كيف تعاملت بيئــة الــمـــقـــــــاومـــــة مع الترسيـم؟

كيف تعاملت بيئــة الــمـــقـــــــاومـــــة مع الترسيـم؟

Whats up

Telegram


/ علاء حسن /
تعتبر المجتمعات إحدى نقاط الدراسة الأساسية عند العسكريين والسياسيين على حد سواء، فإذا كان مجتمع العدو منسلخاً عن قيادته أو معارضاً لها في خياراتها تصبح، نقطة ضعف لدى هذه القيادة، وبطبيعة الحال نقطة قوة لصالح الطرف الآخر الذي سيتمكن من المراهنة عليها في أي صراع عسكري أو سياسي، ذلك أن البيئة المدنية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أي حرب. فالحروب ما عادت تخاض في مناطق نائية بين جيشين أو قوتين عسكريتَيْن، بل أصبحت المناطق المدنية مسرحاً للحروب ونقطة ارتكاز في خلق المعادلات حتى ذهب البعض إلى جعلها ركناً خامساً من أركان الجيوش التقليدية.

وفي هذا الخصوص، قام العدو الصهيوني ومن خلفه الأميركي بدراسة توجهات المجتمع اللبناني عامة، والمؤيدة للمقاومة خصوصاً، خلال الأشهر الماضية، ورصد تفاعلها مع موضوع التهديد بالحرب الذي أطلقه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في ما خص استخراج الغاز من حقل كاريش ما لم يحصل لبنان على حق مماثل.

ولما رأى العدو تقبّل بيئة المقاومة لموضوع الحرب، بل وحماسها للأمر، بدأ بمحاولات عزل المقاومة عن البيئة في حرب معرفية واضحة الملامح والأساليب، والتي فندها السيد نصر الله في سلسلة خطاباته العاشورائية، وأفشل مفهومها، من خلال قدرته على مزج المفاهيم الآنية بالأحداث التاريخية، وإعطاء صبغة قدسية وعاطفية لها، مستوحياً مصطلح “جهاد التبيين” الذي أطلقه المرشد الأعلى في إيران السيد علي الخامنئي. والمصطلح يحمل قيمتين تلامسان قلب البيئة المقاومة ووجدانها. فمن جهة يحمل عنوان “الجهاد”، وهو العنوان الذي تربت عليه هذه البيئة طوال أربعين سنة وما سبقها من عمق تاريخي. و”التبيين” الذي يقارب مفهوم “التبليغ”، وهو المفهوم الذي دأبت عليه المنابر الحسينية منذ ما يزيد عن الألف عام.

وبالعودة إلى علاقة البيئة بالترسيم، هناك عدد من العناصر التي يجب الالتفات إليها:
أولاً، يخطئ من يعتقد أن بيئة المقاومة، هي بيئة تعيش الرغد الاقتصادي بسبب الأموال التي يُتّهم “حزب الله” بتوزيعها، بل هي بيئة تعاني الفقر والحرمان منذ قيام دولة لبنان الكبير إلى اليوم، وإن مرّ عام أو أكثر بقليل تنفس فيه المنتسبون للحزب الصعداء، نسبياً، بسبب فارق الأسعار الحاصل نتيجة انهيار سعر الليرة اللبنانية، فهو أمر لم يدم بعد تحول اقتصاد السوق إلى الدولار سريعاً مما أعاد هؤلاء إلى سابق عهدهم في الحصول على مستوى معيشي متوسط وما دون.

ثانياً، يدرك مؤيدو المقاومة أن الآتي من الأيام سيكون أسوأ بكثير مما لو تحملوا شدة الحرب مدة من الزمن، وهي تجربة استمرت معهم أكثر من أربعة عقود، وخرجوا مرفوعي الرأس من كل استحقاق مر على مناطقهم، خصوصاً في الجنوب. وعليه، لا يعود للتهديد الاسرائيلي أهمية طالما أنه سيتلقى ما يؤلمه أكثر مما يستطيع أن يفعل. وطالما أننا سنحظى بنتائج وظروف أفضل مما عليها الآن.

ثالثا، إن مسألة المقاومة وفلسطين تعيشان جدياً في الضمير الجمعي للبيئة، وهي تتألم لما يحصل في فلسطين وللشعب الفلسطيني، وتستنكر ما يفعله المطبعون وتستحقرهم، خصوصاً الذين يعمون أبصارهم عن كمّ الانتصارات التي حصلت في العقود الماضية، وكمّ الإذلال الذي عاشه الكيان، صاحب شعار “من النيل إلى الفرات”، حتى أصبح متقوقعاً على نفسه، يصارع البقاء ويعجز عن حسم خياراته في مساحة صغيرة مثل غزة، أو في مساحة أكبر ولكن منزوعة السلاح مثل الضفة.

رابعاً، نجحت قيادة المقاومة في ربط مشروعها الحالي بالموروث التاريخي والعقائدي للبيئة، لتصبح المقاومة في نظرهم امتداداً لكربلاء وتمهيداً لدولة العدل، ما يعني أنها ستكون مستعدة للتضحيات وتقديم كل ما يلزم لإنجاح مشروعها، وقد قدمت بالفعل تضحيات جسيمة طيلة السنوات الماضية، الأمر الذي حول التضحية إلى قيمة يعتزّ من يقدمها ويتمناها من لم يستطع ذلك.

خامساً، والأهم، هي الثقة المتبادلة بين بيئة المقاومة وقيادتها، الأمر الذي غيّر الكثير من المعادلات وأفشل الكثير من الخطط. فموقف البيئة المساند لموقف القيادة، أربك العدو، ونثر كل تهديداته في مهب الرياح، حتى أصبحت تهديداته في الفترة الأخيرة نوادر يسخر منها الناس ويضحكون عليها في سهراتهم وجلسات النرجيلة.

أخيراً، إن بيئة المقاومة ترى ما حصل انتصار، ليس لأن لبنان حصل على حقه في ثروته النفطية والغازية فحسب، وليس لأنه لم يعد بالإمكان أفضل مما كان، فهي لا تهتم كثيراً لهذه التفاصيل، فالدولة معطلة عندهم منذ ما يقارب القرن من الزمن، وناتج الثروات قد لا يصل إليهم مثل باقي الأموال التي ضاعت في متاهات الهيكل، بل لأنهم يعيشون في زمن يشاهدون بأم العين كيف يرضخ العدو لتهديد أبنائهم، وكيف استطاع لبنان انتزاع حقه من فم الضبع دون إطلاق رصاصة واحدة.

إن الانتصار الحقيقي بنظرهم هو في هذا التغيير الاستراتيجي في معادلات القوة التي مكّن لبنان من الوقوف صامداً أمام سرقة العدو، وأجبره على التنازل.

في المشهد الأخير لفيلم طروادة (troy)، يتحدث القائد العسكري لجيش اغمانون، القائد أوديسيوس وهو يحرق جثمان أخيل، “أن على التاريخ عندما يكتب قصته، أن يكتب أنه عاش في زمن اخيليست”.

وعندما يسأل سائل كيف ترى بيئة المقاومة ما حصل، سيجيب هؤلاء أنه عندما تروى قصة ما يجري اليوم في المستقبل فليكتبوا أننا عشنا في زمن نصرالله.

 

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram