استجرار الغاز: المصريون "آخر" من يعلم!

استجرار الغاز: المصريون

Whats up

Telegram

حسنًا، حطَّ وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، الرِحال في القصر الجمهوري مبشّراً: لقد تبلغَ المصريون إستثناءً أميركياً حول الغاز! يُصبح من المفترض أن يعني ذلك أمراً واحداً: الإمدادات ستبدأ بالتوافد إلى لبنان تدريجياً، والكلّ بات لديه علم وخبر ، رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ونزولاً إلى آخر السلسلة، ما خلا جهة واحدة، المصريون!

عملياً، دخل الحديث في التداول بدءاً من صباح الأمس على لسان رئيس الحكومة العائد لتوّه من القاهرة. أعلن ميقاتي عبر حديث صحفي أن "المصريين نالوا استثناءً أميركياً يتيح لهم مدّ لبنان بالغاز"، وهذا إنما يعني شيئاً واحداً، أن المصريين أبلغوا رئيس حكومة لبنان بنجاحهم في الحصول على الإستثناء وما هي سوى فترة قصيرة ويبدأ الضخّ. استتبع ذلك خلال فترة بعد الظهر بموقفٍ أبلغه وزير الخارجية العائد بدوره من زيارة إلى الولايات المتحدة "مجهولة باقي التفاصيل"، إلى رئيس الجمهورية، بأن "المصريين تبلغوا من الأميركيين استثناءٍ في مجال توريد الغاز إلى لبنان"، مضيفاً عليها جملة تبشيرية أخرى تثير الجدل: "الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين في طريقه للعودة إلى لبنان للبحث في مسألة ترسيم الحدود". وتوزيع النبأ بنفس التاريخ وعبر شخصيتين وبعنوانين مختلفين ومن خارج الإعلان الرسمي الذي يفترض أن يتمّ عبر بيان ، له أن يحيلنا إلى الشك بطبيعة ما تقدم، فهل نحن أمام تسابق سياسي أو نزاع على "أبوّة" الإعلان أم أنه كناية عن تنسيق "متّفق عليه"..؟

لغاية هذه الساعة لم يتمّ تأكيد المعلومة من مصدرٍ رسمي مصري، لكن ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد، أن مصدراً على إتصال دائماً بالجانب المصري ومعني في هذا الملف أكد لـ"ليبانون ديبايت" أنه لا يمتلك أية معطيات حول حصول أي تطور في هذا الشأن حالياً. وربطاً بمدى اتساع علم المصدر ذاته بالموضوع وما اوحت به العبارة، يمكن الاستنتاج أن ما زعم به المسؤولين اللبنانيين "مضخم" وله وأن يحيل الرواية اللبنانية إلى الإشتباه أو "سوء التقدير"، أو أن ينسفها من أساسها.

عملياً، يمتلك الجانب المصري إستثناءً أميركياً منذ مدة طويلة يُتيح له نقل الغاز إلى سوريا تمهيداً لنقل هذه الأخيرة، الكميات المرصودة إلى لبنان. الخلل الذي يعتري البدء في العملية، يكمن في اشتراط الجانب المصري تضمين الإستثناء الخطي المبدئي الحاصل عليه و الصادر عن البيت الأبيض، قراراً تشريعاً يُصدره الكونغرس ويتضمن إعفاءً بالإسم للشركة المصرية القابضة من أية عقوبات محتملة ضمن مندرجات قانون "قيصر"، وهي القضية التي سارت ببطء شديدة نتيجة البيروقراطية الأميركية. فهل إن الجانب المصري نال التفويض المطلوب من الكونغرس؟ ثمة إشارات لا توحي بذلك بعد.

في الواقع، التعاطي الرسمي اللبناني أتى منذ اللحظة الأولى على شكل مقايضة أو ترابط في الملفات، بدليل تعمّد وزير الخارجية الجمع ما بين "الإستثناء المصري" و "قرب عودة الوسيط الأميركي في شأن الترسيم"، رغم أن الملفين يفترض أنهما منفصلان عن بعضهما. غير أن الواقع يشي بعكس ذلك، فقد سبق أن سرت معلومات في بيروت حول ممارسة الجانب الأميركي ضغوطاً في هذا الصدد، كانت تربط ما بين مستقبل وصول الغاز المصري إلى لبنان، ورؤية هذا البلد حيال موقفه من ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع العدو الإسرائيلي، مما أدى لاحقاً إلى تنازلات تولّى الجانب الرسمي اللبناني تقديمها بشكل منفرد ومجاني ومستقل، على شكل التراجع عن الخط 29 الذي يمنح لبنان ما يفوق 1400 كلم مربع إلى الخط 23. وبالعودة إلى الفترة ذاتها، كان مطلعون على الموقف المصري يبدون اعتقادهم أن الطرف الأميركي، يتعامل مع ملف استجرار الغاز المصري نحو لبنان من زاوية تحقيق مصالح أميركية محض. فلن يكون هذا الإستجرار مجانياً، بل على الحكومة تحديد موقفها من عدة قضايا: ترسيم الحدود البحرية وإنجاز الإنتخابات النيابية، وهي النقاط التي كانت مصادر ديبلوماسية دولية شديدة الإلتزام بها وإنما كانت تعتقد أن غياب الكلام العلني حول هذا الملف، ينمّ عن وجود قنوات خلفية للتباحث حوله والوصول إلى ضمانات فيه، وهو ما بدا في أعقاب كلام وزير الخارجية أنه يحصل.

الملفت للنظر، أن موقف بو حبيب حول موعد عودة عاموس هوكشتين، يتزامن مع كلام مسرّب منسوب لهذا الأخير وربطاً به عن المستويات الأميركية في لبنان، من أن الزيارة بحكم المؤجّلة حالياً بسبب معاودة فيروس كورونا انتشاره وربطاً بتقليل الخارجية الأميركية من درجة حركة دبلوماسييها في الخارج، وهو موقف حمّال أوجه طبقاً لعدة قضايا من بينها ظهور محاولات مكشوفة أميركياً، لممارسة "المماطلة" في ما له صلة بموضوع ترسيم الحدود البحرية متى أن لبنان لم ينصع للمطلب الأميركي توحيد موقفه بشكل رسمي والسير به بإتجاه المفاوضات، التي يُفترض أن هوكشتين قد أنهى رؤيته المستجدة حيالها، وعدم صحة الإعتقاد السائد بأن واشنطن تخشى إصابة موظفيها في بلد يقدّر سقف الإصابات فيه أقلّ من 10 آلاف إصابة في اليوم مقارنة بأكثر من مليون تحصل في الولايات المتحدة!

جانبٌ آخر لا يمكن تجاوزه أو تجاهل الحديث حوله. فوزير الخارجية الذي زار قصر بعبدا، ما زال يتجنّب الخوض في قضية المراسلة الإسرائيلية إلى الأمم المتحدة الواردة بتاريخ 23 الماضي والمتضمّنة شكوى بحقّ لبنان والتي أعادت إعتبار المنطقة الواقعة ما بين الخطين 1 و 23 "منطقة ذات سيادة إسرائيلية". على هذا النحو، هل وضع وزير الخارجية، رئيس الجمهورية بصورة ما يحدث وهل أخذ التوجيهات منه؟ لماذا يتأخر الوزير في توجيه رسالة مماثلة تعيد ضمان حق لبنان، وما هي الخطوة المقبلة التي سيقدم عليها؟ لماذا وإلى حينه لم يطلب الوزير إجتماعاً بسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لشرح وجهة نظر لبنان، ولماذا يتجنّب الظهور في مؤتمر صحافي للحديث حول الإعتداء الإسرائيلي الجديد على حقٍّ سيادي لبناني، وهل يستحق انتظار "هوكشتين" ومبادرته كل هذه التنازلات؟

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram