الترسيم... "عَسس لبناني" في خدمة واشنطن

الترسيم...

Whats up

Telegram

حسناً، جاء الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتاين إلى المنطقة، لكنه اكتفى بزيارة تل أبيب ثم غادر ، فماذا حصل؟ لا شيء سوى أن وعود بعض اللبنانيين بهبوطه في بيروت قد خابت.

الخيبة الأولى، أتت من الطرف الذي يُراهن على إحداث تغييرٍ في ظلّ "إدارة هوكشتاين" للملف، ولعلّ هذا الطرف أدرك أخيراً أن المسؤول الأميركي الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية بالمناسبة، لا يفرق عن غيره من حيث الأداء بل ويزيدهم بفارق بسيط: قدرةٌ أكبر على المراوغة والمماطلة.

الخيبة الثانية، أتت من جهة المتابعين للملف الذي كانوا يراهنون على حلّ قريب وفق الرؤية الأميركية، فوجدوا أن الطريق إلى ذلك ما زال طويلاً ومحفوفاً بالتحديات، ثم انه ولا زال في جعبة الفريق الحريص على سيادة لبنان على كامل مياهه، أدوات قوية يمكن توظيفها في المواجهة.

الخيبة الثالثة كانت سياسية الطابع، فمن راهن على تنازلات من الطرف اللبناني تتيح للوسيط الأميركي مرونةً أكبر في التحرّك عند الجانب الإسرائيلي، قد تفضي في نهاية المطاف إلى توقيع ما يشبه "إعلان نوايا" حيال تصور واضح حول الترسيم، فشل، بدليل أن كلّ التقديمات المجانية التي صُدّرت من الجانب اللبناني كانت "لزوم ما لا يلزم". إلى جانب ذلك، ثبت بالوجه الشرعي أن دائرة اهتمامات الوسيط منحصرة في الرؤية الإسرائيلية.

الخيبة الرابعة، ظهرت مع العودة إلى خيار تبنّي الخط رقم 29 من خلال مضمون الرسالة التي بعثَ بها إلى الأمم المتحدة عبر وزارة الخارجية اللبنانية، والتي طيّرت مبدئياً كلّ التصورات المشوهة التي عمل على استبدال الخطّ المذكور بها.

لقد ثبت عملياً في ضوء التطورات الحاصلة، أن الجانب الأميركي يريد تنازلات أكثر وأكبر، ولا يكفي كلّ ما قُدّم له من الطرف اللبناني، وهنا يبدو أن التخلّي الرسمي عن الخطّ 29، والذي يروّج له أكثر من طرف على أنه "الخيار الأمثل" للعودة إلى طاولة التفاوض، لم يؤت غرضه، وعلى الأرجح لن يؤتيه بفعل التطورات الحاصلة الآن، ولو أن "فرقة المستشارين" عاودت منذ الأمس تحرّكاتها على كافة الخطوط من أجل وأد اي خطوة تُعاكس الرغبة الأميركية.

عملياً ما الذي سيحدث الآن؟

سيهرول الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت (يتوقع أن يزورها الثلاثاء) التي تجاهلها حين زار تل أبيب قبل أيام، في محاولة منه للإلتفاف على إعادة العمل بالخطّ 29، وسيستبدل مراوغته ومماطلته المواكبة من جانب سفارة بلاده، بمحاولة إنتاج أفكار "جذابة" لإحراج فإخراج الداعمين لسيادة لبنان على كامل مياهه.

على المقلب اللبناني، سيبقى النقاش سائداً على الخطوط وسط تدخّلٍ من "طاقم المستشارين" المنتشرين لدى المراجع وسائر الوزارات، وسيكرر العدو محاولاته التسلّل إلى عمق المياه الدافئة اللبنانية، بالتوازي مع ذلك، بدأت تُطرح "دراسات جدوى" حول الخطوط، تدفع صوبها الجهات الرافضة للخطّ 29، لأسبابٍ باتت معروفة. من زاوية أخرى، ما زال البعض يعمل وبتأنٍ على ترسيخ وتثبيت الخطّ 23 "المعطوب" من حيث أسس الترسيم، على قاعدة أنه "الخطّ الأفضل" لبلوغ درجة التفاوض وفق الرؤية الأميركية وفي خدمتها، وهنا يتمّ تجاهل كلّ التجارب السابقة من حيث مراوغة الطرف الأميركي، ما يعني عملياً إتاحة المجال أمام الجانب الإسرائيلي لمزيدٍ من المناورة بهدف "تقليص" الحضور اللبناني إلى "خطّ هوف"، وهو الهدف المنشود إسرائيلياً، والذي يتيح تقسيم منطقة الـ860 بين الجانبين، والذي سيكون العبور إليه سهلاً ما دام أن الساسة اللبنانيون يتمركزون عند "ساتر الـ23".

العلّة في كلّ ما تقدم، أنه يجري طمس كل التوجيهات الرسمية التي أُبلغت سابقاً إلى الوفد العسكري التقني بصفته معنياً وحده بشؤون المفاوضات غير المباشرة مع العدو، ومنها توجيهات الرئيس ميشال عون إلى الوفد بضرورة المطالبة بأقصى حدود ممكنة ألا وهي النقطة 29، فمن هو صاحب القدرة الخارقة في الداخل والمتحرّر من المحاسبة، الذي له أن يضرب بتوجيهات الرئيس عرض الحائط؟

ليس ذلك فقط، بل إن البعض بلغت به الثقة بالنفس حدّ القفز فوق القضاء! فهيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل كان لها موقفٌ من الخطّ 23 الذي تدعو إليه الفصائل السياسية كافة، لكي يكون منطلقاً للترسيم. فقد قالت "الهيئة" في إحدى الإستشارات، أن الخطّ تعتريه شوائب تقنية عدة، وقد طالبت بتعديله فوراً. من هذه الزاوية لا بدّ أن يأتي التعديل لمصلحة الخطّ 29 وبالتالي لمصلحة تعديل المرسوم 6433 الوحيد القادر على تثبيت حق لبنان نهائياً، فماذا حصل؟ لا شيء حقيقة سوى محاولة الإجهاز على القرار بشتى الطرق الممكنة!

وفي المناسبة ثمة حوادث أخرى مشابهة تحيل النيّة في السير بملف الترسيم وفق رؤية قومية لبنانية بحتة إلى الشكّ، بدليل تطيير الدراسة المؤلفة من 30 صفحة والتي وضعت في متناول مجلس الوزراء الحالي للإطلاع عليها واتخاذ ما يلزم بالنسبة إلى الملف. وليس سراً أن الدراسة تضمّنت شروحات فنية وقانونية وافية حول طبيعة الخطّ 29 وعدم صلاحية مثيله ذات الرقم 23، وإلى الآن لم تُطرح الدراسة على طاولة مجلس الوزراء، وعلى الأرجح أنها طارت أو ستطير كما طار غيرها من دراسات.

كلّ ذلك يوحي بأن المواجهة ستكون شرسة عند الضفة اللبنانية، بالإضافة إلى ذلك، تمثّل هذه القضايا منعطفاً بالنسبة إلى الجانب الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي، المراهن على اتّساع فجوة الخلافات اللبنانية ما يتيح له العمل بهدوء، طالما أنه نال من المرسوم المودع لدى الأمم المتحدة حرية العمل ضمن المنطقة الفاصلة ما بين الخطّين 23 و 29!

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram