ما بَعد الدبلوماسيّة مع الغرب... روسيا تستعدّ لـ«خيارات صعبة»

ما بَعد الدبلوماسيّة مع الغرب... روسيا تستعدّ لـ«خيارات صعبة»

Whats up

Telegram

وسط ضجيج متصاعد للآليات العسكرية على المقلِبَين الروسي والأوكراني، يسود الترقّب لما سيؤول إليه الشدّ والجذب بين روسيا والغرب، بخصوص المقترحات التي تَقدّمت بها الأولى حديثاً لضمان أمنها. وفيما لا يبدو أن الولايات المتحدة و«حلف شمال الأطلسي» سيسلّمان بسهولة بالمطالب والاشتراطات الروسية، تَعكف موسكو على الاستعداد لكلّ السيناريوات، بما فيها الحرب، في ظلّ صدور إشارات ذات دلالة عن دوائر مقرّبة من صُنّاع القرار، إلى أن حدود أوكرانيا لن تبقى بشكلها الحالي
 
 رمت روسيا ورقتها الأخيرة بوجْه الولايات المتحدة و«حلف شمال الأطلسي»، قبل أن تلجأ إلى خيارات لا يبدو أنه سيكون للدبلوماسية مكان فيها، إذ قدّمت موسكو اقتراحاتها بشأن الضمانات الأمنية التي تطلبها من «الناتو»، تنفيذاً لما اتّفق عليه الرئيسان، الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي جو بايدن، في قمّتهما الأخيرة عبر الفيديو. بالنسبة إلى روسيا، فإن هذه الاقتراحات تضْمن حمايتها من أيّ تهديد آتٍ عبر «الأطلسي»، كما تضْمن عدم تهديد الأطراف المعنيّة بعضها بعضاً. وفي هذا المجال، يوضح بوتين أن بلاده لا تطلب لنفسها أيّ ظروف استثنائية في مجال الأمن، «لكنها لن تترك تحرّكات الغرب العدائية ضدّها بلا ردّ». وإذ أشار إلى أن روسيا بحاجة إلى «ضمانات طويلة الأمد وملزِمة قانونياً»، فهو لم يُخفِ عدم ثقته بالولايات المتحدة؛ كونها «تنسحب بسهولة من كلّ الاتفاقات الدولية التي فقدت أهميتها في نظرها».
 
من جهته، بيّن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في أكثر من مناسبة، أن ما تَقدّمت به بلاده إنّما هو «عرض بفتْح صفحة جديدة مع الناتو والولايات المتحدة»، ودعوةٌ إلى «مراجعة سياسة التوسّع الغربي الجماعية ضدّ مصالح روسيا، باستخدام أشكال وموارد مختلفة في السنوات الأخيرة»، موضحاً أن روسيا لا تدعو إلى «إعادة النظر في نتائج الحرب الباردة، لأنه لا يمكن العودة إلى الماضي»، مستدركاً بأن «الوضع الحالي غير مقبول، ويحمل في طيّاته مخاطر الانفجار، ويجب فعل شيء ما حيال ذلك». وفيما تؤكد موسكو انفتاحها على الحوار لـ«ضمان الأمن العالمي»، فهي تُحذّر من أنها «لن تتردّد في اتّخاذ ما يلزم لضمان أمنها، وقد تضطرّ إلى الردّ بالمثل على تمدّد الناتو»، بحسب تعبير ريابكوف، الذي نبّه إلى أن المقترحات المُقدَّمة أخيراً «لا تمثّل إنذاراً نهائياً، بل إنها تحذير لا يمكن التقليل من شأن جدّيته».
وبينما ساد جوّ من التشاؤم بشأن الردود الغربية على تلك المقترحات، برز الاتصال الهاتفي بين مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، ومستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، جيك سوليفان، والذي بحثا خلاله العرْض الروسي. وبحسب الناطق باسم «الكرملين»، ديمتري بيسكوف، فإن النقاش حمل طابعاً «عملياً وبراغماتياً»، فيما تمّ الاتفاق على مواصلة الاتصالات، التي أبدى رئيس الوفد الروسي في محادثات فيينا حول الأمن العسكري وضبط التسلّح، كونستانتين غافريلوف، تفاؤلاً بشأنها، بحديثه عن «إمكانية التوصّل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة حول الضمانات الأمنية». إلّا أن موسكو، وعلى رغم اعتمادها اللهجة الدبلوماسية إلى الآن، لا تفتأ تؤكد استعدادها لكلّ الخيارات الأخرى، وهو ما جدّد التعبير عنه صراحةً أمس، بوتين، في كلمة ألقاها أمام هيئة وزارة الدفاع، حيث هدّد بأنه «في حال استمرار النهج العدواني السافر من قِبَل زملائنا الغربيين، سنردّ عليه باتّخاذ إجراءات مناسبة في المجال العسكري التقني، وسنردّ بشكل صارم على أيّ خطوات غير ودّية ضدّنا»، مشدّداً على أن «الحق معنا في ذلك كلّياً»، مضيفاً أن مِن حَقّ موسكو أن تتّخذ «الخطوات الضرورية لضمان أمن روسيا وسيادتها». من جهتها، أعلنت واشنطن، التي كانت أبدت انفتاحها على بحْث المقترحات الروسية، أنها ستعدّ «قائمة بالأفعال الروسية التي تضرّ بالمصالح والقيم الغربية»، لافتة إلى أن «روسيا وضعت مخاوفها على الطاولة، ولدينا مخاوفنا الخاصة بنا»، وفق ما صدر عن وزارة الخارجية الأميركية. أمّا الاتحاد الأوروبي، فلا تجد روسيا جدوى مع الحوار معه بشكل جماعي؛ إذ إن الولايات المتحدة هي المتحكّمة الرئيسة بسياسات حلف «الناتو» وقراراته، ولذا تفضّل موسكو، بحسب تصريحات مسؤولين فيها، حوارات فردية مع دول الاتحاد، وهو ما يتقاطع مع موقف كلّ من ألمانيا وفرنسا.
 
 
بالنظر مليّاً إلى المقترحات الروسية، يمكن الخروج بخلاصة واضحة مفادها أن روسيا غير مستعدّة البتّة للسماح بتحوّل أوكرانيا وجورجيا إلى مصدر تهديد لها، ولذا فهي جاهزة للذهاب في أيّ خيار يضمن أمنها، في ما لو باءت محاولتها الدبلوماسية الحديثة بالفشل، خصوصاً في ظلّ انطباع بأن الغرب لن يسلّم سريعاً بالشروط الروسية. وفي هذا الإطار، يشكّك المدير العام لـ«مجلس الشؤون الدولية الروسي»، أندريه كورتونوف، في تصريحات صحافية، في أن تقبل الولايات المتحدة و«الأطلسي» بشروط روسيا، محذّراً من أنه «إذا لم يبدأ الغرب حتى في مناقشة مقترحات الكرملين، فإن موسكو ستتّخذ خيارات مختلفة صعبة». ويرجّح كوروتونوف أن تعمل موسكو على نشر أنظمة صواريخ جديدة متوسّطة المدى على الحدود مع دول «الناتو» في أوروبا، وأخرى في الشرق الروسي يمكنها تهديد الولايات المتحدة. كذلك، ستلجأ إلى تكثيف النشاط العسكري على طول خطّ التماس مع جيوش «الأطلسي»، بحسب توقّع المسؤول الروسي، الذي يقترح أيضاً القيام بمناورات جديدة هناك. وفيما يأمل ألّا تنزلق الأوضاع إلى عملية عسكرية مباشرة ضدّ أوكرانيا، فهو لا يستبعد هذا السيناريو، الذي من شأنه «مفاقمة المشاكل الحالية».
  
من جهته، نشر «نادي فالداي»، في الذكرى الثلاثين لانهيار الاتحاد السوفياتي، المصادف في 20 كانون الأول، دراسة بعنوان «مساحة بلا حدود: روسيا وجيرانها»، تتناول الوضع الجيوسياسي الذي تَطوّر بعد 30 عاماً من اختفاء الاتحاد، وتُناقش كيفية بناء العلاقات بين موسكو والجمهوريات السوفياتية السابقة. وبخصوص الوضع الأوكراني، تَلفت الدراسة إلى أنه تَبيّن في نهاية عام 2021 أن أوكرانيا تُمثّل «منطقة توتّر جيوسياسي أكبر»، مضيفة أنه «لا يمكن التأكّد من أن الدولة الحالية ستبقى في الخطوط الجغرافية التي نعرفها»، في ما يمثّل تلميحاً ذا دلالة، خصوصاً أن «فالداي» يُعدّ من الدوائر المقرّبة من صُنّاع القرار في روسيا.
 

اذا كنت ترغب بمتابعة اخبار موقع " icon News" اضغط على الرابط التالي :

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram