وتقدمها.

الإصلاح الحقيقي لا يتحقق وفق المصالح الإنتخابية لهذا الزعيم او ذاك ولا يتحقق بمراعاة الأوزان الطائفية والمذهبية والقوى الإقطاعية والعشائرية والعائلات النافذة التي تكبل مفهوم الدولة وتقتات من حضورها... بل يتحقق، أولاً، بفصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين، ويتحقق، ثانياً، بالإعتماد على فكرة الشعب ووحدة المجتمع والإنتماء إليه وعلى فكرة المواطنة والمساواة بين جميع المواطنين دون تمييز.


 
إن الإصلاح يعني الصلاح فكراً وعملاً وقيادة واعية ومؤهلة تحوز على ثقة الشعب وتأييده ولا يكون إصلاحاً حقيقياً إلا بإعتماده على الوضوح والأخلاق والتنوير ونشر قيم الحداثة والعقلانية والثقافة الهادية والمبادىء النهضوية الصالحة التي ُتقدّمُ الأُسسَ الواضحةَ لقيام الأمة من قبر التاريخ ولبناءِ دولتها الديمقراطيةِ العصرية التي تهتم بمصالح الشعب وحاجاته وبأهدافه السامية في الحياة.

وبإختصار، نقول ان الإصلاح الحقيقي هو عمل نهضوي شاملٌ وواضحٌ يعتمد على التخطيط السليم وقوة الإبداع والعقل الواعي والفاعل وغايته إصلاحُ العلةِ في أهلِها وإيصالُ الشعبِ إلى خيرِه وتمكينه من تحقيق تطلعاته ومثله العليا. وهذا الإصلاح لا يمكن ان يتحقق على أيدي الإنتهازيين والنفعيين والفاسدين المراوغين... فإصلاح هؤلاء هو إصلاح شكلي وترقيعي عقيم، وإصلاح وصولي تدجيليٌّ قائم على النفاق والخداع والمنفعة لأن غايتُه إبقاءُ القديمٍ على قِدَمِه. أما الإصلاح الحقيقي فلا يحققه إلا المصلحون الأخلاقييون، المصارعون، الذين آمنوا بمناقب جديدة كفيلة بإنقاذ المجتمع من فساده وانحطاطه... فهؤلاء هم الصالحون الصادقون الذين آمنوا بالشعب وراحوا يناضلون ويواجهون الظلم والطغيان والإحتلالات ويتعرضون للإعتقالات والسجون وللخطف والإغتيالات ويتسابقون للشهادة من أجل الدفاع عن هذا الشعب وكرامته القومية ومن أجل تحقيق الغايات السامية وإقامة الدولة الديمقراطية الحديثة التي توفِّرُ الخيـر والعز والازدهار لجـميع ابنائها.


 
الديمقراطية الحقة ستبقى حلماً بعيد المنال إذا تقاعسنا عن واجباتنا وتخلينا عن مسؤولياتنا. الواجب يدعونا لأن نتعاون معاً لنرفع مداميك هذا الوطن الجميل ونبني قصور الحب والأمل والجمال والإبداع بإيماننا وعزيمتنا، بصدق إلتزامنا ومحبتنا القومية لشعبنا، بنفوسنا الجميلة المتفوقة والقادرة على التغلب على كل ما يعترض طريقها إلى الفلاح.. فتعالوا لنحّول وطننا إلى نعيمٍ بالتعاون والعمل والإنتاج... بالمناقب والأخلاق... بالبذل والتضحية والعطاء وبالبطولة المؤمنة ووقفات العز وبالمقاومين الأحرار الذين يتصدون للعدو المحتل وللإرهابيين المجرمين ويروون بدمائهم الزكية أرضنا الطيبة لتنبت شقائق حرية وخير وحق وجمال.  

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram