"رؤية عاموس" للحل.. وصايةٌ على الغاز!

Whats up

Telegram

غادر عاموس هوكشتين، كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن الأراضي المحتلة. ما سمعه الوسيط الأميركي لـ"فضّ" النزاع الحدودي بين لبنان والعدو الإسرائيلي في تل أبيب جاء كالتالي: "لا بدّ من الحرص على مصالح إسرائيل الإقتصادية وحماية أمنها". رسالةٌٌ مختصرة أبلغتها وزيرة الطاقة الصهيونية كارين الحرار، وأغلقت الدفتر!

طبعاً، من غير المعقول أن يمارس عاموس هوكشتين وهو الحامل للجنسية الإسرائيلية النقيض. لا بدّ أن يكون في صلب هذا الإملاء. هو يعلم أن ما مضى على ارتكابه الساسة اللبنانيون في مجال نقض حقوقهم في البحر، لا يسع العدو أن يفعله! الجانب الإسرائيلي مرتاحٌ لهذه القضية نوعاً ما ويمارس سطوته في عرض البحر دون رادع قانوني، وعملياً لا شيء يمنعه من التنقيب ضمن المجال الحيوي اللبناني المدوّن في محاضر المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، طالما أنها تبقى خارج تشريعات المرسوم 6433. الأمر ذاته يعلمه هوكشتين الذي يستفيد من هذه "الآفة" اللبنانية على نحوٍ واضح لخلق مجال نقيض ومناقض للحقوق، عاملاً على افتعال إطارٍ تفاوضي بديل إن لم نقل خطاً جديداً. وما بلغه خلال زيارته إلى تل أبيب والتصريحات التي أعقبت ذلك، يوحي بأن الرجل بات يمارس نوعاً من أنواع "الإبتزاز الناعم" بحقّ لبنان، لجرّه بسرعة إلى تحقيق "رؤية عاموس" القائلة بإنجاز اتفاقٍ نفطي/غازي لبناني – إسرائيلي من خارج الأطر العادية المعمول بها، والوصول إلى هذا الهدف يراه "أفضل خيار للبنان".

كان عاموس جدّ حريص خلال مقابلته الأخيرة مع الإعلامية الأميركية هادلي غامبل على استنساخ صورة الحمل الوديع! ظهر الرجل حريصاً إلى أبعد حدود على حقوق لبنان! معظم الوقت كان ينصح الجانب السياسي بفعل هذا الأمر والإسراع في تحقيق هذا الشيء والإقلاع عن ذلك. غامبل هنا عملت كجهة "حريصة" بدورها على تسويق "صورة عاموس" كمنقذ لبناني، أشبه بـ"روبن هوود" أو "سوبر مان الخارق" الذي لديه باعاً طويلاً في مجال الإنقاذ ولديه رؤية و "يحب لبنان"، فلماذا يا أيها اللبنانيون لا تتلقّفونها؟

أسهب عاموس في الحديث والشرح حول مستقبل الطاقة. بدا التناغم واضحاً بين الصحافية ومضيفها. في النتيجة ما كانت هادلي تبتغي سوى التسويق للرجل وتلميع صورته لبنانياً. لم يخجل حين أباح لنفسه تقدير مستقبل الغاز مثلاً، أي الغاز الذي يبحث لبنان عن تحويله إلى منقذٍ. توقع كبير مستشاري بايدن لشؤون الطاقة أن يندثر الطلب على الغاز الطبيعي في المستقبل لمصلحة "الطاقة المتجددة"، وعبر السيناريو "التخويفي" (الذي يُمارس بشكلٍ مشابه تجاه روسيا أيضاً)، مرّر إلى الجانب اللبناني اقتراحه بصفته "عالم" ومن أهل الإختصاص: "الإسراع في الجلوس إلى الطاولة لتأمين حلّ حدودي يكفل استخراج الموارد"! كاد عاموس بـ"طريقته" الناعمة أن يحدّد زمناً صالحاً لإبرام هذا القرار - الإتفاق. قال أنه يجدر ألا يطول الأمر، فلن يخرج الغاز في أي وقت. لا بدّ من استثمار أجنبي ولا بد من شركات وشراكة لبنانية في السوق. والسوق هنا لبس كأي سوق. هو النطاق الحيوي الذي يتم عبره تسويق الموارد وبيعها، وإذا ما بالغنا لزعمنا أنه السوق نفسه المؤلف تحت اسم "منتدى الشرق الأوسط". إذاً لا بدّ من تحركٍ بمفاوضات على أساس زمني سريع نسبياً حتى نتمكّن من التوصل إلى حلّ. ما هو هذا الحلّ الذي يطرحه عاموس بـ"نعومة"؟ الجلوس على طاولة واحدة ومناقشة العدو بمستقبل حقوق لبنان، أي الحقوق السيادية! بعدما نصّبه قائماً عليها، وأن لا إمكانية لاستخراج أي متر مكعب دون اتفاق، ولاحقاً من دون تنسيق وثم تطبيع!

الأسوأ من ذلك، أن عاموس مارس، وبطريقته الناعمة نفسها، حرباً ناعمة على الشركات أيضاً. لم يخجل حين ألمح إلى أن الشركات تحتاج إلى ظروفٍ مؤاتية للعمل، وأن ثمة استثمارات تحتاج إلى سنواتٍ لإنجازها. على هذا الأساس، لن تحضر هذه الشركات للإتفاق على عناصر استثمارية مع الجانب اللبناني إن لم تُحلّ مسألة الحدود. قالها عاموس بوضوح، ثم استدلّ في ذلك إلى الشركات التي وقّعت عقوداً تأجيرية مع الجانب اللبناني ولم تُنجز شيئاً حتى الآن! برّر عاموس ذلك بغياب الإتفاق مع الجانب الإسرائيلي، لكنه لم يفسّر أن الجانب الإسرائيلي نفسه استقدم شركات، وها هي تعمل في الحقول بحرية سيّما تلك المتنازع عليها "شكلياً" مع لبنان. فلماذا ما يصلح على جانب العدو ينتفي هنا؟ ولماذا لم تول تلك الشركات هاربة؟

هذا الكلام يقود إلى احتمال أسوأ، إلى احتمالٍ يوحي بعلاقة أميركية أقلّها في مجال "تهشيل" الشركات من الطرف اللبناني واستخدامها كـ"عنصر ضغط" لإخضاع لبنان لاتفاق لا يعدّ من مصلحته على المدى البعيد، بمعنى آخر أن يأكل من خيراته لمصلحة العدو، ويجعل من حقوقه أسيرة الهوى الإسرائيلي أو تحت تصرّفه، أي أن يضعها تحت وصاية هذا العدو، ولا قيامة لا للبيع او للإستثمار إلاّ بموافقة هذا العدو وتحت شروطه، أي عملياً تحويل تلك المواد العائمة في البحر إلى أداةٍ لابتزازٍ سياسي / إقتصادي للبنان متى رغب الجانب الإسرائيلي أو سواه بذلك! هذه باختصار رؤية عاموس للحلّ!

على الطرف اللبناني ماذا يحدث؟ يتضارب الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي في المواقف. الثاني أعلن رغبته حصر النقاش ضمن الخط 23 المدوّن في المرسوم 6433 كخطٍّ حدودي للبنان، فيما الأول لا يريد تعديل المرسوم خشيةً من الغضب الأميركي، أو لعدم إغضاب المقرّبين منه، ويتنازعان سوياً طريقة إبلاغ الأميركي بموقفهما وعلى أي أساس سيسري، كذلك ما هو السبيل الصالح لإقناع الأطراف اللبنانية برؤيتهم؟

أضف الى ذلك كلام وزير الخارجية عبد الله بو حبيب العلني عبر وسائل الإعلام المتلفزة والذي أكدّ فيه أن موقف لبنان الرسمي هو الخط 23، وكأنه يقول للعدو الإسرائيلي أن كلّ ما يقع جنوب الخط 23 هو ملكه، وبالتالي يمكن مشاركته للبنان بحقل قانا الذي يمتدّ الى جنوب هذا الخط. وهذا كلامٌ خطير يصدر عن الناطق الرسمي بإسم الدولة والذي يُعطي الإسرائيلي الحجّة القوية بالتمسّك بالمفاوضات ضمن مساحة 860 كلم مربع، ويُعفي الوسيط الأميركي من طرح حلّ عادل يقع جنوب الخط 23. وبالتالي يقدم هدية مجانية دون أن يدري لوزيرة الطاقة الإسرائيلية، والتي بالطبع سوف تردّ على أي طرح يقع جنوب الخط 23، بأنه كيف لها أن تُعطي لبنان أكثر مما يطالب به رسمياً وكيف لها أن تقنع الداخل الإسرائيلي بذلك ما دام القاضي راضي.

والسؤال: أهكذا يُستعاض عن حرفية الوفد المفاوض الذي أحرج العدو والوسيط الأميركي، اللذين قرّرا الهروب من مواجهته والإنتقال إلى الجولات الديبلوماسية ومناقشة الوضع مع مسؤولين لبنانيين، لا يريدون الإطلاع على تفاصيل هذا الملف وعلى نقاط القوة التي تُجبر الإسرائيلي على الرضوخ لمطالب لبنان المحقة؟

يوم أمس، وجه الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله كلاماً واضحاً. قال في احتفال يوم شهيد الحزب: "الدولة رفضت الخضوع للإملاءات الأميركية في موضوع الترسيم". موقفٌ أراد من خلاله تحفيز الجانب اللبناني وشدّ إزره. ثم تابع: "هم يضحكون (أي الأميركيين) على لبنان بتسوية ما يسمى خط "هوف"، يعني أقلّ من الحد الأدنى الذي لا نقاش فيه بين اللبنانيين". تطورٌ نوعي يمكن تسجيله عند موقف "حزب الله" ورؤيته حيال الأزمة. موقفٌ يصنّف في إطار الخروج من الضبابية أو الإملاء أو دعنا نقول "ابتزاز أهل الدار"، ويشمل "وخزاً" ليس للخصوم وإنما الحلفاء قبلهم، الضالعين في تشتيت ثروة لبنان. كيف سيتطور موقف الحزب في الأيام المقبلة؟ للبحث صلة.

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram