محور المقاومة والحرب النفسية: أي رسائل تلقفتها "إسرائيل"؟

محور المقاومة والحرب النفسية: أي رسائل تلقفتها

Whats up

Telegram

"تجربتي تدلّ على أنّ صواريخ حزب الله لن تصدأ بل ستصبح على مدى السنوات المقبلة ذات مدىً أبعد وأدقّ". (رئيس أركان قيادة الجبهة الشمالية السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي، العميد آشر بن لولو، 2021).

رسالة جديدة نجح حزب الله في إيصالها إلى الاحتلال الإسرائيلي، وهي التعاظم المستمر في قدراته العسكرية، وذلك على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله في خطابه اليوم. كشف السيد نصر الله عن إنجازات عسكرية جديدة للمقاومة في لبنان، وهو الأمر الذي دائماً ما تقرأه "إسرائيل" بعناية واهتمام. حزب الله أثبت في السنوات الأخيرة قدرة عالية على توجيه الرسائل الموجزة والسريعة إلى "إسرائيل" بشأن التطور النوعي لديه في الشق العسكري، رداً على التهديدات الإسرائيلية، ليرفع بذلك مستوى قواعد الاشتباك مع الاحتلال.

الأمر الذي تلقفه عدد من المحللين الإسرائيليين، إذ علّق خبير شؤون الشرق الأوسط وإيران الإسرائيلي داني سيترينوفيتش، على تصريحات السيد نصر الله قائلاً إنها تعني "كسر التوازن، وتغيير قواعد اللعبة".

ولم يلبث الأمين العام لحزب الله أن أنهى خطابه اليوم، حتى سارع الإعلام الإسرائيلي إلى التعليق على كلامه. العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلت خطاب السيد نصر الله، مع التركيز على كلامه عن امتلاك حزب الله القدرة على تحويل آلاف الصواريخ الى صواريخ دقيقة، لينشغل إعلام الاحتلال بما حمله الخطاب من رسائل ومعانٍ.

إذ رأى موقع "القناة الـ 12" الإسرائيلية أنّ "حزب الله اليوم ليس بحاجة إلى التزود بالصواريخ الدقيقة من إيران". خطاب السيد نصر الله لم يكتف بعرض تطور قدرات حزب الله العسكرية، بل تعدى ذلك إلى الإعلان المباشر والواضح بأن "إسرائيل سوف تزول". وهو ما ركز عليه الإعلام الإسرائيلي وتناقله بشكل واسع.

 يبدو واضحاً أنّ إعلان السيد نصر الله عن امتلاك الحزب القدرة على تحويل الصواريخ إلى صواريخ دقيقة، والكشف عن التصنيع الذاتي للمسيّرات، شكّل صدمة لدى الاحتلال الإسرائيلي، وإرباكاً له على الصعيدين العسكري والاستخباراتي، إذ إن الأمين العام لحزب الله حذّر من أنّه "إذا تجرأ العدو على القيام بتنفيذ عملية ما بحثاً عن صواريخنا (الدقيقة) فقد نكون أمام عملية أنصارية 2".

فقدرة حزب الله على تصنيع المسيّرات، أي ليس الحصول عليها جاهزة أو شراءها، أثار قلقاً واضحاً لدى الأوساط الإسرائيلية من المعرفة والقدرات التي باتت تمتلكها المقاومة.

الحرب النفسية التي يشنّها السيد نصر الله في خطاباته ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتي تعكس الإمكانيات العسكرية الكبيرة للمقاومة، تظهر عبر قدرته على التأثير على الإسرائيليين وقيادتهم السياسية والعسكرية. ذاكرة الإسرائيليين تختزن الكثير من تعابير ومواقف الأمين العام لحزب الله، التي تجد طريقها دائماً إلى المسّ بوعي الجبهة الداخلية لـ"إسرائيل".

مقاومة متعددة الجبهات.. الحرب النفسية بالصوت والصورة
هذه الحرب النفسية تجريها المقاومة على جبهات متعددة، ليس في لبنان وحسب، بل في فلسطين أيضاً. إذ تؤكد المقاومة حضورها وقدراتها واستعدادها، وهذا ما توليه"إسرائيل" اهتماماً وتعتني به بلا استخفاف، لكن الأهم هو استخدام المقاومة للصورة والفيديو، ضمن معركة التوثيق وكي الوعي والحرب النفسية.

أظهر نشر الإعلام الحربي، أمس الاثنين، مقطعاً مصوراً يظهر فيه مجموعة من عناصر حزب الله يجرون تدريبات على الثلوج، تطوّر قدرات المقاومة. ويأتي نشر هذا الفيديو تزامناً مع ذكرى القادة الشهداء التي يُحييها حزب الله في مثل هذا اليوم من كلِّ عام، وقبيل كلمة السيد نصر الله، التي ألقاها اليوم.

أدرك الاحتلال مغزى الرسالة التي تقع خلف نشر هذا المقطع، إذ علّقت وسائل إعلام إسرائيلية على المشاهد، واعتبرت صحيفتا "إسرائيل هيوم" و"معاريف" أنّ "إطلاق نار في الثلج باتجاه أهداف عليها نجمة داوود يظهر استعداد حزب الله للمواجهة مع إسرائيل"، كما لفتت إلى أنّ "الفيلم نُشر في إطار الحرب النفسية".

لا يخفى أنّ الحرب النفسية التي يشنّها محور المقاومة، لا سيما حزب الله، على الاحتلال، يحاول في مقابلها الإعلام الإسرائيلي أن يُخفي فيها المشهد الحقيقي لتأثيرات هذه الحرب على الشارع الإسرائيلي ومعنويات الإسرائيليين، بالرغم من بعض التسريبات التي ينشرها إعلام الاحتلال.

ففي الصراع العسكريّ بين حزب الله و"إسرائيل"، هناك ردع متبادل وتوازن قوى بين الطرفين، لكن في الحرب النفسية والإعلامية بينهما، هناك تفوق واضح لحزب الله، وفق الإعلام الإسرائيلي، لأنه أدرك نقاط ضعف المجتمع الإسرائيلي، وأدرك كيفية استثارة قلق الداخل عبر الصوت والصورة.

صواريخ القسام.. من سديروت إلى كل فلسطين
لم تكتفِ المقاومة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة بشحذ قدراتها العسكرية عبر تطوير الصواريخ والطائرات المسيّرة، بل رافق ذلك بشكلٍ موازٍ تطوير وصقل قدراتها الإعلامية، لا سيما عبر بث مقاطع مصورة تظهر قدرات المقاومة الفلسطينية، وذلك في سياق الرسائل الإعلامية والنفسية التي توجّهها للاحتلال الإسرائيلي.

بالتوازي مع انتشار فيديو الإعلام الحربي في لبنان، "زأرت" حركة "حماس" بلغة الصواريخ أيضاً اليوم، عبر بث مقطعٍ مصوّر لمراحل تطور صواريخها في مناسبة الذكرى الـ19 لاستشهاد القائد القسامي، وصانع الصاروخ الأول، نضال فرحات. حرصت كتائب القسام على استعراض تعاظم رعبها من غزة عبر الفيديو الذي حمل عنوان "صواريخ القسام من سديروت إلى كل فلسطين"، إحياءً لذكرى فرحات الذي دكّ مضاجع الاحتلال خلال حياته. 

 

تطوّر إعلام فصائل المقاومة الفلسطينية لم يحصل بشكلٍ عشوائي، بل كان متدرجاً ومعدّ له بشكل مسبق، وقد أتى نتيجة تراكم خبرات ودروس من التجارب السابقة، لا سيما تجربة الاحتلال الإسرائيلي في خطابه الإعلامي. وتأتي خطوة "حماس" اليوم كجزء من الحرب النفسية الدعائية، والتي تشكّل عنصراً هاماً في أي حرب، خاصة وأنها تساهم في إضعاف معنويات الاحتلال والتأثير على جبهته الداخلية.  

"خيبر شكن" يربك "إسرائيل"

تطور قدرات محور المقاومة يأتي بالتوازي مع التهديدات الإسرائيلية في ملفات المنطقة، من سوريا إلى لبنان وفلسطين وكذلك إيران. فلم يكن مفاجئاً أن تظهر "إسرائيل" مربكة إزاء إعلان إيران منذ الأسبوع الفائت عن الصاروخ الاستراتيجي بعيد المدى "خيبر شكن"، كأحدث إنجاز استراتيجي للأسلحة الإيرانية من إنتاج القوة الجوفضائية لحرس الثورة. الصاروخ الذي أزيح الستار عنه بمناسبة الذكرى الـ43 لانتصار الثورة الإسلامية، يُعدّ ضمن منجزات الجيل الثالث من الصواريخ بعيدة المدى التابعة لحرس الثورة، وتمّ تصميمه، من الفكرة إلى الإنتاج، من قبل العلماء في سلاح الجو التابع لحرس الثورة الإيراني.

توقيت الكشف عن الصاروخ لم يكن عبثياً، فهو أتى قبل أيام من استئناف الجولة الثامنة من مباحثات فيينا، إذ اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ الهدف من كشف إيران عن الصاروخ الجديد في هذا التوقيت هو "التلميح لمن يتفاوضون على اتفاق نووي جديد ولإسرائيل وآخرين بأنّ البديل لاتفاق غير جيد للإيرانيين هو الحرب والتصعيد". 

وقال معلق الشؤون العربية في "القناة 13"، حيزي سيمانتوف، إنّ إيران "كشفت عن صاروخ بالستي من إنتاج حرس الثورة مداه 1450 كلم، ونظرياً قادر على الوصول إلى إسرائيل. وهذا ليس الصاروخ الأطول مدى، ولديهم صواريخ مداها 2000 كلم". وأضاف أنّ "الادعاءات الإيرانية من حيث المدى واختراقه القبة الحديدية تُفحص في الغرب، ويمكن الافتراض أيضاً أنّها تفحص في إسرائيل". 

بدورها، اعتبرت صحيفة "إسرائيل هيوم" أنّ اسم الصاروخ "كاسر خيبر" يرمز بنحوٍ واضح إلى أنّ هدفه هو "إسرائيل"، ووصفت الصاروخ بأنّه "تحدٍّ إيراني مقابل جهود الغرب".

لا يخفى إذاً أنّ إيران تعمل على بثّ الرسائل النفسية لتخترق عقول القادة الإسرائيليين. فأصداء الكشف عن الصاروخ، وما حمله من رسائل ودلالات، كان تأثيره واضحاً. أدرك الاحتلال مغزى الرسالة جيداً، بأن الردّ حاضر دائماً، لا سيما وأنّ هذه الخطوة تُعدّ جزءاً من معركة شاملة على الوعي، على خلفية استئناف المفاوضات النووية في فيينا، وتزايد التهديدات الإسرائيلية.

صراع المقاومة، في مختلف جبهاتها، مع الاحتلال الإسرائيلي ليس صراعاً عسكرياً فقط، بل أدخل في الصراع معها الجوانب الإعلامية والمعنوية والنفسية، وهي جوانب تعاني "إسرائيل" من مكامن ضعف وخلل فيها.  الحرب النفسية لا تقل أهمية عن الحرب الميدانية، وقد أعدت المقاومة لها كما أعدّت السلاح.

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram