اللبنانيّون يدفعون ثمن حال "اللا توازن"...

اللبنانيّون يدفعون ثمن حال

Whats up

Telegram

في الشكل يبدو "تيّار المُستقبل" ورئيسه النائب سعد الحريري وكأنّه يعيش حالاً من الإرباك الشديد ومن "اللاتوازن" السياسي، لكنّ هذا الإنطباع الصحيح مئة في المئة ينطبق أيضًا على مُختلف القوى السياسيّة التي تبدو مُربكة وحائرة في أمرها. وكل ما سبق أّدخل لبنان في مَتاهة سياسيّة وإقتصاديّة وماليّة مَفتوحة على مصراعيها، من دون أيّ ضوء بعد في نهاية هذا النفق المُظلم! ماذا في التفاصيل؟.

خريطة الطريق أمام "تيّار المُستقبل" غير واضحة المَعالم إطلاقًا، بحيث أنّ خُطواته السياسيّة المُرتقبة في الأسابيع القليلة المُقبلة مَفتوحة على كل الخيارات. ولكل خيار منها تأثير حتمي على حجم وواقع ونُفوذ "التيّار الأزرق" ليس ضُمن البيئة السنيّة فحسب، بل أيضًا ضُمن التركيبة اللبنانيّة بكاملها، وعلى مُستوى التوازنات السياسيّة الداخليّة أيضًا. وإرباك "المُستقبل" يعود خُصوصًا إلى عدم حسمه التموضع الذي سيتخذه ليس في الإنتخابات النيابيّة المُرتقبة مُنتصف أيّار فقط، بل على مُستوى المحاور السياسيّة في لبنان، فإمّا سيُواصل السياسة السابقة كشريك أساسي في المَنظومة، وإمّا ينتقل مُجدّدًا إلى تموضع مُعارض بوجه "حزب الله"، خاصة وأنّ السياسة الرماديّة لم تعد تحظى بأيّ غطاء سُعودي.

"التيّار الوطني الحُر" الذي إنتقل من الموقع المُعارض للسُلطة في العام 2005، إلى موقع الشريك فيها بعد العام 2008، ثم إلى موقع قيادي من ضُمنها بعد "التسوية الرئاسيّة" التي حصلت في خريف العام 2016، يعيش بدوره حال "لاتوازن". فهو لم يعد بإمكانه مُواصلة السياسة السابقة التي خسّرته شعبيًا ومسيحيًا، علمًا أنّه غير قادر في الوقت نفسه على "كسر الجرّة" بشكل نهائي مع "حزب الله"، لأنّه الحليف الأساسي الوحيد المُتبقّي له داخليًا. وعلى الرغم من التصعيد الكلامي الواضح في خطابات رئيس "التيّار" النائب جبران باسيل، لا تزال مُحاولات ترتيب الوضع بالتي هي أفضل، قائمة بعيدًا عن الأضواء. وهناك أكثر من مُحاولة لإعادة ترتيب الواقع الحُكومي، لكنّ تشابك الملفّات الكثيرة المُتراكمة، زاد الأمور تعقيدًا، وجعل أيّ حلّ غير مُمكن من دون قيام صفقة مصالح مُتبادلة، ستكون حتمًا محطّ حملات سياسيّة وإعلاميّة كثيفة من خُصوم "التيّار"، في حال السير بها. ومع إقتراب موعد الإنتخابات النيابيّة، وكذلك الإنتخابات الرئاسيّة، صار "التيّار البُرتقالي" يطمح لأن تكون أيّ تسوية مُحتملة، أبعد من مُجرّد عودة مجلس الوزراء إلى الإجتماع في مُقابل فتح دورة إستثنائيّة لمجلس النوّاب مثلاً، وأعمق من مُجرّد إقرار ترقية مجموعة من الضُبّاط في مُقابل توقيع مَرسوم إنضمام مجموعة من الناجحين في مجلس الخدمة المدنيّة إلى ملاك الدولة على سبيل المثال لا الحصر. ويُعتقد بشكل واسع، أنّ "التيّار" رفع السقف بوجه "الثنائي الشيعي" طارحًا عناوين خلافيّة كُبرى، في مُحاولة للوُصُول إلى تسوية شاملة مع "حزب الله" تطال تحالفات الإنتخابات النيابيّة، وتُحدّد خُصوصًا المُرشّح إلى الإنتخابات الرئاسيّة.

"حزب الله" يُواجه من جهته واقعًا ضاغطًا جدًا، حيث أنّ الشعارات الكُبرى التي رفعها طوال العَقدين الأخيرين، والتي أكسبته شعبيّة واسعة ضُمن البيئة الحاضنة له والمُؤيّدة لمحور "المُقاومة والمُمانعة"، فقدت الكثير من بريقها بفعل إستفحال الأزمة المَعيشيّة والحياتيّة التي يُواجهها الشعب اللبناني منذ أكثر من سنتين حتى اليوم. وإذا كان "الحزب" قادرًا على أن يحشد إنتخابيًا مُجدّدًا، من خلال التصويب بعدائيّة على خُصوم داخليّين مثل حزب "القوّات اللبنانيّة"، فإنّه سيكون قريبًا أمام مُعضلة كبرى تتمثّل بضرورة الإختيار بين دعم "التيّار البرتقالي" ومن سيُرشّح هذا الأخير للإنتخابات الرئاسيّة من جهة، ودعم الخيار الرئاسي الذي سيُسوّق له رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ضُمن تحالف داخلي غير صغير. ولكلّ خيار من هذين الخيارين حسنات وسيئّات بحسب ميزان "الحزب"، علمًا أنّ الهروب إلى الأمام عبر اللجُوء إلى خيار ثالث وسطي لن يحلّ المُشكلة، وسيُؤدّي إلى ذهاب "التيّار الوطني الحُرّ" إلى طرُوحات تصعيديّة على غرار تلك التي بدأ "التيّار" برميها في الإعلام وبالحديث عنها عبر خُطاباته العالية النبرة.

باقي القوى السياسيّة ليست في حال أفضل، فالحزب "الإشتراكي" مثلاً لا يُمكنه رفع السقف أكثر بوجه "حزب الله" وفي الوقت عينه التموضع في تحالف إنتخابي مع "حركة أمل" بهدف حماية مصالحه! و"القوات اللبنانيّة" لا يُمكنها الذهاب حتى النهاية بمُواجهة "التيّار" على الساحة المسيحيّة، و"حزب الله" على الساحة اللبنانيّة"، لتجد نفسها في نهاية المطاف–وبغضّ النظر عن حجم كتلتها النيابيّة المُستقبليّة، وحيدة ومن دون حُلفاء في المعارك السياسيّة المُقبلة، وفي طليعتها معركة رئاسة الجُمهوريّة التي سُتحدّد وجه الحُكم ككلّ في لبنان في خلال السنوات المُقبلة. وحتى القوى الأخرى التي تُصنّف نفسها في خانة الجَماعات "الثوريّة" و"المُعارضة" والتي تطمح لإحداث التغيير المَنشود على مُستوى الحُكم، تتخبّط في ضياع كبير، حيث لم تُوحّد صُفوفها. ومن اليوم بدأت تظهر التباينات بين القوى "المُعارضة"، مع إتجاه مُتزايد لخوض الإنتخابات ضُمن لوائح مُتقابلة، بسبب خلافات بشأن التحالف من عدمه مع أحزاب "الكتائب" و"الشيوعي" وغيرهما، ومع شخصيّات مثل ميشال معوّض ونعمة إفرام وميشال ضاهر وفؤاد مخزومي، إلخ.

في الختام، صحيح أنّ همّ اللبنانيّين هو في مكان آخر، في ظلّ إستمرار الإنهيار الإقتصادي والمالي، لكن طالما أنّ الضياع والإرباك و"اللاتوازن" هو الطاغي على القوى السياسيّة اللبنانيّة، لا أمل بالوصول قريبًا إلى حُكم مركزيّ يعتمد أهدافًا مُوحّدة للإنقاذ، ولا أمل بوضع مُستقرّ يسمح بتنفيذ أيّ خُطط سريعة للخروج من الأزمة الحاليّة الآخذة بالتمدّد وبالإشتداد أكثر فأكثر، على حساب لقمة عيش اللبنانيّين وعيشهم الكريم.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram